الاثنين، 21 يوليو 2008





لم شمل الأسر المغربية رهين باحترام مؤسسة العائلة


محاكم قضاء الأسرة تفشل في تحقيق الصلح بين الأزواج


شكل الاهتمام بالأسرة المغربية وتنظيم أدق تفاصيلها محور نقاشات ودراسات وندوات وموائد مستديرة عديدة تناولت هذا الموضوع بالدرس والمعالجة، من خلال تبادل الرؤى والأفكار والتجارب والخروج بحلول لمجموعة من الظواهر التي أسفر عنها التطبيق الفعلي لمدونة الأسرة، هذه الأخيرة التي شكل مسعاها الأساسي هو النهوض بقطاع الأسرة وتحقيق الإستقرار لها من خلال توثيق روابط العلاقة بين الزوج والزوجة، ولم شتات الأسرة في قالب متضامن خالي من ملامح التشردم والتفكك، هذا الأخير الذي طفى على السطح من خلال جملة من المشاكل التي تعيشها الأسرة الصغيرة والكبيرة والتي للأسف فشل القضاء في إصلاحها.

اتضح السعي الدؤوب من أجل تحقيق الإستقرار للأسرة المغربية من خلال جملة من التعديلات التي عرفها واقع النص القانوني منذ تطبيق مدونة الأحوال الشخصية إلى أن صدرالقالب الجديد الذي عبرت عنه مدونة الأسرة من خلال من نصت عليه من بنوذ وفصول خرجت إلى الوجود في عام 2004 حاملة مشعل النهوض بخارطة طريق الأسرة المغربية من خلال تحصينها من كافة الشوائب التي قد تعترض مسار بنائها وتشييدها وذلك من خلال ما توفرت علية المدونة من نصوص قانونية تكرس مبدأ المراقبة القضائية فيما يخص إنهاء العلاقة الزوجية، في جميع مظاهرها وتجلياتها، فضلا على تفعيل آليات إعادة الود والمحبة بين الزوجين من خلال مسطرة الصلح التي يظهر بحسب المتتبعين للملفات التي تعرض أمام أنظار القضاة أنها فشلت ولم تكلل بالنجاح.
فإذا كانت مؤسسة الزواج هي من أسمى المؤسسات على الإطلاق لما يحمله هذا العقد من مظاهر القدسية التي يجب على كلا طرفي العلاقة الشرعية أن يحترماها، حتى تتحقق الغايات التي من أجلها شرع الزواج والتي تتجسد في الإحصان والعفاف و تكثير نسل الأمة وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين.
فإنه حين تتعذر الحياة بين الطرفين وتواجه العلاقة الزوجية مجموعة من المشاكل، تتعذر معها الحياة و يصعب على طرفي العلاقة الإستمرار في شراكة داخل مؤسسة واحدة وبرؤوس أموال قد تكون قد نميت خلال الزواج وقد تكون معها ذرية رزق بها الطرفان خلال الزواج، فحين تتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق، وحين يصبح كل طرف ينظر إلى الطرف الآخر كعدوه مع العلم أن كلا الطرفان قد تشاركا مر الحياة وحلوها حين ذلك شرع الله عز وجل الطلاق.

الطلاق بين الأمس واليوم

كان الحصول على الطلاق في المغرب لسنوات معقدا و بما أن العصمة في يد الزوج فكان دائما الرابح الأكبر في هذه المعركة الزوجية بحيث يخرج منتصرا بدفع مبلغ ضئيل من النفقة للزوجة والأبناء في الوقت الذي تتكبد فيه الزوجة خسائر جمة تحملها عناء تربية الأبناء وقد يتنكر له القضاء في مساعدة الزوج في تنمية أموال الشراكة الزوجية.
هذه هي الصورة القاتمة التي كانت تنظر إليها كل امرأة تريد الطلاق بسبب أو بدون سبب، المهم هو أن المسطرة كانت جد معقدة ولذا كانت العديد من النسوة تفضلن العيش في كنف زوج لا يطاق بدل خوض غمار تجربة طلب الطلاق أمام المحاكم المغربية.
بعد هذه المحطة جاءت مرحلة النضال الذي حملت مشعله كافة الجمعيات التي كلفت نفسها عناء الإهتمام بهذا المجال المعقد، من خلال رغباتها في تحقيق طلبات المرأة المغربية التي بنظرهن كانت مقموعة وراضخة لسلطات الزوج والعائلة والمجتمع، فعملت هذه الجمعيات على تبني شعار تحرير المراة من قيود وسلطة وجبروت الرجل الذي استغلها وذلك ليس من خلال إجراء عملية مصالحة مع الماضي بل بالعكس القيام بالنضال من أجل أن تصبح المرأة قادرة على تحمل المسؤولية في الوقوف في وجه زوجها أما المحاكم لتندمه على أيام الرضوخ والإنصياع التي استغلها فيها والدليل أن هناك نساء طلقن في نطاق سريان قانون مدونة الأسرة مع العلم انهن عشن في كنف ازواجهن لمدة تزيد عن 40 عام، ولم يستطع لا المجتمع ولا القانون ولا الأولاد ولا حتى الأحفاد ردعهن على هذا القرار الذي من الواضح كان مخفي في قرارة كل شخص لم يتمكن من الحصول على الطلاق في النظام السابق.
فارتفعت نسبة الطلاق بشكل ملحوظ ولعل الحصيلة التي قدمها وزير العدل خير دليل على هذا الإرتفاع سجل ميل الأزواج الى إنهاء العلاقة عن طريق الطلاق الاتفاقي ارتفاعا بنسبة28 ,22 في المائة
وفيما يخص عدد الأحكام التي تشهد بوقوع الصلح بين الزوجين بالنسبة لدعاوى الطلاق أو التطليق خلال سنة2007 ، فقد حققت نسبا مهمة حيث قاربت نسبة السدس من مجموع الأحكام القاضية بالتطليق..
هذه هي الحصيلة التي أفرزتها رابع سنة من تطبيق مدونة الأسرة، تحققت خلالها مكتسبات لكنها قليلة في نظرالمغاربة الذين انخرطوا، في دوامة من التساؤلات المسيسة، أهدرت المغرب سنوات من الجهد
وكانت الأسرة المغربية هي الخاسر الأكبرفيها.

المصالحة الفاشلة

إن النص على التطليق للشقاق هو من بين أهم مستجدات التي جاءت بها هذه المدونة لهذا فأي نزاع يخاف منه الشقاق يخول حينئذ اللجوء إلى القضاء وأصبحت مسطرة الشقاق الملاذ الرئيس للزوجة في حالة اإذا لم تفلح في اثبات الضرر الذي لحقها من طرف الزوج.
غير انه بتطبيق هذه المسطرة أصبحنا نلمس ارتفاعا ملحوظا في تطبيقها وبالتالي تزايدت أعداد المطلقات وتكدست قضايا الطلاق لذا المحاكم فحينما تذهب إلى محكمة الأسرة الطالبات للطلاق يشكلن غالبية النساء وهذه بحد ذاتها ظاهرة تستحق المعالجة.
فكيف يعقل أن تطبيق المدونة كان الأجدى به أن يحمل علامات الإنفراج في العلاقة بين الزوجين وليس زيادة الطين بلة على قول المصريين.
والغريب في فالأمر أن هيئات المجتمع المدني وعلى رأسها الجمعيات هي من تسهل المأمورية على عدد كبير من النساء مع العلم أن البعض يؤكد بان هذه الجمعيات قد لعبت دورا كبيرا في تكريس مسطرة الصلح بين الزوجين، فإن واقع الحال يعكس الصورة تماما ويؤكد فشل مساعي المدونة في إعادة الاستقرار للأسرة.
فالمشرع المغربي لم يحدد اللجوء إلى مؤسسة من مؤسسات الصلح بعينها دون الأخرى ، ولم يرتب أفضلية في ذلك وإنما أعطى للقضاء كامل الصلاحية في اختيار أي مؤسسة للصلح دون أي قيد أو شرط وتوسع في ذلك إلى أبعد الحدود وفتح المجال لكل من يراه مؤهلا لإصلاح ذات البين وترك عملية الصلح ورأب الصدع عامة وفضفاضة بالمادة 113 من المدونة والغاية من ذلك منح القضاء الحرية التامة ، فالهدف الاساسي يتمثل في الإصلاح وإنقاذ الأسرة وهكذا نصت المادة 82 الفقرة الثانية " للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتذاب حكمين أو مجلس العائلة أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين ، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.
و عندما يتعذر على المحكمة الإحاطة بكل أسباب الشقاق وتحديد المسؤول عنه وبقي الأمر يلفه الغموض فغنه بالإمكان التوصل إلى حل للنزاع بشكل ودي ، من خلال تخويل المحكمة صلاحية انتداب حكمين لتقصي الحقائق وتجديد محاولة الصلح لإنهاء الشقاق أو إلى مجلس العائلة أو أي شخص مشهود له بالكفاءة والصلاح طبقا للمادة 82 من مدونة الأسرة.

لكن كيف سيكون الصلح في بيئة لا مجال للصلح فيها ؟

في عاداتنا وتقاليدنا المغربية الأصيلة كان الصلح موكول لناس معروفين بتقواهم وبحبهم للخير وكيفما تيقول المثل" تيخيطوا بخيط ابيض:" عكس ماهو موجود اليوم من مظاهر الانسلاخ على مجموعة من الأعراف التي شكل اضمحلالها فرصة لتفكك الأسرة وعدم استقرارها فالمرأة في السابق عندما يحدث مشكل بينها وبين زوجها لا تفكر في الطلاق، وحتى المحيطين بها لا يساعدونها على اتخاد هذا القرار بل يسعون الى تحقيق الصلح واعادة المياه لمجاريها دون ذكر المحكمة ولا حتى القاضي بل اكثر من ذلك فقد كان ذكرهم من المحرمات التي من العيب والعار أن يتجرأ اللسان على التهديد بها، اما اليوم فالأمور تغيرت والأعراف تبدلت وأصبحت النساء لا تملك حلا سوا الذهاب إلى القاضي لتشكو إليه زوجها والأخطر أن كثيرات رزقن بأبناء وهن لا يفكرن في مصلحتهم بل فقط في مصلحتهن الشخصية لأن هناك من لوث مسامعهن بجنة مدونة الأسرة فكانت النتيجة الغرق في برك المحاكم وتدمير العلاقة الزوجية لأسباب تافهة راجعة بالأساس إلى الفهم الخاطئ لبنوذ هذه المدونة التي شرعت لتحقيق الإستقرار وليس للخراب والدمار.
و بهدف تحقيق الصلح عززت المدونة بمسطرة الصلح وخلال عمر تطبيق المدونة وهو رابع سنة كانت النتائج هزيلة وحتى النتائج التي عرضها وزير العدل أبانت عن مدى خطورة الوضع الذي تعيشه الأسرة المغربية التي بدل تفعيل مسطرة الصلح نجد بأنه ليس هناك صلح يذكر فمسطرة الصلح لم تحقق النتائج المتوخاة منها فهي مخولة للقاضي الذي يحاول بكافة الوسائل القيام بالصلح الودي ولكن في غالب الأحيان تتمسك المراة بالطلاق خاصة إذا كانت مساندة من قبل أسرتها. فرغم المجهودات التي تم إنجازها، فقضايا الأزواج المعروضة في ردهات المحاكم والتي يشكل الطلاق أكبر منتصر فيها، تؤكد على أن الإستراتيجية التي اتبعت شابها خلل ما، فبحسب المختصين في مجال القانون، فالخلل يكمن في غياب اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح تنطلق من وجود بنية اقتصادية ملائمة، و إلى ضرورة تغيير العقليات، مرورا بالدور التربوي للأسرة والمدرسة والمجتمع. إضافة إلى عدم مواكبة البنية التحتية والموارد البشرية والمالية للقضاء لمضمون مدونة الأسرة الجديدة وهذا ما يؤدي إلي إفراغ المدونة من مضمونها لعدم استفادة الناس من الحماية التي تكفلها لهم مقتضياتها، فإذا كانت المدونة قد طبقت فإن جوانب أخرى قد أهملت، دون أن ننسى أن شريحة واسعة من المغاربة ليست لها دراية بالمقتضيات القانونية التي نصت عليها المدونة، التي جاءت لإنصاف الأسرة ككل، وليس كما يدعي البعض، بأنها أنصفت المرأة على حساب الرجل، فهناك فهم مغلوط لجملة من البنود التي صيغت لتحقيق التماسك الأسري، ولكن الخصوصية الثقافية والفكرية كان من الضروري مراعاتها قبل التنفيذ الفعلي لمدونة الأسرة

ليست هناك تعليقات: