الاثنين، 21 يوليو 2008


إشكالية النهوض بالعالم القروي

مخلفات الجفاف بمنطقة عين مزكلة، عمقت مظاهر الفقر و البطالة



إذا كانت ظاهرة التمدن قد طغت على نمط حياتنا وأصبح الإنسان يفتخر بمدنيته، فإن هناك عالما آخر مهمشا كان ولا زال ينبظ بحياة أرضه وبساطة عيشه وقناعة سكانه، ألا وهو العالم القروي، أو ما يصطلح عليه بلهجتنا الدارجة " العروبية".عالم يعيش أزمات لا حصر لها، فقر، بطالة، جفاف، أمية... مشاكل و غيرها تستدعي طرح التساؤل التالي : أي استراتيجية متبعة للتخطيط المجالي يكون هدفها تحقيق التنمية المستدامة للنهوض بالعالم القروي ؟

إن المجال القروي بالمغرب يمثل ذلك الحيز الجغرافي الخارج عن المدارات الحضرية، يقطنه حوالي 45 بالمائة من السكان، هذه النسبة هي بطبيعة الحال في تراجع لعدة أسباب، أبرزها الهجرة القروية، وهذه الأخيرة هي كذلك نتيجة لتراكم مآسي يتخبط فيها سكان البادية، فقر، بطالة، تهميش، أمية، تراجع وثيرة الإنتاج الفلاحي بسبب التغيرات المناخية ونكسات ( الجفاف)...، كلها مسببات جعلت من تنمية المجال القروي هدف صعب المنال، خاصة في الوضعية الراهنة، فجل ساكنته تعاني في صمت في ظل غياب أصوات تناضل من أجل النهوض بأوضاع هؤلاء المنسيين، صحيح هناك عدة إستراتيجيات تتبعها الدولة للوفاء بعهودها، وتقديم يد العون لهؤلاء القرويين، غيرأن هناك قرى لا زالت منسية، ولا زال سكانها يتمسكون ببساطتهم، بحيث ما زالت هذه القرى تضيء ليلها بالشموع، وتشرب من مياه الآبار، وتستيقظ على صياح الديك. ومن هذه القرى، منطقة لا أحد سمع عنها من قبل، تعرف بإسم عين مزكلة نسبة إلى
عينها التي تسد عطش الآلاف الساكنة، من القرية وضواحيها.

عين مزكلة في خطر

عندما تصل إلى هذه القرية تشعر لأول وهلة بهدوء تؤتت فضائه زقزقة العصافير، وأصوات المواشي والحيوانات البرية، سكان هذه المنطقة بسطاء للغاية،
تقول السيدة حبيبة75 عاما، أم لسبعة أولاد، أرملة" أنا أحب البادية فهي حياتي، وهي مماتي، فأنا من النوع الذي يكره الحياة في المدينة، فأنا أجد ذاتي مع تربية المواشي والأبقار والخروج باكرا لجمع الحطب، وسقي الزرع والسهر على رعاية أفراد أسرتي، غير أن في الأعوام الأخيرة الحالة ضعيفة نظرا لقلة الأمطار الأمر الذي أثر على المردود الفلاحي، "فالجفاف ماخلا لبهايم ما ياكلو، فالوقت صعابت والمعيشة غلات"،
تضيف خديجة 37عام متزوجة وأم لطفلين "نحن في البادية نعاني التهميش، يا أختي حتا واحد ما مديها فينا، لا ماء لا ضو، لا مدارس مقادة بحال عباد الله، لا مستشفى يداوي المرضى، فلي مرض خصو يمشي لمدينة إما الجديدة أو أزمور، حنا مكرفسين، وبغينا الدولة توقف معانا على ود عدنا وليدات باغين نقر يوهم، ونضمنوا ليهم مستقبلهم، ماشي في الأخير يهربوا لينا للمدينة ولا يحركوا لينا برا".
ففي هذه المنطقة الناس يعانون الأمرين مر الجفاف ومر عدم وجود بديل لإعالة أسرهم إلا ما رحم ربي ، وبحسب روايات الساكنة فلفظة عين مزكلة هي بربرية الأصل رغم أن سكان المنطقة هم عرب وليسوا برابرة، وهي عين أزلية تبعد عن حوز أزمور بحوالي 25 كلم وعن مدينة الجديدة بحوالي 48 كلم، وهي تابعة لعمالة إقليم الجديدة، وفي إطار النظام الجديد الذي يهم إيصال الماء إلى الدواوير، سكان المنطقة متخوفون من إغلاق هذه العين التي يستفيد من خيرات مياهها مايزيد عن 45 كلم مربع من آهالي المنطقة ونواحيها.
كما نشير إلى أن نسبة الفقر في هذه القرية هي جد مرتفعة، وبحسب السكان فقد فرض عليهم أداء 500 درهم كمقابل لإدخال أنابيب المياه، الأمر الذي أثار حفيظة الأهالي الذين سيطالبون بحسب أقوالهم الجهات المعنية بإيجاد حل يرضي كل الأطراف ، خاصة وأن هذه العين صمدت في وجه أزمات الجفاف التي عرفها المغرب سنوات السبعينات وثمانينات .

الفقر، البطالة، مشاكل استفحلت حدتها مع نكبات الجفاف

إن منطقة عين مزكلة ونواحيها هي فقط جزء من كل يعاني التهميش والفقر، فقر ازدادت حدته بازدياد حدة الجفاف وقلة التساقطات، فالبوادي المغربية ومنها هذه المنطقة بالذات تعتمد بشكل أساسي على الفلاحة بمختلف أنواعها، وتربية المواشي، وقلة التساقطات كانت مخلفاتها قاسية على السكان فمعظم الفلاحين قاموا بحرث أراضيهم قبل الأوان، كذلك المواشي منها من توفي جراء قلة العلف، وهنا أقصد الفلاحين الصغار.
فالعالم القروي يعاني من احتدام مشكل الفقر، فتبعا لإحصاء الذي قامت به وزارة الفلاحة خلال سنة 1996، والذي اتضح من خلاله أن الساكنة التي لها مدخول ضعيف تشكل 4,5 مليون نسمة أي حوالي 43 بالمائة من الساكنة القروية ، وهذه الإحصائيات رغم قدمها إلا أنها تشكل أرضية للنقاش ، لأن الحال الآن لم يتغير كثيرا بل ازداد تعقيدا، كما نشير إلى أن ثلثي سكان البوادي يعيشون في إطار استغلاليات صغيرة،و هناك دراسات بينت أن 70 بالمائة من الفقراء بالمغرب يعيشون بالبوادي والقرى.
و 30% من الساكنة القروية تنفق 3000 درهم سنوياً وهو ما يقارب إلى حد ما عتبة الفقر التي حددتها المنظمات الدولية، هذه الساكنة الفقيرة تعيش من خلال تعدد الأنشطة الموسمية بالعالم القروي أو بالمجالات الحضرية القريبة.أما معدل البطالة بالعالم القروي هو في حدود 5,4% مقابل 13,9% كمعدل وطني. لكن هذه المعطيات ليست معبرة على اعتبار أن البطالة المقنعة هي السائدة بالعالم القروي.

العالم القروي يعاني من ارتفاع نسبة الأمية

كذلك من بين المشاكل المطروحة للنقاش هي نسبة الأمية التي رغم المجهودات التي بدلتها الحكومات المتعاقبة فهي لا زالت في ارتفاع ولا زال الهدر المدرسي من بين المشاكل التي تعاني من الفتيات القرويات
.فإذا كان معدل الأميين أكثر من 10 سنوات بالمغرب هو حوالي 50% فإن هذه النسبة بالعالم القروي هي في حدود 70%، ومعدل تمدرس الفتيات بالعالم القروي هو 48% والأغلبية يغادرن المدرسة بسرعة ولا يتممن دراستهن، فتفشي الأمية في صفوف الأمهات والآباء على مستوى البادية وجهلهم بأهمية تعليم الفتاة، وعدم وعيهم بالدور الذي قد تلعبه في تنمية الاقتصاد الوطني يحد من التحاق الفتيات بالمدارس، كذلك فكرة أن المدرسة تفرخ عاطلين، وأن الفتاة بتعليمها ستنفتح علة ثقافات أخرى قد تؤدي إلى انحرافها، والدليل أن هناك فتيات وما أكثرهم هاجروا إلى المدينة وهم يشتغلون بمصانع بالأحياء الصناعية بمدينة الدار البيضاء، ولا يعرفون لا القراءة ولا الكتابة، وهناك شريحة أخرى تملك من الوعي ما يجعلها تتحمل قسوة الحياة من أجل تعليم أبنائها في البادية وبعدها المدينة.
وفي الوقت الراهن جل المشاكل بالعالم القروي تعاني منها المرأة خاصة في مجال التزود بالماء الصالح للشرب و بأعواد الطهي والتدفئة، إضافة إلى غياب مستوصفات بجميع المناطق الريفية تتكفل بالنساء أثناء فترة الولادة
هذا المشكل الأخير يحيلنا إلى غياب و قلة التجهيزات التحتية، حيث راكم العالم القروي تأخرا واضح بالمقارنة مع المجال الحضري في ميدان البنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية. فمجموعة من المؤشرات أظهرت أن الوضع جد خطير بالعالم القروي رغم مساهمة مجموعة من السياسات القطاعية للنهوض بالعالم القروي، والبرنامج الوطني لإنجاز الطرق القروية كبرنامج التزود بالماء الشروب، برنامج الكهربة القروية. إلا أن هذه البرامج طلب منها أن تحقق في فترة ما بين (1995-2010) مجهود مضاعف 6 إلى 7 مرات أكثر مما حقق خلال 40 سنة (1995-1956)
بالرغم من ذلك فإن هذه البرامج حققت نسب نجاح مهمة تجاوزت في بعض المناطق 80%، بينما لا تزال تعاني في بعض المناطق الأخرى من بعض العراقيل، وفي عين مزكلة ونواحيها هناك مبادرات لإدخال الماء الشروب، لها ولكافة المناطق التي تجاورها، ولكن ذلك على حساب العين التي سوف يتم إغلاقها.

الهجرة القروية هي البديل

احتدت الهجرة القروية بشكل كبير في هذه المنطقة فأغلب أبنائها هاجروا إلى المدينة، وهناك من باع أرضه وتخلى عن ماضيه ، ليقطن المدينة بحلوها ومرها، الأمر الذي جعل هناك خصاص على مستوى الموارد البشرية التي تمتهن الفلاحة وتعتني بالأرض، فتعاقب سنوات الجفاف، وغياب إستراتيجية فعالة تؤهل القرية لتواكب تطورات المدينة جعلها تكون قبلة للناس فقط في أيام العطل، فهناك من هاجرها قصد تدريس أبنائه والتفكير في مستقبلهم الذي سيكون مظلما في البادية، في ظل استفحال مشكل الأمية ، الأمر الذي جعل العمل في هذه المنطقة بالذات خاصية نسائية بامتياز.
هذا وقد لوحظ خلال الإحصاء العام للسكان لسنة 2004 أنه بشكل عام هناك تراجع لسكان القرية في ظرف عشر سنوات، كما أشارت توقعات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أنه خلال 2025 ستكون الساكنة المغربية في حدود 39 مليون نسمة، وسيكون نصيب القرويين منها 14 مليون نسمة، فقد أصبحت الهجرة القروية سببا رئيسيا في إفراغ البوادي من سكانها نحو المراكز الحضرية.
فالهجرة، وإلى الآن لم تتوقف، بل الإحصائيات تؤكد ازدياد أعداد النازحين نحو المدن المجاورة، سعيا وراء إمكانية توفير الحد الأدنى في الشغل والحصول على لقمة العيش الكريم .
فالبادية كانت ومازالت أمام محطتين متقابلتين، فإما الهجرة منها وما ينتج عن ذلك من تأثير سلبي على مختلف المجالات وبالتالي تفتقد مقوماتها الذاتية في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
وإما الاستقرار فوق الأرض نفسها وانتظار مستقبل مجهول لا يكاد البدوي يرى من خلاله الضوء الذي يمكنه أن ينير له درب المعاناة. فالمشكل كان مطروحا وبحدة منذ البداية ثم تفاقم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بالتالي كانت النتيجة تكدس ضواحي المدن بالسكان وفراغ البوادي.
و مع تعاقب السنين، ازدادت أحوال البادية سوءا وترديا من غير أن تظهر في الأفق بوادر التخطيط المعقلن لتنمية عالم تائه، وهكذا ترك الحبل على الغارب، فكان الهروب من جحيم لا يطاق وفقر لا يحتمل، وضيق في العيش، إلى عالم المدينة الملوث بجو مصانعه وكثرة مشاكله .
فلحد الساعة، لم نسمع عن برنامج أو مخطط شمولي، لا من المسؤولين ولا من الأحزاب الملتزمة، يحدد أهدافا ومشاريع وأجندة مضبوطة، تجعل ساكنة العالم القروي تعيش فوق أرضها مطمئنة بعيدة عن الشعارات والوعود التي تتكرر مع كل حكومة جديدة، ولا ترى

الإستراتيجية المتبعة للنهوض بالعالم القروي

رغم كون الحكومة المغربية قد اعتبرت العالم القروي من ضمن الأولويات التي يجب أن يهتم بها ضمن سياسة تنموية شاملة هدفها فك العزلة عن هذا العالم وإدماجه في ركب التنمية من خلال تقوية المراكز بالخدمات الأساسية وبالوحدات الصناعية والصناعات التحويلية، بحيث تمت بلورة استراتيجية 2020 من طرف وزارة الفلاحة والتنمية القروية، التي تهدف إلى تنمية الإنتاج الفلاحي، والرفع من فرص الشغل والمداخيل في النشاط الفلاحي، إلا أننا نجد أن هذه المجهودات لم تصل للدرجة التي يمكن أن تحقق التنمية الفعالة القادرة على إيقاف النزيف من القرية إلى المدينة، بفعل نكبات الجفاف فالعالم القروي يعتمد بشكل أساسي على الفلاحة
بحيث يساهم النشاط الفلاحي بنسبة 16% (كمعدل) في الناتج الوطني الخام بتغيرات تتراوح ما بين (12% و24 %) حسب الظروف المناخية. ويعيش حوالي 80% من الساكنة القروية داخل استغلاليات فلاحية
و تؤدي الظروف المناخية المتدبدبة سنوياً وجهويا إلى تدبدب في ضمان الأمن الغذائي مما يضطر الدولة إلى صرف أموال باهضة في استيراد المواد الغذائية، الحبوب مثلا خلال سنوات الجفاف.



ليست هناك تعليقات: