نقص البرامج الدينية في القنوات التلفزيونية سببه
الدعاة المغاربة مغيبون إعلاميا
في ظل الحركية الإعلامية التي يعرفها المشهد السمعي البصري في المغرب، والتي تتجسد في بروز مجموعة من القنوات المحلية والفضائية، التي أخدت على عاتقها تحسين جودة هذا القطاع الذي عانى على مر الأعوام من ركوض لا سيما في ظل المنافسة التي يواجهها من الفضائيات العربية، هذه المنافسة التي لم تشمل فقط ما يقدم على الشاشة الصغيرة من أفلام ومسلسلات و مواد إخبارية بل شملت أيضا جانب لا طالما عوتبت قنواتنا الوطنية على إهماله وعدم الإهتمام به، وهو الجانب الدعوي الديني.
فإذا كانت البرامج الدينية التي تبث على بعض القنوات التلفزيونية العربية سواء العامة منها أو المتخصصة التي تتغلغل عميقا في المجال الديني لتقديم التوعية للمواطن العربي قد حققت نسبة مشاهدة جد عالية، فإن البرامج التي تبث على التلفزيون المغربي تبقى مثار جدل ونقد لمجموعة من المتتبعين الذين يعاتبون الإعلام لا الرسمي ولا المتخصص على التقصير في مجال التوعية الدينية، فرغم المجهودات المتواضعة التي تبدل في هذا الإطار من خلال بعض البرامج التي تقدم فإنه يعاب عليها البساطة في تناول المواضيع، والسطحية في معالجتها.
على مقربة من شهر رمضان المبارك، تستعد جل القنوات المغربية منها والعربية لتقديم مجموعة من البرامج التي تواكب قدسية هذا الشهر العظيم الذي تكون البصمة الدينية فيه هي الغالبة، لكن السؤال المطروح هل إعلامنا قد استعد بما فيه الكفاية لإستقبال هذا الشهر؟ ببرامج مفيدة للمواطن المغربي أم فقط انصب اهتمامه ببرامج التسلية والفكاهة المعروفة في المغرب أنها تواكب يوميات هذا الشهر وكأن شهر رمضان لم يخلق للعبادة وتذكر الله بل لإستعراض إبداعات مخرجين وفنانين يتهافتون على الظهور على شاشة التلفاز خصيصا في هذا الشهر الكريم .
من جهة أخرى فإنه مؤخرا أصبحنا نلمس إنشاء مجموعة من القنوات الفضائية متخصصة في الشأن الديني كقناة الناس والرسالة واقرأ... قنوات تخاطب المسلمين أينما كانوا وفي بعض الأحيان نجد أن هناك قنوات فتحت الباب أمام المتشددين في الدين الذين يسلكون طريق الترهيب وليس طريق الترغيب، لكن الأكيد أن اعتماد الوسطية والإعتدال وأسلوب التحبيب في السلوك الإسلامي الرصين هو الذي جعل دعاة مثل عائض القرني وطارق السويدان أن يدخلوا قلوب المشاهدين بسلاسة ووضوح فهذه القنوات حقيقة تقدم برامج جيدة وحتى نظيرتها العامة كقناة دريم الفضائية وأبو ظبي وغيرها، قنوات تخصص حيزا من وقتها لبرامج تجيب المشاهدين على تساؤلاتهم على الهواء مباشرة من خلال فتح باب الحوار والنقاش حول مواضيع دينية يجيب عليها ويناقشها فقيه ديني له دراية بفن التواصل والإقناع وفي أحيان أخرى يكون المقدم هو الفقيه الديني.
ولا أحد ينكر بأن هذا النوع من البرامج قد حقق نجاحات مضطردة في جميع أنحاء العالم بحيث تكون الخطوط الهاتفية مفتوحة للقاطنين فوق التراب الوطني أو المهاجرين خارجه بمعنى أن المتصل لا يحس بالغربة نهائيا ويشعر بأنه بين أحضان وطنه ولكن العكس هو الحاصل في القنوات المغربية فما زلنا لم نعطي الفرصة للمشاهدين لكي يناقشوننا في مواضيعهم على الهواء مباشرة ، بعض الإذاعات سلكت هذه الطريقة ونجحت في ذلك ولكن على المستوى البصري ما زالت الجهود ضئيلة ولم نتقدم بعد في الطريقة التي نستضيف بها الفقهاء بشكل يرقى إلى طموحات الشعب المغربي، فضلا على أن هناك تغييب للبرامج التي يشارك فيها المهاجرين المغاربة، فبدل أن نرسل دعاة ووعاظ وأئمة إلى البلدان الأوروبية التي يقطنها المغاربة والتي يا ترى مع موجة محاربة الإرهاب قد يقبل بها البلد المضيف أم لا، نوفر لهؤلاء ألائمة الفرصة للظهور على شاشة التلفزيون من خلال برامج موجهة لحل مشاكل الجالية المغربية التي تتخبط في مشاكل الاندماج والحفاظ على الهوية المغربية وكيفية التمسك بمبادئ الشريعة الإسلامية فضلا على تعلم اللغة العربية...
الدين والحياة
الركن المفتي"،" في ظلال الإسلام"، "سلوك ومعاملات"، هذه هي حصيلة البرامج التي قدمت إما على القناة الأولى أو القناة الثانية قبل أن تخلق قناة متخصصة في الشأن الديني تدعى " السادسة" حصيلة تبين بجلاء مدا الخصاص الكبير الذي يعانيه إعلامنا في هذا الجانب الأساسي الذي يشكل الركيزة التي يعتمد عليها الكيان المجتمعي المسلم فبدون دعاة وبدون توعية دينية كيف سيتحقق الصلاح لهذه الأمة، على العكس من ذلك إذا قمنا بتعداد البرامج والسهرات التي تخصص للرقص والغناء فكفتها في الميزان ستغلب ، ليس عيبا أن نتقدم فنيا ولكن أيضا يجب تعديل الكفة من خلال برامج مفيدة للمشاهد المغربي التواق لأعمال تلفزية تشجع فيه روح الخلق العظيم وترسم له ملامح حياة بسلوك إسلامي وسطي معتدل يكبح جماح نزاوته الطائشة التي هي سبب ما نسمع عليه اليوم من جرائم قتل وسرقة ومخدرات ودعارة.... فالسلوك الديني فاعل أساسي في تنميتنا وتربيتنا وإذا لما أدرج في تعليمنا؟ وخصص له حيز مهم في دراستنا وتكويننا؟ فلا بأس من التذكير فإن الذكرى تنفع المومنين .
ففي الوقت الذي نجد فيه قنوات المشرق العربي تركز على برامج التوعية الدينية من خلال الإعتماد على خدمات دعاة مقتدرين شكل ظهورهم على شاشة التلفاز فرصة للتعرف المسلم على دينه، فضلا على أن هؤلاء الدعاة لا احد ينكر الفرصة الذهبية التي قدمها لهم التلفزيون بحيث نالوا شهرة لا نظير لها ونذكر من بين هؤلاء الدعاة الداعية عمرو خالد .
وغيرهم من الدعاة الذين زاوجوا بين تقديم الوصفة الدينية بأسهل الطرق متبعين طريق الوسطية والإعتدال و النهل من علوم أخرى غربية كعلم النفس وعلم الإجتماع والصحة والتغدية مع أن علماء المسلمين كانوا سباقين في اكتشافها من خلال نصوص القرآن الكريم، فحققوا بذلك نجاحات لا تضاهى مغاربيا، فالمشكل في المغرب ليس في الدعاة لأن مساجدنا ومدارسنا مليئة بالوعاظ والفقهاء الدينين ولكن المشكل هو في طريقة تقديم هذه الدروس الدينية بشكل يتوافق مع متطلبات المواطن المغربي الذي شكلت المتغيرات التي يعرفها فرصة دامغة جعلته ينسى ما له وما عليه، وبالتالي فالرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف هو الأساس.
ففي المغرب هناك غياب البرامج المفيدة من جميع النواحي فنحن في حاجة ليس للرقص والغناء من خلال المهرجانات التي تحرض على الفساد الأخلاقي والتي تخصص لها مليارات وتصرف عليها الأموال التي تذهب هباءا منثورا، ولكن نحن بحاجة إلى إعطاء الفرصة للدعاة والوعاظ وخريجي المدارس الدينية المغربية، وتلقينهم مبادئ وأصول التواصل مع الناس.
تغييب البرامج الدينية في قنواتنا الإعلامية؟
إن المتتبع لقنواتنا الرسمية التي هي القطب العمومي المفروض فيه أن يلبي حاجيات المواطنين لا يجد فيه برنامج له غاية سامية بالمقارنة مع البرامج التي نراها في القنوات الفضائية برامج اجتماعية صحية طبية دينية غاية في الإقتان، هذه البرامج خصصت لها ميزانية مهمة لكي تخلق منتوجا إعلاميا يحقق مايصبو إليه من توعية أولا وشهرة ونجومية ثانيا.
فبالاستثناء قلة قليلة من البرامج تعد على رأس الأصابع نجد أنه ما تبقى من ساعات البرمجة هي مخصصة لغير ذلك، فالإهتمام بالثقافة الدينية وبالتوعية الدينية عامة هي ليست محط اهتمام المشرفين على إعلامنا، فهل السبب في عدم قدرة إعلامنا على منافسة غيره من الفضائيات يعود إلى الوصاية التي تفرضها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على هذا النوع من البرامج، أم السبب راجع إلى غياب دعاة نجوم لديهم مهارة في التواصل مع المشاهدين وطرح مختلف القضايا وتحليلها من وجهة نظر إسلامية تهم شريحة واسعة من المشاهدين. على غرار ما هو موجود في القنوات التلفزيونية العربية، دعاة ينافسون في شهرتهم ونجوميتهم نجوم السينما والتلفزيون مثل يوسف القرضاوي وعمرو خالد وطارق السويدان وسلمان العودة وخالد الجندي وعائض القرني والحبيب الجفري ووجدي غنيم وغيرهم، دعاة من مختلف الجنسيات برزوا إعلاميا في مجال «الدعوة التلفزيونية» في السنوات الأخيرة، لكن لا نجد بينهم مغاربة.
مستغربون في المغرب
في الوقت الذي تعمد فيه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى إرسال عدد مهم من الدعاة رجال ونساء الى الدول الأوروبية مع حلول كل شهر رمضان لإرشادهم والناي بهم عن التطرف لا سيما بعد الموجات المتطرفة التي اجتاحت عالمنا الإسلامي نجد بان المغاربة في بلدهم الأصلي لا يجدون من يرشدهم ويدلهم على الطريق الصحيح فالفتوى الدينية والتوعية الدينية كانت ومازالت تقتصر على ألائمة في المساجد خاصة في خطب يوم الجمعة غير ذلك لا نجد إلا بعض البرامج تعد على رأس الأصابع التي تفقه الناس في الدين وتحثهم على إتباع الشريعة السمحة والتعامل بشكل أخلاقي فيما بينهم.
فغربة المواطنين في بلدهم الأصلي اشد وطأة من غربتهم في "بلاد الناس" والغريب انه في الوقت الذي صدر فيه بيان وزارة الأوقاف لإرسال هذه البعثثات إلى أوروبا نجد بان فضاءات المدن المغربية قد أصبحت ساحاتها مخصصة فقط للرقص والغناء مع العلم أننا في اشهر حرم يجب أن يفرد لها حيز من الإهتمام داخل عقلية المواطن المغربي ولكن لابأس فنسيان بعض المغاربة لتعاليم دينهم يشفع لهم في الدنيا ولكن في الآخرة الله أعلم.
بل أكثر من ذلك فالذين زاروا أوروبا وأمريكا أكدوا لنا على أن الجالية المغربية في تلك البلدان حريصة على المحافظة على عاداتها وتقاليدها المغربية ودينها الإسلامي، و محافظة على صلواتها الخمس، مما لا يشعرها بالغربة ولكن العكس هو الحاصل في المغرب ومن يزوره يشعر بالصدمة من كثرة المنكرات والفواحش فضلا على العري الفاحش وعلى كل أشكال الفساد الأخلاقي الذي لم يجد من يكبحه ويردعه، فقد أصبحت هناك فوضى أخلاقية في المغرب وكل ذلك سببه غياب أي اهتمام بقيم التربية والمبادئ الأخلاقية التي تمنع مثل هذه الأفعال في مجتمع إسلامي يجب ان يصان وتوفر له حصانة من مختلف الجهات التي تهدف إلى تدميره وتمزيق عقول شبابه الذين هم القلب النابظ لهذا المجتمع.
..