الاثنين، 28 أبريل 2008





بعد فضيحة عمارة شارع أنفا
الدعارة الراقية ترقى بالمغرب إلى الحضيض

طفت على السطح الأجساد الأنثوية التي أصبحت فريسة سهلة لمن يدفع أكثر، وكثرت الدور المخصصة لممارسة الدعارة سواء تعلق الأمر بالدعارة الراقية أو الشعبية، في غياب المراقبة الأمنية، التي تتحرك في فترات محددة ليس بسبب القضاء على البغاء، وإنما لأغراض قد يكون أهمها حماية أمن الدولة الداخلي، أو محاربة المخدرات.

أوكار الدعارة

قامت مصالح الأمن والدرك هذه الأيام بحملات تطهيرية ضد ما يسمى بـ''الدعارة الراقية''، اقتحمت بعض الفيلات والشقق المخصصة لها، و التي يتم توظيفها في استقطاب فتيات يبعن أجسادهن لفائدة شخصيات ميسورة مغربية أو قادمة من دول الغربية أو الخليج العربي، كان آخرها، قيام فرقة الأخلاق العامة التابعة للفرقة الجنائية الولائية، وفرقة مراقبة الأماكن العمومية، بناءا على التحريات التي باشرتها فرقة الشرطة السياحية، بمداهمة عمارة من عشرة طوابق الكائن مقرها بشارع أنفا، بمدينة الدارالبيضاء يخصصها صاحبها لممارسة الدعارة.
سكان البنايات المجاورة كانوا يعتقدون أن هذه البناية فندق مرخص له من قبل الدولة، قبل أن تتدخل وزارة السياحة وتباشر التحقيقات في هذه القضية.
و قد أسفرت المداهمة عن إيقاف 49 متهم بينهم 25 فتاة تبين من بعد أن من بينهم مهندس وطبيبة وكذا لاعب دولي، إضافة إلى تورط مجموعة من الأجانب من بينهم أسترالي ونمساوي وفرنسيون. وقد تمت متابعتهم في حالة سراح باستثناء حارس العمارة، الذي قررت النيابة العامة متابعته بتهمة المشاركة في إعداد وكر للدعارة .
وهذه العمارة، ليست حديثة البناء، وقد جهزت على شاكلة فندق فخم، بحيث تتوفر على مركز إستقبال، ويصل ثمن كرائها إلى 1000 درهم لليلة الواحدة.
وما حصل لا يثير الاستغراب، لأن مثل هذه العمارات كثيرة، ولا احد يعلم بها، ولا يعلم أين توجد، ولا كيف تعمل، فأوكار الدعارة انتشرت في المدن المغربية، ولكن تحت غطاء فنادق أو شقق مفروشة، لكنها في حقيقة الأمر مخابئ جماعية لممارسة الفساد، وقد طرح الكشف عن العمارة المذكورة عدة علامات استفهام أهمها تواجدها في أهم شوارع العاصمة الإقتصادية، إضافة إلى اشتغالها في الأعمال المحظورة التي تدر أرباحا طائلة على مالكها، الذي لا زال هاربا، كل هذا في غفلة من السلطات الأمنية.
فمثل هذه العمارات تحظى بإقبال لا يضاهى من طرف زبنائها من مختلف الجنسيات، لأنها تقدم شققا، بسومة كرائية منخفضة بالمقارنة مع أثمنة الفنادق الكبرى، ففي جل المدن الكبرى، مراكش، الرباط، أكادير... انتشرت دور الدعارة الراقية التي تتخفى عن الأنظار بمباركة بعض الجهات التي تغض الطرف عنها، دور تنشط فيها مختلف أنواع الفساد الأخلاقي، كدور الضيافة في مراكش التي ساءت سمعتها بعد نشر الفيلم الإباحي لشواذ جنسيا، على أمواج عالم الأنترنت وهم يرقصون على أنغام موسيقى كناوة والذي خلف موجة استنكار في صفوف الساكنة المراكشية التي لم تعهد هذه الممارسات في أرقى أحيائها، كما أن العديد من الأجانب أصبحوا يزورون مراكش خصيصا للقيام بالسياحة الجنسية، على مرأى ومسمع الجميع، والأكثر من ذلك فهناك دور تبنى خصيصا للممارسة الدعارة، لهذا فسكان الأحياء الشعبية والرياضات بدؤوا يغادرون الأحياء القديمة بحثا عن شقق في العمارات الجديدة. فهذه الدور التي أصبح غالبيتها في ملكية أجانب، يصفها البعض ب"أوكار للدعارة" وممارسة الفساد،فقد أصبحت شبكات الدعارة ترمي شباكها في عدد من المدن المغربية، لإصطياد اللحم الانثوي، مشجعة على الفساد الأخلاقي، ضاربة عرض الحائط كل الأصول الدينية والقانونية والأخلاقية التي تجرم هذه الأفعال المشينة وتعاقب عليها.
لهذا نجد السلطات الأمنية، تسعى جاهدة من خلال خططها، إلى الحد من جرائم الآداب المرتكبة فوق نطاقها الترابي، بعدما أكد التقريرالأخير لوزارة الداخلية أن تلك الجرائم تحتل حيزا مهما من مجموع الجرائم التي سجلتها خلال عام 2007، وقد مكنت هذه الحملات منذ انطلاقها في عدد من المدن المغربية من اعتقال عدد من الأشخاص، وجهت لهم تهم «تنظيم شبكة للفساد وإعداد وكر للدعارة والخيانة الزوجية واستهلاك المخدرات والوساطة..».

الليالي الملاح

إن الدعارة الراقية التي نتحدث عنها، تختلف عن الشعبية التي تكون بسبب العوز والحاجة، أما الأولى فمدمنوها شخصيات نافذة، ومسؤولون كبار، ونساء بدءوا مومسات سافرن إلى دول الخليج، وانخرطن ضمن الشبكات المتخصصة في المتاجرة بالأجساد، وعدن إلى الوطن، وفتحن محلات تجارية في أماكن راقية، وأصبحن الصنارة التي تصطاد فريستها بسهولة وبدون عناء، وطعمها في ذلك مبلغ مالي خيالي، وألبسة رفيعة المستوى، وغير ذلك، وفي هذا الصدد تروى حكايات غريبة عجيبة عن هذا العالم، إلى درجة لا يصدق معها العقل البشري ما يجري وراء الفيلات الفخمة التي يملكها الأجانب خاصة الخليجيين في المغرب، فإذا كنا نتحدث في عصرالرأسمالية على سيطرة الشركات المتعددة الجنسية على الرأسمال الدولي، فإن شبكات الدعارة تتخفى كذلك في جنسيات مختلفة، والظاهر أنها توغلت في جسد المغربي كفيروس السيدا، والغريب في الأمر ان ممارسات الدعارة الراقية يفتخرن بأنفسهن، ويجعلن من مهنتهن مهنة شريفة، مكنتهن من طرد الفقر والحاجة إلى غير رجعة، والإنتقال من عالم البؤساء، إلى عالم ألف ليلة وليلة، فالدخل الذي تتقاضاه الواحدة من اللواتي يرقصن في الليالي الحمراء يزيد عن 4000 درهم لليلة الواحدة، وهناك من تتقاضى مبلغها بالوردة أو الوردتين، يتم صرفها في أماكن مخصصة لذلك، وإذا أراد الإنسان أن يتعرف عن قريب على خبايا هذا العالم، ماعليه إلا المدوامة على ركوب القطار، ليرى بأم أعينه الفتيات اللواتي، يذهبن إلى فيلل الخليجيين،في عدد من المدن المغربية. وهذا ما أكدته إحداهن، مضيفة أن هذه الليالي التي ترقص فيها العديد من الفتيات من مختلف مناطق المغرب، ويقبضن مبالغ تخولهن العيش سيدات زمانهن، فهي مثلا تمكنت من شراء شقة فخمة، وسيارة رفيعة المستوى، بالإضافة إلى أنها تأتي من كل ليلة محملة بأجود العطور والملابس ذات الماركات العالمية.
فهؤلاء الأمراء الخليجيين، يقمن باختيارالفتيات التي تقدم ملفات ترشيحهن عبر أباطرة هذا الميدان، الذين هم في الغالب سيدات، كما حدث في الرباط، في إحدى القصور التي يملكها أحد الخليجين، الذي أصبح قصره بورصة للفتيات المغربيات. كذلك قصة لبنى الشنوية التي توبع فيها عدد من رجال الأمن لضلوعهم في شبكة للدعارة وترويج المخدرات.
فجل الدول العربية تعاني من استفحال ظاهرة بيع الجسد كمصر، سوريا، العراق بعد الإحتلال، ففي دول الخليج ازدادت المنافسة الشرسة في هذا الميدان بين المغربيات والعراقيات، اللواتي اكتسحن الميدان وأصبحن ورقة رابحة لأغلب الكليبات التي تعرض على شاشات التلفاز.
فالدعارة عامة ليس لها ارتباط ببلد معين، والواضح أنها هي ظاهرة العصر، فرغم وجود قانون جنائي يعاقب ممارسيها فالمقاربة القانونية أثبتت فشلها في القضاء على الدعارة، وعلى معاقبة ممارسيها، والدليل ان نطاقها اتسع ليشمل الطبقات الميسورة، و الفتيات في المدارس العليا، والنساء اللواتي يشتغلن في أحسن الوظائف.
لكن ومهما يكن الأمر وكيفما كانت الأسباب والدواعي والتبريرات، فإن منطق اللامساواة هو السائد، فالحالات التي يتورط فيها ممارسوا الدعارة ، تنتهي بسجن الفتيات المغربيات، والإفراج على هؤلاء الوحوش الضارية، بكفالة تصل إلى 5000 درهم،إذا كانوا أجانب أو ترحيلهم إلى بلدانهم، لهذا فالعديد من الفاعلين الحقوقيين يطالبون بتحقيق مبادئ المحاكمة العادلة،لأن نظام الكفالة يعطي لهؤلاء المتورطين الفرصة للفرار بجلودهن، وتبقى السلطة التقديرية لدى المحكمة التي ترى أنه لا مانع في متابعة هؤلاء في حالة سراح، لكنها لا تقدم الضمانات الكافية من أجل إحضارهم أثناء المحاكمة، بل تعطيهم الفرصة الكاملة للمغادرة بدون عقاب.وخير مثال على ذلك القضية التي أثيرت في صيف 2005 بعد شن السلطات المغربية أكبر حملة تمشيطية لدور الدعارة في المدن المغربية، والتي يعتبر بعض السياح الخليجيين من روادها، وتم في غشت من نفس السنة ترحيل 22 سائح خليجي من جنسية سعودية إلى بلادهم عبر مطار محمد الخامس بعد ضبطهم بمراكش في حالة تلبس بتهمة الفساد وممارسة الدعارة صحبة فتيات قدمن من مدن مغربية مختلفة.وغير بعيد عن مراكش، ولكن هذه المرة بأكادير حيث تفجرت قضية الصحفي فيليب سرفاتي الذي تورط في قضية الإستغلال الجنسي لمجموعة من الفتيات المغربيات، يبلغ عددهن 80 فتاة، قام بتصويرهن في أوضاع شاذة ومخلة بالكرامة الإنسانية، وبث مغامراته عبر الأنترنت سنة 2004.
ولا زالت "قضية سرفاتي" لحد الأن تثير السخط والغضب في المغرب، كما خلّفت استياء كبيرا لدى الجالية المغربية في بلجيكا، خاصة وأن المتورط البلجيكي بقي خارج المتابعة والمحاكمة للاقتصاص منه على أفعاله الشاذة.









.

















الجمعة، 25 أبريل 2008

الثلاثاء، 22 أبريل 2008

الهجرة حتى الموت

ما الذي يمكن أن يجعل المرأة المغربية تترك وطنها، وذكريات طفولتها، وأحلامها، لكي تهاجر إلى بلد لم تكن تعرف حتى أين يوجد في الخريطة العالمية، ما الذي يدفعها إلى الاغتراب والى مفارقة الأحباب والارتماء في أحضان بلد قد يكون سببا في سعادتها و أحيانا أخرى سببا في تعاستها وشقائها؟

تغيرت معالم العصر الذي نعيشه، وأصبحت المرأة عنصرا فاعلا في تحقيق النمو الإقتصادي، وفي تحمل المسؤولية الكاملة تجاه أفراد الأسرة، ففي ظل تعقد ظروف الحياة، تعقدت مجموعة من المفاهيم وتغيرت مجموعة من الأشياء التي كانت فيما قبل حكرا فقط على الرجال، فلم يكن بمقدور المرأة مثلا في السابق أن تسافر لوحدها، بل كان من اللازم أن تكون برفقة شخص يؤمن لها الطريق قد يكون زوجها أو أحد من أفراد أسرتها، لكن اليوم أصبح من السهل على المرأة أن تعبر إلى الضفة الأخرى إما للإشتغال في حقول التوت، أو لإتمام تعليمها، أو للالتحاق بزوجها أو لغاية في نفسها تكون في مقدمتها الحصول على دخل مادي يعيلها ويعيل أسرتها، فالمهاجرات المغربيات بدول المهجر أصبحن يشكلن عنصرا فعالا في تحقيق النمو الإقتصادي للمملكة، غير أن العيش في أي دولة أجنبية، يتطلب الكثير من التضحية والكثير من المشقة.

شبح الموت

أصبحت دول كإسبانيا، إيطاليا، الإمارات، الكويت وغيرها من الدول، تحتل رتبا متقدمة فيما يخص عدد المغاربة الذين يشتغلون بها، غير أنه في السنوات الأخيرة أصبحت المغربيات أكثر عرضة من غيرهن للعنف بمختلف أشكاله، فالكل يعلم بأن العيش في دولة أجنبية لها عاداتها وتقاليدها ولغتها هو بالصعوبة بما كان خاصة إذا كان المهاجر لا يحسن تكلم لغة البلد المضيف، لهذا فإذا كانت مجموعة من المهاجرات يتقنن لغة الدول التي احتضنتهن، فإن الغالبية يذهبن للإشتغال ولكن لا يتكلمن بلغة البلد الذي استقبلهن خاصة النساء اللواتي يشتغلن خادمات في البيوت، أونادلات في المقاهي....
وفي كلتا الأحوال ينظر إليهن كشيء مادي مفرغ من الأحاسيس، همه هو الحصول على لقمة العيش، إلا قلة قليلة من المغربيات اللواتي استطاعن أن يثبتوا بأن المرأة المغربية هي قادرة على العطاء، وقادرة على التأقلم مع الوضع الذي تعيشه سواء كان ذلك في بلدها أو في أي بلد آخر، وهذا بالدرجة الأولى تحققه النساء اللواتي قصدن الدول الأجنبية للتعلم وإتمام الدراسة، للحصول على شهادات عليا تخولهن، الحصول على وظيفة مهمة في المجتمع الذي يعيشون فيه أو العودة إلى الوطن، والبحث عن تحقيق الذات، والإستقرار ماديا ومعنويا، فدافع عدد من المغربيات لركوب المخاطرة هو الحصول على"دبلوم الدراسات العليا" تخصصات متنوعة، هندسة، تجارة... منهن من ترجع إلى وطنها، ومنهن من تستقر هناك، ويُنْشئن جمعيات اجتماعية وثقافية تهتم بالجاليات الوافدة على ذلك البلد.
غير انه في بعض الأحيان قد يكون بحث المغربيات عن فرص جديدة للحياة في الدول المتقدمة سببا يعرض حياتهن للخطر، في ظل غياب الإهتمام الدولة بظروف الجالية المغربية التي تشكل المرأة المغربية نسبة كبيرة منها، وفي ظل موجة العنصرية التي رغم أن الكل يعترف بأنها ليست عامة ، فإنى ازدياد موجة قتل المغربيات في الخارج يثير علامات استفهام حول دم المغربيات الذي يهدر في الخارج ولا أحد يحرك ساكنا، كما أن لا أحد يعرف العدد الحقيقي لحالات الوفيات التي راحت ضحيتها النساء المغربيات.
ففي الشهر الماضي لقيت الطالبة المغربية سناء حدادي في العشرينيات من عمرها، مصرعها على يد شاب قيل بأنه يحمل الجنسية المغربية بمدينة طاراغونة الكطالانية، قام بتصويب طعنات متتالية وبطريقة وحشية لسناء التي كانت تنتظر أخاها قرب محل عملها بشارع " كريستوفركولون" ليرجعا سوية للمنزل، وقد توفيت سناء بعدها متأثرة بجراحها، دقائق بعد وصولها إلى موقع الحادث، وتواصل الشرطة الإسبانية إلى حد الساعة بحثها عن الجاني وتحرياتها في موضوع مقتل الضحية للإهتداء إلى الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ارتكاب المتهم الجريمة. وتأتي حادثة مقتل سناء حدادي أياما فقط بعد وفاة الطالبة المغربية لمياء (23) المنحدرة من من مدينة تازة والتي كانت تدرس في السنة الرابعة في كلية الصيدلة، وتعود وقائع هذه الجريمة إلى قيام اسباني يبلغ من العمر 52 سنة بزيارة إلى الشقة التي تقطن بها الضحية، حيث كانت تقتسم شقة مع طالبة مغربية وأخرى اسبانية، غير أنه لم تعرف لحد الساعة الأسباب الحقيقية لهذه الجريمة، وقد أفاد بلاغ للشرطة أن الجاني سبق وأن توبع سنة 1978 بسبب اعتداءات جنسية ارتكبها خارج مدينة غرناطة، وقد خلفت وفاة الطالبة موجة من الحزن الشديد في صفوف عائلتها وأصدقائها.
أما الجريمة الثالثة فقد راحت ضحيتها السيدة المغربية حفيظة عامر (46) سنة، التي لقيت مصرعها مؤخرا داخل مقصف ببلدية سيوداد رودريغو التابعة لمدينة صالامنكا، وقد فارقت الحياة بعد أن أطلق عليها مواطن اسباني عدة طلقات نارية بواسطة بندقية، ويبلغ الظنين( 64) سنة وهو من إقليم الباسك وقد سلم نفسه للحرس المدني مباشرة بعد أن ارتكب جريمته.
فسفارات البلدان التي تهتم بمواطنيها وبسمعة بلادها تنتفض في كل حدث يهددها أو يهدد مواطنيها في البلدان التي توجد فيها، لكن سفارات بلادنا لا زالت مقصرة، ولا زال أمامها الكثير لتقدمه لحماية حقوق المهاجرات المغربيات.
ومن خلال متابعة ظروف عدد من النساء المهاجرات، يتضح بأن وصول المرأة المغربية إلى بلاد المهجر لا يتحقق إلا بصعوبة، خصوصا اللواتي يهاجرن خارج الإطار العائلي، أو بطرق غير شرعية.

الإستغلال والمس الكرامة

لا يمكن الجزم أن هجرة النساء المغربيات كانت كلها نقمة عليهن، كما لا يمكن القول إنها كانت نعيمًا مطلقًا، فمنهن من تعيش شعور الغربة والعزلة مع صعوبة الاندماج في المجتمع الغربي المخالف لما ألفته، وما لذلك من تأثير على نفسيتها وحياتها الزوجية والأسرية، ومنهن من وقعت تحت سيف "العنصرية" أو "الاستغلال الجنسي" وأباطرة التجارة بالبشر، في النوادي الليلية.. وغيرها كثير من المآسي والسلبيات التي ما زالت تقف حجرة عثرة أمام المرأة المغربية.
فأمام الإزدهار الذي شهدته السياحة في دول الخليج، ارتفع الطلب على اليد العاملة في هذا القطاع وخصوصا النسوية منها، وبالرغم من كل القوانين والتشريعات التي قامت بها الدولة لحماية المهاجرات المغربيات مما قد يتعرضن له من استغلال ومس بكرامتهن النفسية والجسدية، فإن الأوضاع المزرية التي تعيشها بعض النساء في هذه الدول تجعل من الصعب على الإنسان أن يصدق أن مثل هذه الأفعال ترتكب في دول عربية، والكل يعرف بأن المغربيات سمعتهن مشبوهة في هذه الدول، نظرا لما تكتبه الصحف يوميا عن المغربيات اللواتي يمتهن الدعارة في هذه البلدان، مع العلم أن غالبيتهن يمارسن ذلك بالإكراه، أو خضوعا لأوامر أباطرة الفساد.
فالمغربيات اللواتي يهاجرن أو يحلمن بالهجرة إلى الدول النفطية، دافعهن الأول مادي، فلو وجدن الظروف المناسبة للإشتغال في أرض الوطن لما رضخن للواقع المرير الذي يعيشونه في دول المهجر.
وهنا يجب أن تحضر الدولة بجميع ممثليها، لتحقيق الإكتفاء الذاتي لسكانها بدل تصديرهم الى الدول الأخرى كما هو حال المغربيات اللواتي صدرن للإشتغال في حقول الثوث بإسبانيا بمباركة من
الحكومة المغربية. وتتميز أوضاع هذه الفئة من العاملات بالهشاشة نتيجة لعدة اعتبارات تتوزع مسئوليتها بين الدول المصدرة لهذه العمالة، وشركات التوظيف، والدول المستقبلة لها. فلا توفر الدول المصدرة الحد الأدنى للحماية القانونية لمواطنيها في شروط التعاقد والرقابة على شركات التوظيف، وتوعية العاملين بحقوقهم، وتتفاقم الشكوى من استغلال شركات التوظيف لهذه العمالة، ولا تكفل القوانين المطبقة في معظم البلدان المستقبلة ضمانات الحماية القانونية لحقوق هذه الفئة من المهاجرات.
وتشير الإحصائيات الرسمية المغربية لعام 2004 أن عدد المغاربة المقيمين بالخارج بلغ حوالي ثلاثة ملايين، منهم مليون و113 ألفا و167 في فرنسا و423 ألفا و933 في إسبانيا و298 ألفا و949 في إيطاليا وثلاثمائة ألف و332 في هولندا.











الخميس، 17 أبريل 2008


في ظل غياب الإهتمام بهم
المجانين يجوبون الشوارع المغربية


انتشرت ظاهرة المختلين عقليا في الجسد المغربي، وأضحت الشوارع العامة مأوى للعديد من المرضى النفسيين، الذين قادتهم الظروف إلى فقدان عقلهم فأصبحو منبوذين اجتماعيا، وعناصر غير مرغوب فيهم بين الناس، نظرا لما قد يشكله عنفهم في بعض الأحيان من تهديد لأمن المواطنين الذين أصبحوا يتعايشون معهم، في سلام وطمأنينة تارة، و بحيطة وحذر تارة أخرى.
فلماذا لا تهتم الدولة بهذه الشريحة من خلال وضع خطة استراتيجية هدفها تخصيص مراكز لإيواء وعلاج هؤلاء المرضى ومعاهد لتكوين أطباء وممرضين مختصين في علاج الأمراض النفسية؟
الساعة تشير إلى الواحدة والنصف ظهرا، الشارع يعج بالناس وبالمتجولين الذي يأتون للتعرف على آخر صيحات الموضى من خلال المحلات التجارية المعروفة في شارع الأمير مولاي عبد الله. وبالضبط أمام مقهى لاشوب يترآى لك شخص، للوهلة الأولى تظن أنه إنسان طبيعي، مثله مثل جميع الناس، غير أنه بمجرد ما يبدأ بالحديث حتى تكتشف أنه يعيش في عالم آخر بعيد عن عالم العقلاء، فالمجانين الذين اعتادوا على المجيئ لهذا المكان، كل واحد منهم يتكلم بلغته الخاصة وبطريقته الخاصة، منهم العنيفين ومنهم المسالمين، فهذا المكان وكما يؤكد ذلك مرتادوا مقهى لاشوب، أصبح قبلة لمجانين المغرب، والمكان المفضل لهم لسرد حكاياتهم مع الزمن، فقد أضحى المكان ديوان مظالم المجانين بامتياز.
فظاهرة انتشار المجانين، في المدن المغربية أمرا يثير الجدل، ويطرح العديد من علامات الإستفهام حول الأسباب التي تجعل الإنسان يعيش حياة مختلفة عن حياة الناس المحيطين به، حياة لا يحكمها قانون العقل البشري، وغير خاضعة لقيود المجتمع وغير مبالية بأخلاقه وسلوكياته. إلا أننا اليوم أصبحنا نلمس كيف أن بعض الأشخاص في كامل قواهم العقلية يشترون الجنون واللاوعي بالمال، فاغلب ضحايا الأمراض النفسية اليوم، قد يكونوا في مقتبل العمر، يدمنون على تناول المخدرات، إلى درجة قد تؤثر على عقلهم النابض، فقد أصبح هذا السم المنتشر بين شبابنا ذكور وإناث، يعرض عقول الكثيرين للخراب، والإنتهاء في مصحات العلاج النفسي، فالإدمان على تناول المخدرات كالقنب الهندي والعقاقير والحقن الشديدة التأثير مثل الهروين والكوكايين، يعد كذلك من الأسباب الرئيسية فيما أصبح يعرف اليوم بالحمق الذي تصنعه وتتناوله الأيدي البشرية.

إشكالية الصحة النفسية في المغرب

إن المرض النفسي، مثله مثل باقي الأمراض الجسدية يحتاج بدوره، إلى وصفات طبية لمعالجته، ولتفادي ما قد ينجم عنه من أعراض مضاعفة، قد تحتاج في بداية المرض لأدوية بسيطة، تعطي أكلها في مدة زمنية قصيرة، ولكن نظرة المجتمع للمريض النفسي، تجعل من الصعب على الناس اللجوء إلى الأطباء النفسيين، خوفا من نعتهم بالمجانين، غير أن هذه النظرة وكما يؤكد على ذلك أطباء النفس تغيرت، بحيث أصبح الإقبال جد مهم على تلقي العلاجات النفسية.
لكن الإحصائيات الشبه الرسمية، تعكس الصورة تماما، فقد تبين أن نسبة المغاربة الذين يعانون الاكتئاب يصل إلى أزيد من 5 ملايين من بين 30 مليون مغربي، وهي نسبة ضخمة، وأن أغلبهم لا يتلقون أي علاج نفسي، في الوقت الذي لا يتعدى عدد الأطباء النفسانيين في البلاد 350 طبيبا، والذين يتقاسمون علاج المرضى مع الأضرحة و«الأولياء الصالحين» .
وسجلت مبيعات الأدوية المضادة للاكتئاب في المغرب أرقاما قياسية حيث تبلغ مليون وصفة طبية كل عام، وقد ارتفعت بأزيد من 50 في المائة خلال الست سنوات الأخيرة.
فالعلاج النفسي في المغرب مازال لم يرقى إلى درجة يصبح معها قادرا على مواجهة العدد المتزايد للمرضى النفسيين، مع العلم أن عدد المختلين عقليا هو في تزايد، في غياب أي مراكز لإيوائهم، ومستشفيات لمعالجتهم، في ظروف صحية مناسبة تساعدهم على التحسن وعلى التأقلم مع أوضاعهم الإجتماعية، دون أن ننسى قلة الأطر المختصة من أطباء وممرضين، وقلة التكوين في مجال الطب النفسي، خاصة المزمن منه. فقد أظهرت إحصائيات وزارة الصحة أن عدد الأسرة المخصصة لهؤلاء المرضى بالمغرب يبلغ نحو 1934 سريرًا، أي بمعدل 0.8 سرير لكل عشرة آلاف مواطن، وهو ما يبعد بكثير عن المعدل العالمي الذي يتحدد في 4.5 أسرّة لكل عشرة آلاف نسمة.
وتوضح الإحصائيات أن من بين 1943 سريرًا يتركز 1396 في سبعة أقاليم، في حين أن الأخرى لا تتوفر على أي بنية تحتية للمرضى النفسيين.
وفيما يتعلق بالأطباء، فإنه لا يوجد سوى 124 طبيبا نفسانيا من بين 6160 طبيبًا في وزارة الصحة، فيما لا يوجد سوى 76 مختصا في الأمراض النفسية بين 6795 طبيبا في القطاع الخاص.
أما إحصائيات المنظمة العالمية للصحة فتشير إلى أن 1% من مجمل سكان المملكة المغربية (300 ألف شخص) مصابون بمرض انفصام الشخصية، منهم ما بين 40 و50 ألف مريض في الدار البيضاء وحدها ليس لهم إلا 200 سرير فقط.
فالصحة النفسية في المغرب تعترضها، مجموعة من العوائق التي تحتاج إلى رؤية جديدة، تضع نصب أعينها، الزيادة في عدد المستشفيات المختصة في العلاج النفسي، والتي تراعي المعايير العالمية، وأيضا الزيادة في عدد المحترفين في هذا الميدان، القادرين على التعايش مع المرضى النفسيين، بشكل إنساني، يخرجهم من طابع الإنزواء والعيش بمفردهم في عالمهم المملوء بالتخيلات والتخوفات.
وأظهر استطلاع للرأي قامت به وزارة الصحة في عام 2003 بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية أن 48.9% من المستجوبين يشعرون بعرَض واحد على الأقل من عوارض فقر الصحة النفسية تراوحت بين المنغصات العصبية البسيطة و حالات الكآبة والقلق المرضي. ويضيف الاستطلاع أن 5.6% من الناس شعروا بالاضطراب النفسي في فترة من فترات حياتهم.

الجريمة والعقاب

ما يقوم به المجانين من فوضى بسبب الهستيريا التي قد تنتابهم بين الفينة والأخرى، خاصة إذا كانوا غيرخاضعين للمراقبة إما من طرف أطباء مختصين، أو من طرف الأهل والأقارب، يشكل في بعض الأحيان قنبلة موقوتة تهدد سلامة وأمن المواطنين.
فكثيرا ما نسمع على أن شخص راح ضحية مجنون ، ولا يقدر عواقب تصرفاته لأنه ببساطة، يعاني مرضا من الأمراض النفسية ، فنسبة كبيرة من ذوي الأمراض النفسية والعقلية وكذلك بعض الذين يعانون اضطربات شخصية يرتكبون جرائم قد تكون صغيرة وعادية لكن أحيانا يرتكبون جرائم كبيرة وبشعة ولا يستطيع أحد أن يتخيلها، بعضها يكون نتيجة المرض، خاصة أمراض الفصام التي قد يرتكب المريض خلالها أعمال عنف ضد أشخاص قد يكونون أقرب الناس إليه، كتلك الحادثة التي وقعت في حي من الأحياء الشعبية، راحت ضحيتها، فتاة في مقتبل عمرها ضربها مجنون على رأسها بآلة حادة، فسقطت قتيلة في الحال، والمجنون حكم عليه بالسجن، ليطلق سراحه فيما بعد، لا زال يعيش حياته في نفس الحي، ومع نفس الناس. قصص كثيرة حول مجانين يعترضون المارة في الشوارع العامة، و يشكلون خطرا على أمن المواطنين.
ولكن للأسف المرضى النفسيين الذين يقومون بجرائم خطيرة في المغرب، بعضهم يذهب إلى السجن والبعض الآخر إلى المستشفيات النفسية، في الوقت الذي يجب فيه على الدولة نظرا لحساسية الوضع عدم خلط الشخص المجنون مع الإنسان العادي، بمعنى أن تكون هناك مستشفيات خاصة بالمجانيين الذين ارتكبوا جرائم خطيرة، فهؤلاء المرضى يشكلون خطرا على المجتمع وخطرا على أنفسهم ويصعب أن يتم احتواؤهم في أقسام نفسية عادية بل هم في حاجة إلى مكان آمن ومحكم الحراسة وفي نفس الوقت يتلقون العلاج بانتظام وتحت المراقبة الطبية.


الدكتور التيال محمد هاشم: طبيب نفساني

المرض النفسي والعقلي هو مسألة واحدة ولكن الناس هم من صنعوا الفرق

ماهو الفرق بين المرض العقلي والمرض النفسي؟

الأمراض العقلية والنفسية هي مفهوم واحد، فالعقل والنفس يعتبران مسألة واحدة، ولكن المفهوم السائد عند عامة الناس هو أنهم يميزون بين الصعوبات التي تكون عند أقلية من الأشخاص، والتي تجعلهم يظهرون بمظهرمختلين عقليا، بمعنى آخر تربطهم علاقة غير طبيعية بالواقع، الأمر الذي يجعلهم يرون أشياء، ويتخيلون أشياء ليس لها وجود، وهو ما يعرف بالحمق.
فبالمفهوم العام الأمراض العقلية هي التي تشمل الحمق أو نوع من الحمق في تصرفات المريض النفسي، وبالنسبة للناس فالأمراض النفسية هي أخف من الأمراض العقلية، بحيث المصابين بالمرض النفسي يملكون القدرة على التكيف مع الواقع ومع المحيط الإجتماعي الذي يعيشون فيه، كما تجعلهم يمارسون
حياتهم بشكل عادي و طبيعي، فالفرق إذا هو من صنع الناس.

أنواع الأمراض النفسية؟

هناك أمراض كثيرة، ولكن المشهور منها، نجد العصاب، والذي يقصد به كل التخوفات التي قد تصيب الإنسان، وتجعله يشعر بخوف شديد لا تفسير له، فالمريض يعرف في قرارة نفسه بأن هذا الخوف الذي يحسه، هو غير طبيعي ولكن شاء أم أبى يرغم نفسه عليه، فلا يقوى المريض مثلا على صعود الأماكن المرتفعة، أو الدخول إلى الأماكن المظلمة، كل هذا تحت مظلة الخوف الذي هو في حقيقة الأمر مرض يستدعي استشارة طبيب مختص.
هناك أيضا مرض الوسواس القهري، وهو من أخطر الأمراض، وهو مرض نفسي أخطر من المرض العقلي، لأن المريض لا يمارس حياته بالشكل العادي والطبيعي، فهو مثلا يقوم بغسل يديه عدة مرات، لأنه يشك في نظافتها،أو يقوم بالتأكد من إغلاق الباب مرات عديدة لأنه يظن أن الباب مازال مفتوحا.
وهناك شكل آخر من الأمراض النفسية وهو الذي ينتج عن الضغوط النفسية التي تجعل الناس يشعرون بعدم الاطمئنان في أنفسهم، ويشعرون بخوف ليست له علاقة بأمر محدد، كأن يرن جرس الهاتف، أو أن يفتح الباب...إضافة إلى هذه الأمراض، هناك الأمراض النفسية الجسدية، كأن يشعر الشخص بألم في القلب، او المعدة أو ألم في الرأس، فالضغوط المتراكمة هي التي تجعل الإنسان مهووس بمرض ليس له وجود إلا في مخيلته، والدليل، أن عند ذهابه للطبيب، يخبره هذا الأخير بأن صحته جيدة جدا.
أما الأمراض العقلية والتي يصطلح عليها (شيزوفرينيا )، فهي عندما يصبح الإنسان يعيش في واقع غير واقعه الحقيقي، ويتوهم ويسمع ويشاهد أشياء ليس لها وجود إلا في عالمه الخاص الذي يعمل فيه العقل بدون قانون، ويفقد القدرة على التمييز، إضافة إلى أن المريض العقلي، في هذه الحالة يشعر بأن الكل
ضده، وبأنه منبوذ اجتماعيا.

ماهي أسباب المرض النفسي ووسائل علاجه؟

في غالب الأحيان، ليست لنا دراية نهائيا بالأسباب التي قد تؤدي بالشخص إلى المرض النفسي او العقلي، فقد تكون راجعة بالأساس إلى مرحلة الطفولة، كأن يعيش الطفل في وسط غي ملائم لا ينمي شخصيته بالشكل المطلوب، مما يجعله يصاب بأزمة نفسية فيما بعد.
فتراكم الأسباب التي قد يقطعها الإنسان خلال مراحل حياته، قد تؤدي إلى نتائج نفسية تحتاج إلى علاج. هذا الأخير جل الناس يجهلون قيمته، أو يعتقدون أنهم بمجرد لجوئهم لطبيب نفساني قد ينعثون بالجنون، فهذه نظرة خاطئة يجب أن تصحح.
فالعلاج النفسي متوفر، وبأثمان مناسبة، وثمن الأدوية في المتناول، ويختلف بحسب جيب المواطن، ف75 إلى 80 بالمائة، من الناس تتم معالجتهم في ظرف ستة أشهر ويقلعون عن تناول الدواء نهائيا.

بماذا تفسركثرة المختلين عقليا، الذين أصبحوا يجوبون الشوارع العمومية ليل نهار، في غياب مراكز ومستشفيات لإيوائهم؟

نلاحظ أن هناك عجز من قبل الدولة والمسؤولين، لإعطاء الفرصة للمستشفيات، هناك مجهود في الآونة الآخيرة، ولكن الوسائل غير كافية، فمستشفيات الإيواء قليلة، والعديد من المرضى لا نجد لهم أسرة وأفرشة كافية في المستشفيات، فالطاقة الإستيعابية تبقى غير كافية تاتا.
أيضا ليست لدينا مستشفيات متخصصة في معالجة المرضى العقليين، وطاقم طبي متخصص في هذا المجال، صحيح أن هناك أطباء وممرضين أكفاء يسهرون على رعاية هؤلاء المرضى ولكن يبقى ذلك غير كافي بالنظر إلى أعداد المرضى التي تتقاطر على المستشفيات العمومية، فضعف الوسائل والإمكانيات يجعل من الصعب على هذه المستشفيات تحمل هذا العبء، إذ لابد من تضافر جهود الدولة ومساعدة الجمعيات لأن بالفعل هناك نقص كبير في مجال الصحة النفسية في المغرب.
فالمغرب مثله مثل باقي دول العالم فيما يخص عدد المرضى، ولكن إذا قمنا بمقارنة حجم العناية بالمرضى النفسيين في المغرب وأوروبا مثلا، فالفرق كبير جدا، إضافة إلى عامل آخر مهم يجب أخده بعين الإعتبار وهو التعامل مع هؤلاء المرضى بشكل إنساني، يحترم أدميتهم، مع توفير كل فرص الإدماج لهم في المجتمع حتى يمارسوا حياتهم في حالة العلاج بشكلها الطبيعي.

الاثنين، 7 أبريل 2008





الحرب العالمية الثالثة ضد الإسلام

فيلم فتنة للمتطرف الهولندي فيلدرز لم يفتن إلا صاحبه

إن سب و شتم الدين أصبح من ملامح العصر الذي نعيشه، فبعد فيلم الخضوع لمخرجه الهولندي ثيوفان غوخ وبعد الآيات الشيطانية لسلمان رشدي ، ثم الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، التي نشرتها جريدة يولاند بوسطن الدانماركية، والتي تناقلتها مجموعة من الصحف الدولية باسم حرية التعبير، ضاربة عرض الحائط القيم التي تحث على احترام الديانات، أتى دور الفيلم المسئ للقرآن الكريم " فتنة" الذي أنتجه البرلماني الهولندي اليميني المتطرف غيرت فيلدرز، والذي بثه الموقع الإلكتروني، ( لايف ليك) ليعيد طرح السؤال، لماذا يسعى بعض المتطرفين في الغرب في الآونة الأخيرة إلى ترسيخ فكرة حق الإساءة إلى الأديان، وبالأخص الدين الإسلامي؟ لماذا أصبح شتم الإسلام ورموزه وجبة شهية لأصحاب النفوس السيئة؟ من وراء هذه الهجمة الخبيثة التي تمس الإسلام والمسلمين؟ أين هي أصوات الشعوب الإسلامية التي ملت من تكرار الشعارات والخروج للتنديد بالتطاول على حرمة الإسلام؟

فتنة فيلم لم تقع

إذا كان مخرج فيلم " فتنة" قد قصد بفيلمه أن يخلق فتنة دينية في هولندا على وجه الخصوص أبطالها المسلمون المتطرفون، فإنه وقع في خلط شديد يدل على أنه لا يعرف عن الدين الإسلامي إلا القشور، التي صورها من خلال زمرة من المتطرفين الذين أدرجهم في فيلمه وهم لا يمثون للإسلام بصلة. فغيرت فيلدرز زعيم الحرية المعادي للهجرة، واليميني المتطرف في البرلمان الهولندي، عمل من خلال فيلمه الذي لا هو فيلم وثائقي ولا فيلم سينمائي، بل مجرد تركيب لصور غايتها هي التهكم على الإسلام من خلال اعادة بث الرسم الكاريكاتوري المسيئ للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وقطع ورقة من القرآن الكريم،على تكرارفكرة لا طال ما رددها المعادون للإسلام وهي ربط الإسلام بالإرهاب، من خلال إعادة سيناريوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأحداث مدريد، رابطا إياها بآيات من سورة الأنفال، مدرجا بعض المشاهد فحواها أن المسلمون لا يطيقون اليهود وبأن الدين الإسلامي قد دعا إلى محاربتهم، معبرا من خلال فيلمه على خوفه الشديد من التهديد الذي يشكله انتشار الإسلام في هولندا.
والغريب في الأمر أن فيلدرز رغم إدراجه لسلسلة من مشاهد الإعدامات التي تحدث في بعض الدول الإسلامية باسم الإسلام، والتي بنظره مخالفة لحقوق الإنسان، لم يدرج المشهد الدرامي لصدام حسين، وهو يعدم أمام ملايين الناس وفي عيد الأضحى المبارك، ولكن هذه المرة باسم الإرهاب، وهنا يطرح السؤال ألا يعني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها راعية للحرب على ما تسميه إرهاب، لها يد فيما أصبح يعرف بالحرب الصليبية ، والتي كان الرئيس بوش قد نادى بها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ والتي تعد مثل هذه الإعتداءات على الإسلام منظوية تحتها. ألم يخطر ببال مخرج الفيلم أن الإرهاب الحقيقي ليس هو إقامة الحدود التي ذكرها الله في القرآن الكريم، على من يستحق العقاب، ولكن الإرهاب هو قتل الأبرياء باسم محاربة الإرهاب؟.

الخوف من انتشار الإسلام

فجرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من سنة 2001 موجة الهجوم الغربى على الإسلام بحيث أصبح الساسة الكبار هم المتصدرون لعملية الإساءة لهذا الدين الحنيف بشكل غير مسبوق على الإطلاق ، فبالإضافة إلى عبارة" الحرب الصليبية " التى جاءت على لسان الرئيس الأمريكي بوش ، خرج مجموعة من رجال السياسة وكذا رجال الدين،إضافة إلى العديد من الفنانين لمهاجمة الإسلام وتصوير المسلمين على أنهم إرهابيون ، هذه الكراهية ازدادت بدعم إعلامي غربي بعد أحداث مدريد.
فالعالم الغربي كما يحلله المؤرخون والمفكرون الغربيون خائف من اتساع رقعة الإسلام والمسلمين، وهي حقيقة، لم تغب على فيلم فيلدرز،الذي ذكر بالأرقام عدد المسلمين في هولندا، والذي يشكل بنظره خطرا حقيقيا على جميع الدول الأوروبية، وهذا الخوف تجلى كذلك في كتاب المؤرخ الإنجليزي ارنولد توينبي، الذي حاول من خلاله أن يمنهج لعوامل القوة والعظمة والإنحطاط والتراجع في الحضارات الكبرى، واختص من بينها في الحضارة الغربية التي توقع لها الموت أو على الأقل مستقبل قاتم.
كذلك لا ننسى ذكر القنوات التي تعادي الإسلام، وتسيء إلى نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، في أوروبا كقناة الحياة الناطقة باللغة العربية، وقناة "سي إن إن" الأمريكية، هذا التعاون الإعلامي على حظر الإسلام والتبشير بالمسيحية كنموذج معتدل للدين يدخل في إطار الصراع بين الديانات، والذي حاول جل الإساتذة والمراقبين تجنبه والمناداة بالحوار بين الأديان، فالتيارات الدينية المتعصبة في أمريكا وأوربا، وهي قليلة العدد، ولكنها مؤثرة للغاية، تهدف تحديداً إلى تجريم الإسلام، وتبرير الإساءة إليه تحت مبررات الحرب على الإرهاب، والدعوة إلى المسيحية في مواجهة الإسلام ، وتنقية أوربا والغرب من الخطر الإسلامي. وقد ظهرت العديد من الدعوات الدينية في أوربا مؤخراً حول ذلك. ومن بينها جماعة أطلقت على نفسها اسم "الرب يريد المحبة"، ومكتوب على صفحة الموقع الخاص بهذه الجماعة، والتي دعت في ربيع 2007 بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد الثمانين للبابا بندكتوس السادس عشر: "لقد حان الوقت أن نتحرك لحماية الغرب وكل المهددين من الإسلام المتطرف... إننا يجب أن نحاول إعادة تنصير البلد الأصلي والتبشير بين المسلمين بحذر، حيث ينبغي علينا محاولة إبعادهم عن تمسكهم بـ"النبي" بطريقة لطيفة، والواضح أن مثل هذه التيارات تنذر بخطر جسيم يتهدد المسلمين في الديار الغربية، ففي إيطاليا مثلا، إرتد صحفي مصري عن الإسلام، واعتنق المسيحية بمباركة من البابا بندكتوس السادس عشر في قداس بييترو بالفاتيكان ليصبح بذلك مسيحيا كاثوليكيا، وقد قوبل هذا الفعل بموجة استنكار من قبل الجالية الإسلامية بإيطاليا، وبحسب ما نشرته إحدى الصحف الوطنية فإن الصحفي المصري مجدي علام، عرف بمهاجمته للإسلام وللمسلمين. والمفارقة الغريبة أن البابا بندكتوس قام بتنصير المصري على الملأ، ولم يكلف نفسه عناء التنديد بهذه الإساءة التي تعرض لها المسلمون في هولندا بعد بث فيلم "فتنة".

موجة استنكار واسعة

إذا كانت الإساءة إلى الإسلام والى المسلمين هي الشغل الشاغل لبعض المتطرفين الغربيين، والتي للأسف تحظى بدعم إعلامي منقطع النظير، لدرجة انه كل من أراد الشهرة ليس عليه إلا القيام بعمل إما يشتم فيه الإسلام أو يستهزئ بأحد رموزه فتسلط عليه الأضواء، وتتهافت عليه وسائل الإعلام،
فبعرض فيلم فتنة دخل فيلدرز تاريخ الإساءات من بابه الواسع، لأنه هذه المرة اعتدى على القرآن الكريم. فعرض الفيلم في هولندا لم يخلف أي موجة من الإحتقان الشعبي عند المسلمين، لأن بنظرهم الفيلم لا يستحق كل هذه الضجة، لأنه تافه في الفحوى وتافه في المعنى، وصاحبه يميني متطرف معروف بمعاداته للإسلام، ولكن في كلتا الحالات، سماح الحكومة الهولندية بعرضه يبقى مثار جدل.
أما اشتراكيو أوروبا فقد أعربوا عن أسفهم الشديد لبث فيلم فتنة، ففي بيان صدر بهذا الشأن، قالوا بأن بث مثل هذا الفيلم " يشكل جزءاً من حملة منظمة ممنهجة تهدف إلى الحط من قيمة المسلمين لتعزيز موقع اليمين المتطرف"، كما أجمعوا على أن هذا الفيلم يقدم صورة " مشوهة" للحقيقة، حيث أنه يعمل على تصوير كل المسلمين على أنهم " إرهابيون محتملون". وأكدوا في بيانهم الذي أوردته الزميلة " إيلاف" بأنهم يشجعون نقاشاً مفتوحاً وفاعلاً بين أتباع الديانات، " نريده حواراً مسؤولاً بين الأصولية والقيم الديمقراطية من أجل إقامة الروابط بين كافة مكونات المجتمع". إضافة إلى أنهم اعتبروا بأن بث هذا الفيلم، الموجه ضد القرآن، يعتبر " أسوأ وسيلة حوار، كما أنه لا يساعد على تطوير العلاقات مع الطوائف الإسلامية" .
ومن جهة ثانية أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون و الإتحاد الأوروبي والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو) كويشير ماتسور عن رفضهم لمضمون الفيلم الذي يخلط بين الإسلام والعنف.
وعلى الصعيد العربي، قال وزير الإعلام المغربي خالد ناصري " إن هناك تخلف ثقافي لدى فيلدرز، وأضاف أن الإسلام ديانة أكثر من مليار شخص في القارات الخمس.." نفس الشئ قاله وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بأن الفيلم" يمثل إساءة وإهانة لدين يعتنقه أكثر من مليار من المسلمين في شتى أنحاء العالم".أما الشيخ القرضاوي فقد وصف ما جاء في الفيلم بأنه كذب وافتراء ولا يقوله إلا جاهل،أو معاند. وفي الأردن طالب نواب بطرد سفير هولندا وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، نفس الأمر قامت به إيران التي استدعت سفيرها وحثت على إعادة النظر في العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية مع هولندا والدنمارك. أما في باكستان فقد عززت السفارة الهولندية الحراسة الأمنية على موظفيها ومصالحها خوفا من التعرض لهجوم بعد بث الفيلم، كما نددت أندونيسيا وماليزيا وسلوفينيا وغيرها من البلدان بعرض الفيلم الذي يحمل سمة العنصرية هدفها إهانة الإسلام، و قد تترتب عن عرض فيلم " فتنة" مقاطعة للبضائع الهولندية، وهذا ما تنبأت إليه بعض الشركات الهولندية التي هددت بمقاضاة النائب المتعصب فيلدرز إذا ما تسبب فيلمه، المستفز لمشاعر المسلمين في مقاطعة المنتوجات الهولندية في العالمين العربي والإسلامي، لأن هذه المقاطعة ستكبد الشركات خسائر مادية ضخمة. ومن خلال هذا البيان يتضح أن هولندا كالدنمارك ككل الدول الغربية الرأسمالية لا يهمها سوا الربح المادي فهي لم تنشر بيانا تشجب فيه على المس بالمقدسات الدينية أو أن هولندا بلد التسامح والتعايش، بل ما يهمها أولا الأرباح التي تلتهمها من الدول الإسلامية.
فالعلاقة بين الإسلام و الغرب مسألة متأثرة إلى حد كبير بطبيعة التصورات و الموروثات الثقافية، كما أنها تتشكل في نفس الوقت حسب طبيعة الدور الذى تمارسه الأسلحة الإعلامية التي تعتبر في هذا المنحى سلاح ذو حدين، والذي يتأثر بمصالح القوى السياسية و الإقتصادية والإيديولوجيات الثقافية و فى هذا الإطار تأتي مسألة الإساءة للإسلام و رموزه من قبل سياسيين و مثقفين غربيين أو حتى عرب كأحد تجليات هذه الإشكالية ذات الجذور التاريخية أو ما يصطلح عليه بصراع الحضارات. وفي ظل غياب رؤية إعلامية عربية إسلامية لمواجهة هذا الصراع فإن الدين الإسلامي سيبقى المس به وسيلة من وسائل النيل من قيمنا وعقائدنا وهويتنا التي يصعب على أي إنسان أن يجعلها وسيلة لتمرير خطابات تخدم مصالح قوى كبرى ترتعش من انتشار الإسلام.
واذا كان المسلمون لا يملكون لوبيات فاعلة تجرم الإقتراب من الدين الإسلامي كما فعل اليهود الذين إذا شكك أحد في محرقتهم أو تطاول أحد على ديانتهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها،فإن المسلمون يكتون بنارهذه الموجة من العداء لدينهم ولكن في صمت وهم شاهدون على ما تقترفه الآلة الإسرائيلية في فلسطين، من جرائم وإرهاب للدولة كان آخرها المحرقة التي تعرضت لها غزة، والتي استشهد فيها 120 شخص أغلبهم أطفال،فأين فيلدرزمن هذا؟ ولماذا لم يدرج إسرائيل كنموذج للدولة التي يعشش فيها الإرهاب منذ زمن، لماذا اقتصر فقط على المسلمين المتطرفين؟ ألا يعني هذا أن هناك تحامل واضح على الإسلام مدعوم من قبل أيادي خفية لها أغراض استراتيجية من خلال ضربها لدين المسلمين؟

كيف السبيل إلى الخلاص

إنه ليس مطلوبا في حالة إذا قام أحد من الجاهلين بالإعتداء على حرمة الإسلام الانفعال والغضب اللحظي، الذي تهدأ ناره بعد مدة قصيرة، وإنما المطلوب تعبئة شاملة تتبناها المؤسسات الفاعلة في الدولة، للتخطيط لمحاربة هذه الإساءات عبر فتح ابواب الحوار المدعومة من طرف وسائل الإعلام التي تتحمل المسؤولية الكبرى لأن بعضها باسم حرية التعبير وحرية الصحافة تنتهك حرمة الديانات السماوية التي حث الإسلام على احترامها، فوسائل الإعلام التي تحترم أخلاقيات المهنة يجب عليها أن تعلم بأن الإساءة إلى الدين الإسلامي هي فعل عنصري وغير حضاري، وبأنها عندما تسيئ إليه نكون قد أسأت إلى سدس سكان العالم من المسلمين.
وبتالي مطلوب من الدول الإسلامية الدخول في إنتاج أفلام سينمائية وبرامج ضخمة ومتواصلة، تطرح صورة الإسلام على حقيقته، وتوسع الاستيعاب الغربي لمفاهيم الإسلام الصحيح بعيداً عن شبح "القاعدة". وكما هو واضح، فإن موجة الإساءة الغربية إلى الإسلام، لن تتوقف عند الرسوم المسيئة إلى الرسول، أو عند القراءات التشويهية للقرآن الكريم، وإنما هي تأخذ شكل صراع حضاري والديني، وهذا يستدعي كل أشكال الرد الحضارية والثقافية والفكرية، للتقريب بين الثقافات في العالم حينها يكون العرب والمسلمون قد دخلوا الطريق المفترض للرد على كل ما يسيء إليهم وإلى دينهم.
وعليه فإن أفضل سلوك حضاري يرقى بمكانة هذا الدين العظيم، هو الإحتواء السياسي والإعلامي بمعنى آخر الدفاع عن الإسلام بكل الوسائل السياسية والإقتصادية والدبلوماسية، بهدف توضيح الصورة الحقيقية لمكانة الإسلام ونبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام عند المسلمين، فقد بات من الضروري أن يواجه ذلك التشويه للإسلام ورموزه بخلق حملة إعلامية عالمية مضادة لتوضيح الصورة المغلوطة عنه، دون السقوط في التصرفات الغير أخلاقية التي تعتدي على الأديان ورموزها الدينية.

الجمعة، 4 أبريل 2008