الخميس، 10 يوليو 2008

كلام مأثور

بقلم : د‏.‏ أحمد إبراهيم الفقيه

* يتغذي الحب بموارد كثيرة من أهمها الخيال‏,‏ فحب لا يدعمه رصيد كبير من الخيال محكوم عليه بالسكتة القلبية‏.‏

*‏ يأتي الحب كهبة إلهية‏,‏ يهبط علي صاحبه بمثل ما تهبط مائدة من السماء‏,‏ وهذا هو حب المحظوظين الذين لا يبذلون جهدا في الحصول علي الحب‏,‏ ولكنه ايضا يأتي بالعمل المضني والجهد والمعاناة‏,‏ فيكتسبه صاحبه اكتسابا‏,‏ وينتزعه من أعماق الأفق انتزاعا دون ان يكون هبة ولا منحة‏.‏

*‏ ليس سهلا أن تعثر بسهولة علي الحب الذي حلمت به‏,‏ ولكن الأمر الأكثر صعوبة ومشقة هو أن تتمكن من أن تحافظ عليه‏.‏

*‏ ليس في الحب رابح أو خاسر فإما يربح العاشقان معا أو يخسران معا‏.‏

*‏ الحب في حالة أهل التصوف‏,‏ هو الحلول‏,‏ وفي حالات أخري نادرة هو التوحد مع المحبوب والاندماج فيه‏,‏ كما عبر عنه الشاعر
من أنت أنت ومن أنا اثنان أم احد هنا؟

*‏ أما في حالات الحب ذات الشيوع والانتشار‏,‏ التي تحدث بين العاديين من النساء والرجال‏,‏ فإن الحب هو انتفاء المسافات بين كياني المحب والمحبوب‏,‏ دون ان يذوب أحدهما في الآخر‏.‏

*‏ تربط القصص الرومانسية الحب بالعزلة والبعد عن البشر في جزيرة أو غابة او شاطيء مهجور او برج فوق قمة الجبل‏,‏ لضمان الاستمرار لهذا الحب قويا جياشا بعيدا عن بقية البشر‏,‏ لانها تفترض وجود عنصر شرير لدي هؤلاء البشر يؤدي الحب ويسعي للقضاء عليه‏.‏

*‏ المحب يفيض بحبه علي العالم‏,‏ ولذلك نجد الفتي العاشق في الأفلام الرومانسية يعانق الأشجار ويحتضن أعمدة الكهرباء ويغني لاحجار الطريق فرحا وغبطة‏,‏ وهنا يصبح الحب ملح الأرض واكسير الحياة والوجود‏,‏ بينما يفعل الحقد العكس‏,‏ عندما يفيض الحاقد بحقده علي العالم ويدمر نفسه ويدمر الآخرين‏,‏ كما نري في كثير من الانتحاريين هذه الأيام‏,‏ الذين يقيمون إقامة دائمة في نشرات الأخبار ويفجرون أجسادهم في المقاهي والفنادق والأسواق الشعبية يزرعون الموت والدمار بين الناس‏.‏

*‏ القلب المفعم حبا تراه مضيئا مثل نور الشمس‏,‏ والقلب الذي خلا من الحب تراه مظلما مثل غلس الظلام‏.‏

*‏ الحب أعمي عن قبح الحياة‏,‏ فهو لا يري إلا كل شيء جميل‏.، اقترب من الحب برفق‏,‏ وتحدث اليه باسما هامسا‏,‏ ولا تحتد في الانفعال في حضوره قولا أو فعلا‏,‏ لأنه ناعم كأوراق الورد‏,‏ مهما بدا امامك كبيرا قويا عتيا‏.‏

*‏ الحب يظهر في النفس أجمل وأنبل ما فيها‏,‏ بينما تظهر مشاعر النقمة والغيرة والحقد أبشع ما في نفس الانسان‏.‏

*‏ الحب لا يعرف الحسابات‏,‏ وما أكثر العشاق الذين ألقوا بأنفسهم‏,‏ عن رضا وطواعية‏,‏ الي التهلكة‏,‏ من أجل من يحبون‏.‏

*‏ هل الحب نعمة ينعم بها الانسان في مرحلة الشباب فقط‏,‏ أم هو دوحة تفيء بظلالها علي أعمار اكثر تقدما‏,‏ هذا يحدث احيانا بالتأكيد‏,‏ ولكن الحب باعتباره ربيع الحياة‏,‏ فلابد‏,‏ بالضرورة‏,‏ ان يلتقي باستمرار‏,‏ مع ربيع العمر اكثر من التقائه بفصول العمر الأخري‏.‏

*‏ يوجد في العالم أناس يملكون كل أسباب العيش اللذيذ السعيد‏,‏ وآخرون لا يملكون شيئا من هذه الأسباب‏,‏ والانتقال من معسكر التعساء المعدمين الي معسكر الحياة اللذيذة‏,‏ دائما شديد الصعوبة‏,‏ إلا في حالة واحدة‏,‏ هي حالة الدخول في الحب‏,‏ لان من يملك حبا يكون قد وضع في يده مفاتيح السعادة ووصل الي منابع الفرح والهناء‏.‏

*‏ للحب أعداء كثيرون‏,‏ يسعدهم مطاردة الحب والمحبين‏,‏ وهم أولئك الذين تسميهم الأغاني العواذل‏,‏ وهؤلاء هم الأعداء الخارجيون‏,‏ الذين لا يفلحون دائما في تحطيم الحب كما يفعل الاعداء الداخليون‏,‏ اي الموجات السالبة الموجودة في قلوب المحبين انفسهم‏,‏ وأخطر هذه الموجات السالبة التي تقتل الحب‏,‏ الغيرة‏.‏

*‏ نعم‏,‏ هناك قصص حب تصل إلي نهايتها‏,‏ بعد أن تكون قد استنفدت أغراضها وأعطت أصحابها قسطا وافرا من السعادة‏,‏ مشكلة بعض الناس أنهم لا يغادرون محطة هذا الحب بعد أن يغادرهم‏,‏ ويظلون جلوسا حول رماده‏,‏ يخدعون انفسهم وينتظرون الحصول علي الدفء من هذا الرماد‏,‏ بدل الانتقال الي مواقع اخري في الحياة تعد بانوار جديدة ودفء حقيقي‏.‏

*‏ يقول جلال الدين الرومي لا سبيل لملامسة السماء إلا بقلوبنا‏,‏ لأن هذا الشاعر الصوفي الجليل يعرف ان للقلب امكانيات لا يحلم بالوصول اليها أي عضو آخر من أعضاء الإنسان أو ملكة من ملكاته بما في ذلك العقل‏.‏

*‏ بالحب وحده نتملك العالم‏,‏ وننتصر علي عوامل القهر والإحباط فيه‏.‏

*‏ تتساوي القلوب في أحجامها تشريحيا‏,‏ ولكنها تختلف سعة وضيقا بمساحات غير محدودة‏,‏ فهناك قلب بسعة السماء‏,‏ وآخر في حجم ثقب الإبرة‏,‏ وهي أيضا تتساوي عند التشريح في ألوانها‏,‏ ولكنها تختلف في مقاييس العواطف والحب والانفعال‏,‏ فهناك قلوب لها لون الصباح لحظة شروق الشمس‏,‏ وأخري لون الليل في حلكته وانغلاق حلقاته‏.‏

*‏ أجابت علي سؤاله بالصمت‏,‏ لانه في مراحل الحب الاخيرة‏,‏ وعند وصول العلاقات إلي خواتيمها‏,‏ ينضب الكلام فلا يبقي غير الصمت‏,‏ فالصمت يكون في أحيان كثيرة أقوي بلاغة وتعبيرا من الكلام‏,‏ فهو يختزل مسافات ويعبر افاق ويحرق مراحل ويصل الي المناطق البعيدة والعميقة التي يعجز الكلام عن الوصول اليها‏.‏

*‏ لماذا تتبدل ورود الحب الحمراء‏,‏ ذات النضارة والرواء‏,‏ وتتحول الي ورود ميتة‏,‏ ذلك يحدث لأن الحب مثل شجرة الورد‏,‏ لابد ان تموت اذا لم نتعهدها بالرعاية والعناية ونسقي جذورها برحيق القلب‏.‏

*‏ الحب في مجتمعات الكبت والحرمان له لون آخر‏,‏ وشكل اقل صحة وعافية منه في المجتمعات المفتوحة‏,‏ فالطفل الذي يشتاق في طفولته للحصول علي حبة تفاح ولا ينالها‏,‏ لن تشبعه حمولة سفينة من التفاح عندما يكبر‏,‏ وهكذا هو الحرمان في الحب‏,‏ فمن عاش في صباه وشبابه الأول محروما منه‏,‏ لن تستطيع حمولة سفينة من الحب ان تشبع جوعه في مراحل العمر المتقدمة‏.‏
** منشور بجريدة "الأهرام" المصرية، 6-6-2007

ليست هناك تعليقات: