الاثنين، 19 نوفمبر 2007


الفراغ الثقافي يغتال الكتب، المسرح، الفن الأصيل، ويدفع بالشباب إلى الإنحراف

كيف قيدت الثقافة وحررت السخافة





إن المشهد الثقافي اليوم يعيش فراغا قاتلا، تتمظهر سماته في العزوف عن ممارسة مختلف الأنشطة ذات الإرتباط الوثيق بإزدهار الثقافة، بحيث أن الفكر عموما أصبح خارج إهتمامات غالبية الشباب، الذي أثبت عزوفه عن المشاركة في الإنتخابات الأخيرة، أنه فعلا لم يعد يهمه
سوا الإهتمام بالقشور، في ظل سياسة تهميشية خانقة، كبلت قدراته ، وعمقت أزمة الفراغ الثقافي، وفي ظل التكهنات السائدة حاليا بخصوص تشكيل حكومة، مزمع الإعلان عنها قريبا، يبقى السؤال العريض، ما هو البرنامج الحكومي الجديد الذي سيحد من ظاهرة الفراغ الثقافي.


فالمشهد الثقافي لأي مجتمع ينبغي أن يكون مرآة تعكس تطلعات الشريحة المهمة فيه، وبما أن المغرب يتميزبإتساع قاعدة هرمه السكاني، فإن الفئة التي ينبغي إعطاؤها الأولوية بالإهتمام هي الفئة الشابة، لقدرتها على التغيير والبناء،هذا إذا وفرنا لها الظروف والأجواء المناسبة لجعلها قادرة على تحمل موجات وصدمات الحياة سواء كانت إجتماعية، أو إقتصادية ...
لهذا فالظلمة الثقافية التي نلمسها الآن ، هي ليست وليدة اللحظة، بل راكمتها مجموعة من العوامل، تتأرجح بين عوامل ذاتية مرتبطة بالمثقف وأخرى موضوعية يفرضها المحيط الأسري والمجتمعي ، بمعنى هل مثقف اليوم هو فقط في غيبوبة مؤقتة، فرضتها عليه سياسة اللامبالاة من طرف الأسرة ، المجتمع، الدولة ، أم أن دوره في الخلق والإبداع يحتضرلأنه فشل في تحقيق الأهداف التي رسمها والتي لم يجد من ينميها ويمد لها المساعدة
من خلال التأطير، التوجيه،بل وجد فقط من يكبلها بالتنكيل والتهميش.


العزوف عن القراءة هل هو إختيار؟
الكتاب هو المنبع الحقيقي للثقافة، فمنه نستخلص الأفكار ونعالجها ،نكتسب القناعات وننميها، نستقي الأجوبة ونناقشها. غير أنه في ظل المنظومة المعلوماتية والتطور التقني والتكنولوجي الذي نعرفه حاليا، أصبح من الصعب على الإنسان أن يشتري كتابا، فالأنترنت ببرامجه المتنوعة وفر الوقت والمال على من يريد أن يختصر الوقت في ظل عصر السرعة، فيمكن للشخص أن يطالع خلاصة الكتاب في بضع دقائق .
فالعزوف على القراءة وعلى شراء الكتب هو راجع بالأساس إلى أن غالبية الأسر لم تعود أبناءها على القراءة، إلا من رحم ربي ، فجل الآباء يطالعون فقط الجرائد في المقاهي برفقة الأصدقاء، ولا يبالون بضرورة تشجيع أبنائهم على المطالعة ظنا منهم أن المدرسة ستتكفل بتثقيفهم.فقد أكد لنا جملة من الآباء أن ليس هناك دعم من قبل الأسر لأبنائها لتحبيبهم في المطالعة، وذلك راجع بحسب قولهم إلى أن الظروف الحالية جعلت الغالبية العظمى من الآباء تولي الإهتمام للجانب المعلوماتي أكثر.
وإذا كانت معارض الكتاب التي تنظمها وزارة الثقافة، هدفها الأول هو الرفع من نسبة القراء، وتشجيع المثقفين على إقتناء الكتب، فإن محمد يِؤكد على أن إرتفاع ثمن بعض الكتب، في ظل قدرة شرائية متوسطة لا يخدم الشباب المثقف ولا يشجع على المطالعة ، ولا يخدم الغاية الحقيقية لمعارض الكتاب، ويجعلها تسعى فقط من أجل الربح المادي.
أما الغالبية الشابة اليوم، فهي تعتبر القراءة مضيعة للوقت والمال.
وإذا كان البعض يتحدث بتفاؤل كبير عن تطور الشأن الثقافي بالمغرب قياسا على تزايد المنشورات والجرائد ...، فالواقع أثبت أن أهمية الشأن الثقافي لبلد معين يقاس بمدى ملامسته لهموم ومشاكل الناس و بمدى وصول المنتجات الثقافية للقارئ.
وفي هذا الإطارودعما منها للمشهد الثقافي بالمغرب،نجد بأن الوزارة الوصية عملت على إنجاز برامج لدعم القراءة والمطالعة، غيرأنها تبقى بنظر المتتبعين غير كافية.
فرغم المجهودات التي تبذلها الجهات المعنية بالكتاب بدءا من وزارة الثقافة ودعمها الكبير للكتاب من خلال ترويجه، بداية من طبعه ونشره وتوزيعه وتشجيع المؤلفين والكتاب على إنجاز أعمالهم، وأيضا من خلال إقامة المعارض التي تحتفي بالكتاب على المستوى الوطني، وذات البعد الدولي كالمعرض الدار البيضاء، وأيضا العملية التي أطلقتها كتابة الدولة للشباب للتشجيع القراءة تحت عنوان القراءة للجميع، فإنه مع ذلك مازال الكتاب يعاني من عدة مشاكل في نشره وتوزيعه.
الفراغ الثقافي من المسؤول عنه؟

هذا الفراغ الثقافي الذي ينخر في جسد شبابنا المبلي بحب الظهور وبالإهتمام فقط بالقشور، دون إعطاء الأولوية لجوهر الأشياء، فحب التسلية وتضييع الوقت في التفاهات قد سيطرعلى عقول غالبية الشباب المغربي ، الذي يضيع وقته في معاكسة الفتيات، وفي الشات،والتلفظ بأبشع الألفاظ التي تعكس ثقافة بديئة لا تمس بقيم التربية ولا بمبادئ التعليم.
هذا الوضع المخجل، من المسؤول عنه، هل نلوم الأسرة لأنها لم تقم بدورها في تفريخ شباب صالح، واع بمسؤولية المواطنة المبنية على مرجعية ثقافية،قادرة على مواكبة المتغيرات والإحباطات و لم تربي أبنائها على قيم إحترام الآخر، وعلى التشبع بروح الثقافة الفكرية التي تنمي الشخصية، وتجعلها في غنى عن كل قبيح،هل التفكك الأسري الذي اًضحت تعيشه غالبية الأسرالمغربية، والذي إزدادت حدته في السنوات الأخيرة، بسبب إرتفاع نسبة الطلاق،أم التهميش الذي يتخبط فيه الشباب والذي كان حافزا لتعميق أزمات ، البطالة ، الهجرة السرية، المخدرات...، أم نلوم الدولة لأنها لم توفر الفضاءات الكفيلة بتشجيع الشباب، على الخلق والإبداع، فلا دور الشباب التي تعد على رأس الأصابع إستطاعت أن تكبح جماح الفوضى الشبابية، ولا الفضاءات الرياضية، ولا المعاهد الموسيقية والمسرحية إستطاعت أن تهذب أرواح ونفوس شباب ضاعت أحلامه ، وأصبح يفكر فقط كيف يعيش حياته على هواه.
صحيح أن المغرب يتوفر على 13 جامعة و65 معهد وكلية وعشرات الالاف من الطلبة والباحثين، لكن يبقى عدد المبدعين والمفكرين يعد على رأس الأصابع، فأغلب المتخرجين إما يوظفوا عبثا وتحبط آمالهم بعمل يرهق كاهل تفكيرهم ، وإما يصطدموا بشبح البطالة، وينتهي بهم الأمر أمام أبواب البرلمان ، متظاهرين لنيل حقهم الدستوري بعد أن قضوا سنوات وهم قابعين وراء جدران البيوت أو بين أزقة الشوارع .
فإذا عدنا إلى المشهد الثقافي المغربي في سنوات تضييق الخناق خلال مرحلة السبعينات والثمانينات، نجد بأنه عرف حركة ثقافية جد مهمة، بحيث أنجبت لنا مفكرين وأدباء ومبدعيين مسرحيين وفنيين أغنوا الساحة الثقافية المغربية، على جميع الأصعدة نضالية، سياسية، ثقافية،... بحيث كان هناك تفاعل قوي بين الفكر والمجتمع، مما أسهم في بلوة وعي مجتمعي ناضج، لم يستمر في الوقت الحالي، إذا إستثنينا بعض الأصوات التي تقاوم وتناضل من أجل إيصال فكرها وإبداعها رغم كل الإكراهات، فإن المثقف المغربي، يبدو وكأنه قد إبتعد وغيب عن قضايا وتطلعات مجتمعه، وتخلى عن دوره المحوري في التغيير والتأطير، وتوعية مجتمعه بأهمية قضاياه ، خاصة وان من أتـيحت لهم شروط موضوعية وافرة في هذا الميدان، يكرسون ثقافة التعتيم تارة والتجميل تارة أخرى .
طبعا لا يمكن نكران الطفرة الثقافية التي شهدتها الساحة الثقافية في العقدين الآخيرين، على مستوى توسيع هامش الحريات، الذي ظهرت معه عدة أطياف إبداعية، وبرزت معه طاقات فكرية يافعة، ولكن هذا لا يعكس بضرورة تطورا ثقافيا مهما، لأن الممارسة الميدانية أكدت أن الإهتمام بهذا الميدان هو مقتصر فقط، على فئة ساعدها الحظ، أو طورت
هي نفسها بالبحث الدؤوب إيمانا منها بأهمية الوعي الفكري ، الأدبي، الفني، السياسي ...
فللنهوض بالمشهد الثقافي يجب أن تكون هناك إستراتيجية ثقافية محددة المعالم تتضافر فيها مختلف الجهود، فقنوات التنشئة الأجتماعية من أسرة، مدرسة، جامعة، وسائل الإعلام، حكومة....، تتحمل المسؤولية فيما وصل إليه الشأن الثقافي في المغرب.

ماهي أسباب الفراغ الثقافي بالمغرب؟
مسببات الفراغ الثقافي في المغرب متعددة ومتنوعة وربما كان في مقدمتها غياب بنيات ثقافية، كالمكتبات، ودور الثقافة المنتظر أن تكون رهن إشارة شبابنا القراء والقارئات، إذا البنية التحتية للقراءة غير متوفرة على الخصوص في المدن الصغيرة والقرى النائية.
أما العنصر الثاني فهو بيداغوجي أو تربوي، يتمثل في تقاعس المعلمين والأساتذة في أطوار التعليم على تعويد التلاميذ، على القراءة خارج الحصص الدراسية ، فلأمر ما إرتبطت القراءة دائما بالمذاكرة والمراجعة و إجتياز الإمتحانات، وقلما يتجه التلاميد والطلاب إلى القراءات الحرة في الوقت الثالث، وذلك راجع في المقام الأول إلى غياب هذه العادات القرائية التي من شأنها أن تخلق لنا قارئا دائما .
العنصر الثالت هو إقتصادي يتجلى في غلاء الكتاب في المغرب وضعف القدرة الشرائية لذا الفئات الشعبية، يؤدي إلى عدم الإقبال على إقتناء الكتب، لذا فالجهات الثقافية في الحكومة مدعوة إلى المزيد من دعم الكتاب وجعله في متناول القراء بأثمنة معقولة وزهيدة.
ماهي إنتظاراتك من الحكومة الجديدة ؟
فيما يخصنا نحن بحاجة إلى المزيد من تأهيل المؤسسة الثقافية الرسمية عن طريق مضاعفة أو على الأقل الزيادة في مخصصات الميزانية، قياسا على الإحتياجات المتزايدة المطلوب أيضا ترشيد هذه اليزانية على نحو يجعلها تغطي الإحتياجات الكثيرة التي يعانيها المجال الثقافي في المغرب .
من المسؤول في نظرك عن هذا الفراغ الثقافي؟
الثقافة تدخل في إطار التنمية المستدامة، وينبغي أن لا تتوقف عن النمو طالما هناك طلب على الوسائل الثقافية بكل ألوانها وأطيافها. لنكن صرحاء ما تحقق في المجال الثقافي في الحكومتين السابقتين هو شئ إيجابي ونأمل ان يتضاعف هذا العطاء وأن ترشد الوسائل المرصودة للصرف مخصصات و ميزانيات ذات صلة بالثقافة وتطوير الممارسة الثقافية بشكل نجعلها فاعلية في المجتمع يتحرك ويتطور بإستمرار.
لماذا في نظرك لم يعد شباب اليوم يهتم بالميدان الثقافي؟
لأنه شباب غير مؤطر ولا يجد الحوافز الضرورية لحمله على ملأ أوقات فراغه بوسائل ثقافية وفنية ورياضية ، فنحن أمام موجات متتالية للتطرف وللفكر الغيبي، تستدعي التحسيس بخطورة هذا الفراغ الثقافي، وبأهمية الإنفتاح على العالم .



في تصريح لأسبوعية المستقل، الفنان الخياري : الميدان الفني في المغرب مازال مثله مثل الطفل الصغير ما زال يتعلم المشي ومازال في طور البناء وتنتظره أشواط كثيرة لكي يقف على قدميه
إن إفتقادنا للمسارح وللقاعات السينمائية، هو راجع بشكل أساسي للدولة، لأنه لا يمكن للفنان أن يبني مسرحا لكي يشاهده الجمهور، كما هو الحال في دولة مصر.
فالميدان الفني في المغرب مازال مثله مثل الطفل الصغير ما زال يتعلم المشي ومازال في طور البناء وتنتظره أشواط كثيرة لكي يقف على قدميه.
من ججة ثانية إعتبر بأن المعاهد التي تخص التكوين المسرحي والموسيقي هي ليست وسيلة الوصول الوحيدة، فالمعهد يقول الخياري" بحالوا بحال الطوبيس يحطك في بلاكة وتكمل على رجليك.فشاب أو طالب المعهد لابد له ان يتمم مشواره بأي طريقة ولو بالمعاناة، فنحن مثلا دخلنا المعاهد ودور الشباب وإلتحقنا بفرق كانت توب في زمننا كفرقة البدوي وفرقة الطيب الصديقي والحمد لله هناك من وصل وهناك من حصل.
وإذا كان الإنسان تيخرج الزكاة على المال وعلى الزرع والذهب كذلك فالفنان لابد له أن يخرج الزكاة على نجوميته، فزكاة علمك تعليم غيرك".
أما بخصوص المسؤولية فيضيف الفنان الخياري، بأنها مسؤولية الجميع ، ولكي نخرج من هذه الأزمة الثقافية يجب تحسين وضعية الفنان والإكثار من المعاهد لتشجيع الطاقات الشابة والواعدة، تيقول المثل "شوية من الحنة وشوية من رطوبية اللدين