الأربعاء، 16 يناير 2008




الإحتفال بيوم عاشوراء في المغرب له نكهة خاصة


عاشوراء المغربية بين ذكريات الماضي وإرهاصات الحاضر



عاشوراء المغربية تختلف عن نظيرتها في بقية بلدان العالم العربي الإسلامي، فالتنوع الثقافي الذي تعرفه العادات والتقاليد المغربية جعلها ترتبط بالخصوصية المحلية أكثرمما تحيل على أحداث تاريخية إسلامية.
غير أن هذه العادات ومع تعاقب أجيال مختلفة، وتغير التفكير المجتمعي الذي أصبح يطغوا على ظاهره التحضروالمدنية المكتسبة، جعل طقوس الإحتفال بيوم عاشوراء تتضاءل، وأهميتها لذا فئة عريضة تضمحل، لا لشئ سوى أن الزمان والمكان فرض نوع من التغيرالعاداتي، الذي جعلنا نكتسب عادات حاضرنا ونتخلى عن عادات ماضينا.

" مبروك العواشر" هذه هي التحية الصباحية التي يحيي بها غالبية المغاربة بعضهم البعض هذه الأيام، بعدما تبثث لهم رؤية هلال شهر محرم حاملا معه سنة هجرية جديدة، وككل المناسبات الدينية لا تخلو هذه المناسبة من مظاهر الإحتفال والسرور، التي إن أكدت على شئ فهي تؤكد على انه رغم كل الإرهاصات التي يعيشها المواطن المغربي فمازالت الشريحة الواسعة من المجتمع تتمسك بتقاليدها و مبادئ دينها الإسلامي، وتعمل على إحيائها من خلال تربية أبنائها على عادات توارثها الأجداد.

نساء زمان

عرفت المرأة المغربية تغيرا ملفتا لا على مستوى الشكل والمظهر، ولا على مستوى التفكير، ويوم عاشوراء للنساء فيه إضافة خاصة، أقصد نساء زمان، تحكي فاطمة 45 سنة" أغلب الأسر المغربية تكون في العادة لا تزال تحتفظ بجزء من أضحية العيد أوما يعرف عند المغاربة ب"القديد" أو "الذيالة "، لكي يجهز بها الكسكس بمناسبة عاشوراء أو الرفيسة في بعض المناطق، وفي حالة إذا لم يوجد جزء من الأضحية فيكون البديل هو الكسكس بالدجاج".
كما تروي الحاجة رحيموا 65 سنة، أنها لا زالت متمسكة بعادات منطقتها، والمتمثلة في الإستيقاظ باكرا وغسل الجسم بدءا من الشعرإلى أسفل القدمين بالماء البارد تقول " حتى يكون العام زين"فهذا الأمر في اعتقادها سيجعل السنة خصبة، وكذلك للحفاظ على جمال وطول شعر المرأة، فالمقولة تقول " عيشوري عيشوري عليك طلقت شعوري". وفي حالة عدم الإستيقاظ باكرا تقوم الأمهات برش بناتهن بالماء ولكن في نظر رحيمو سرعان ما تم تجاوز هذه الأعراف، كما عبرت عن أسفها لأن التراشق بالماء أصبح يحدث في الشوارع دون حياء ودون مراعاة لقدسية هذا اليوم.
أما السيدة حليمة فقالت بأن عاشوراء عندها هو عدم الإغتسال خلال العشر الأوائل من شهر محرم، وذلك حزنا على الحسن والحسين، ثم يكون الإغتسال يوم عاشوراء وقد اعتبرت أن ذلك يقال عنه بدعة، لهذا فهي تكتفي بشراء " الفاكية"، واللعب للأطفال وزيارة المقابر لما في ذلك من أجر خصوصا الصدقة الواجبة في هذا اليوم حيث إعتادت على زيارة المقابر كل سنة وتقسيم كميات من الفواكه الجافة والمياه على الأطفال والفقراء.

طقوس متوارثة

وقد سمي هذا الشهر محرما لتحريم القتال فيه وقيل أن الجنة حرمت على إبليس في هذا الشهر، لذلك يحث الفقهاء على صيام هذا اليوم إسوة بالرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشيخ مصطفى بن حمزة في حديث لوكالة القدس برس مفسرا هذه العادات، " أن هناك بصمات شيعية في إحتفالات بعض المغاربة بعاشوراء، التي تصادف بداية السنة الهجرية الجديدة مما يؤكد أن التشيع الذي انتشر في أماكن كثيرة من العالم الإسلامي وصل إلى المغرب واستوطن به فترة من الزمن، لكن هذه البصمات التي أعتقد أن ليس لها أصل شرعي محدودة الوجود." ويضيف قائلا" ما يمكن تسجيله أن العادات السنية هي الغالبة، بحكم أن الغرب الإسلامي يعتمد في أغلبه على المذهب السني ومن هذه العادات التي يقوم بها غالبية المغاربة، نجد إخراج الزكاة خلال هذه الأيام وصيام التاسع والعاشر من شهر محرم..".
لكن هناك طقوس يصعب نسبها إلى البعد الديني لأنها طقوس شعبية توارثتها الأجيال دون أن يتساءلوا عن مصدرها لكنهم مع ذلك يتمسكون بها، وفي هذا المضمار تعتقد بعض النساء بأن هذه المناسبة هي فرصة سانحة لصناعة المحبة بين الأزواج وتعميق وشائج الترابط الأسري، وذلك بإحياء روح التكافل وصلة الرحم.
كما أن الفتيات اللواتي لا يجوز لهن رفع أصواتهن أمام الرجال في بعض المناطق تجدهن يقمن بالتطبيل والغناء ويتنقلن وهن يقولن" هذا عاشور ما علينا حكام آللا وفي عيد الميلود يحكموك الرجال آللا " بما معناه أن هذه المناسبة في المغرب تتمتع فيها المرأة بقدر من الحرية.
ومن العادات المتوارثة أيضا بحسب فتيحة 40 سنة، هي شخصية بابا عاشور، الذي يحكى أنها شخصية ترمز للعطاء والسخاء من خلال قيامه بجمع العطايا والهدايا من الأغنياء ومنحها للفقراء، وهذه تضيف فتيحة، تختلف بحسب المناطق، ففي بعض المناطق يصنعونها من رجل الخروف، فيقومون بطلائها بالحناء ويلبسونها الثياب، وبعذ ذلك يقومون بدفنها ويغنون" بابا عاشور جاب الحناء جاب الثمر جاب عظيماتوا في القبر"، وفي بعض المناطق يصنعونها من القصب وتكسى بالثياب ثم يتبعها الأطفال في موكب جنائزي وإحتفالي بالطبول والنيران، فيتم إيقاد النيران في الشوارع ليلة عاشوراء ويطلق عليها" الشعالة" وبعد ذلك يبدأ الأطفال، والرجال بالقفز عليها باعتبار هذا الفعل يزيل الشر ويبعده.
وبما أن هذه المناسبة تخص الصغار بشكل أكبر، فهم يستغلون الفرصة أحسن استغلال، فبترديدهم لجملة" عاشورا والكيسان منشورة" وتنقلهم من بيت لبيت طالبين حقهم من عاشوراء، يظفرون بغنيمة لابأسابها من الدراهم والحلوى.
ورغم ما يشوب هذه الظاهرة من سلبيات وإتهامها بالإبتعاد عن المقاصد العاشورائية، فهي تبقى إرثا ثقافيا مميزا.

أجواء عاشورائية

إن هذه الطقوس المتوارثة صنعتها تقاليد أجدادنا، وأغلب الناس يتحسرون على كون أن هذه الأعراف والعادات بدأت تندثر قليلا خاصة وأن أغلبها أصبح يقال عنه بدعة، لهذا نجد بأن الأسر المغربية اليوم، أصبحت تقتصر فقط على شراء الفواكه الجافة التي يبقى الإقبال عليها متزايدا، فينتعش هذا القطاع بشكل ملفت خلال هذه الأيام خصوصا التمور، أما لعب الأطفال و"الطعارج" فالإقبال يبقى متوسطا حسب رأي بعض الباعة، لأن الوقت تغيرت والقدرة الشرائية للمواطن لا ترسى على بر، لهذا فالإقبال يقتصر على الدمى والطبول.
ولا تخلوا هذه الأجواء، من أساطير السحر والشعوذة، فالإقبال على العطارين يتضاعف خلال هذه المناسبة التي تجد فيها بعض النساء ظالتهن للتحقيق مآرب شخصية، أو لدرء الشر والعين والحسد، من خلال شراء البخور...
غير أن البعض يستغل هذه المناسبة العظيمة، في فعل الخير، والصيام كما وصى بذلك نبينا الحبيب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم" يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"
ورغم عدم وجود أي أساسي ديني لكل هذه التقاليد المتوارثة فإن الناس يتأسفون على كونها بدأت تندثر وأن أواصر الصلة فرقتها هموم الحياة وإنشغالات الناس وهم جلب لقمة العيش.
ومع ذلك تبقى عاشوراء فرصة للمغاربة للكسب والربح خصوصا إذا علمنا أن الأسواق تنتعش خلال هذه الأيام والباعة يتمنون أن يزيد الإقبال على مثل هذه السلع لأن ذلك يحقق طفرة إقتصادية مهمة.

ليست هناك تعليقات: