الاثنين، 14 يناير 2008




التحرش الجنسي، ظاهرة شاذة ودخيلة على المجتمع
القانون الجنائي يجرم هذا السلوك ويعيد الكرامة للمرأة المغربية

أضحت ظاهرة التحرش الجنسي من أكثر الظواهر تعقيدا، في مجتمع يعتبر من بين أكثر البلدان تفتحا وتفسخا في نفس الوقت، وفي ظل الفوضى الأخلاقية التي نعيشها، طفت على السطح أنواع متعددة من التحرش منها ما يمس الأطفال ومنها ما أصبح عرضته الرجال ولكن ما سوف نعالجه في الورقة التالية هوالتحرش الجنسي بالنساء.

أصبح التحرش بالفتيات والسيدات المغربيات، أمرا باديا للعيان ولا أحد يستطيع ردعه، فإذا كان الفصل 503 من القانون الجنائي المغربي، يجرم هذا الفعل ويعاقب عليه، فإن فئة عريضة من النساء ضحايا التحرش، لا يعلمن به ويبقى سلاحهن هو الصمت، سواء كان ذلك في الشارع، في وسائل النقل، في العمل أو في المدرسة، فهذه الآفة في المغرب مازالت من الطابوهات التي حتى علماء النفس والإجتماع المغاربة لم يستطيعوا أن يضعوها تحت قيد الدرس والمعالجة.

المسؤولية مشتركة
بدأت ظاهرة التحرش الجنسي تتنامى وتكبر في مجتمعنا، حتى أصبح الحديث عنها شيئا عاديا، فالبرغم من كون هذه المعظلة منتشرة في جميع أنحاء العالم، إلا أن إنتشارها في المغرب ينذر بكارثة إجتماعية في غاية السلبية والتفسخ الأخلاقي، والمغرب كبلد إسلامي، يقوم على تقاليد وعادات لعبت دورا كبيرا في معالجة هذه الآفة قبل وقوعها، إلا أن إنفتاح البلاد على ثقافات وحضارات متعددة بعد الحماية وخروج المرأة لمنافسة الرجل في الحياة العملية، ساهم في تسهيل عملية الإختلاط ونتج عنه نوع من التفتح المجتمعي الذي أصبحنا نحصد إيجابياته وسلبياته.
فالمرأة اليوم تحررت لدرجة أن الغالبية العظمى من النساء أصبحن يلبسن ما لذ لهن وطاب من الألبسة التي تكشف على مناطق تثير الرجل جنسيا،فلا يستطيع تمالك نفسه وحتى لو كان اللباس محتشم فالأمر سيان، فيعبر عن ما يخالجه إما شفهيا وقد يتطور الأمر إلى التحرش باللمس كالذي نعاينه في وسائل النقل العمومية، وفي الأسواق...، والغريب أنه لم يعد هناك تمييز سواء كانت عازبة أو متزوجة، متحجبة أو مغطاة من رأسها حتى قدميها فكل النساء أصبحن عرضة لهذا السلوك المقرف الذي يدل على غياب الوعي بقيم ديننا الحنيف الذي يحث على غض البصر.
تقول إحدى السيدات أنها لما تصعد إلى الحافلة لا ترتاح نفسيتها إلا لما تنزل منها، فهناك بعض الأشخاص الذين يقتنصون الفرصة بحسب رأيها، فيعمدون على الإزدحام والإلتصاق بجانب النساء لكي يشبعن رغباتهم الحيوانية.
أما سميرة، موظفة، وأم لثلاث أبناء، تحكي بمرارة عن تجربتها الأولى في سوق الشغل، والتي جعلتها تتعرض للتحرش الجنسي من مدير الشركة التي تعمل بها، والذي يبلغ من السن 70 عاما، والذي كان يبدي إعجابه بها ويتغزل بمفاتنها بالرغم من كونها أخبرته بأنها متزوجة، غير أن سميرة لم تلزم الصمت بل أطلعت زوجها الذي تفهم الأمر، وطلب منها مسايسة الشيخ الهرم حتى تجد عمل أفضل .
فكثيرات من ضحايا التحرش تخاف الفضيحة وتلويث سمعتها في مجتمع لا يرحم، فأصابع الإتهام دائما ستشير إلى المرأة بالدرجة الأولى
أما الطالب أحمد فيرجع باللوم إلى الفتيات اللواتي يلبسن ملابس تجعلهن عرضة للتحرش، ومنهن من تفرح عندما " يتبسل عليها شي واحد" ايضا السبب في رأييه هو الجو الإجتماعي، يقول" أنا أحترم المرأة بشكل عام لأني تربيت في جو محترم ولكن عندما أرى أصدقائي يقومون بهذا الفعل، أعتبره تصرف صبياني وطائش مثلا كأن يقال " الله يجيب شي نسيبة نديوها الحج" أو" أنا باغي شي وحدة بنت دارهم" فحتى لو كانت البنت مع أمها لن تسلم، الشئ الذي يدل على غياب الوعي التربوي".

شهادات حية
أكثر المتعرضات للتحرش الجنسي هن النساء اللواتي يشتغلن بالقطاع الخاص، فبعض أرباب ورؤساء العمل يتبعون طرقا ملتوية للإيقاع بضحاياهم، مستغلين في غالب الأحيان حاجتهن المادية للعمل.
تقول إحدى الموظفات السابقات في أحد فنادق البيضاء، أنه بحكم عملها كانت ملزمة بمقابلة مدراء مجموعة من الشركات مغربية أو أجنبية، غير أن غالبية هؤلاء ينظرون دائما للمراة كجسد وليس كعقل مفكر، فأغلب الذين اشتغلت معهم كانوا يقتنصون الفرص للإختلاء بها وإبداء كلمات الإعجاب، بل أكثر من ذلك هناك من يقدم إغراءات مادية أي فتاة في مكانها كانت ستقع في شراكه ولكن هذه السيدة تقول" المرأة عند هؤلاء بحالها بحال كلينكس بعد إستعماله يرمى في سلة المهملات"
تضيف أيضا" في نطاق اشتغالي كان هناك خط أحمر، يمكن للموظفات من الإتصال لإخبارالمسؤولين على أنهن تعرضن للتحرش، غير أن هذا الخط هو فقط للشركات الأجنبية وللمشتغلات بها أما نحن فلنا الله"
ومن بين الأسباب التي جعلت هذه المعظلة تتفشى تقول "غياب التوعية بظاهرة التحرش الجنسي بالنساء، ففي نظري لابد أن يتم إدراج مادة تنبه الفتيات في مسارهن الدراسي سواء في المدارس أو حتى في المعاهد الخاصة، من خطورة الإغراءات التي قد يتعرضن لها وللتحرشات التي قد تقلب حياتهن رأسا على عقب وقد تسبب لهن أزمات نفسية هن في غنى عنها، وقد يرضخن لها ويصبحن في آخر المطاف عشيقات يلبين حاجيات المدير الغرائزية."
أما فيما يخص الأسباب التي أدت إلى إستفحال هذه الآفة فتحكي الطالبة فاطمة الزهراء، " أنه بحكم البطالة الشباب أصبح يعيش فراغا قاتلا يجعله رهين الأزقة والشوارع، الشئ الذي يدفعه إلى التحرش بالفتيات، غير أن هناك صنف آخر يشتغل و لكن في أوقات فراغه موهبته هي " التبسال على البنات" فبهذا الفعل يشعره برجولته" تضيف نفس المتحدثة "أن هناك نوع من الفتيات يحبذن التحرش اللفظي، لأن في نظرهن يدل على أنهن جميلات ومقبولات إجتماعيا".
أما نادية فتعارض صديقتها فتقول "أن الظاهرة سببها تربوي وأخلاقي بالدرجة الأولى، فإذا كان الشخص يعيش في أسرة محترمة وله أخوات يخاف على كرامتهن فأنا أكيدة بأنه لن يتحرش ببنات الناس، وفيما يخص إحساسي فهو الشعور بالضيق، أتفهم ذلك إذا كان مراهقا، ولكن اليوم كل الرجال يمارسون التحرش بأنواعه سواء كانوا في الإعدادي أو كانوا موظفين أو كانوا كبار في السن، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، ففي نظري هناك كبث إجتماعي عند شريحة كبيرة من أفراد المجتمع سببه الأول هو غياب الجانب العقائدي الإسلامي الذي يحث على إحترام المرأة فهي الأم والأخت والزوجة..."

تجريم التحرش الجنسي

إن القانون الجنائي المغربي يجرم فعل التحرش الجنسي، بمقتضي الفصل الجديد 503 فهذا الفصل يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبالغرامة من 5000 إلى 50 ألف درهم من أجل جريمة التحرش الجنسي، كل من يستعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه لأغراض ذات طبيعة جنسية.
غير أنه بالرغم من وجود هذا الفصل فرجال القانون يؤكدون على أنه هناك صعوبات كثيرة تحول دون تطبيقه بالشكل المطلوب، خاصة أن وسائل الإثبات تعتمد على الشهود والتحرش الجنسي غالبا ما يتم في فضاءات مغلقة، الشئ الذي يجعل المسألة في غاية الصعوبة والتعقيد.
والتحرش كفعل مشين لا يقتصر على عمر معين أو طبقة إجتماعية معينة، كما أنه يعيق تقدم المرأة وممارسة حياتها بشكل عادي، فلا تسلم منه لا العاملات ولا حتى ربات البيوت ولا صاحبات الوظائف المرموقة، بل هن أكثرالمتعرضات للتحرش وبشكل أكثر فضاعة من غيرهن.
والتحرش الجنسي ارتبط بشكل أساسي بتردي الأخلاق وإنتشار الفساد الأخلاقي والمالي، ونشر بعض الفضائيات لسلوكيات لا تمس بقيم مجتمعنا العربي الإسلامي.
إلا أن خبراء علم النفس وعلم الإجتماع لم ينتبهوا حتى الآن لمخاطر التحرش في المجتمع المغربي، فالآفة تحتاج لمعالجتها ليس فقط للمقاربة القانونية، والردع الزجري، بل تحتاج لدراسة علمية متخصصة.
فالدراسات العالمية في هذا المجال تشير إلى أن حوالي نصف الذين يقومون بالتحرش هم زملاء العمل و27 بالمائة رؤساء العمل، و23 من زبائن.
كما تشير إلى أن التحرش الجنسي بالنساء قد يتسبب في أمراض نفسية خاصة للمتزوجات، إضافة إلى القلق و السهر والخوف والتعرض للكوابيس.
والدراسة كشفت كذلك أن مبررات القبول الإجتماعي تبدأ من الرغبة في معاقبة المرأة كفاعل رئيسي لأنها تخلت على دورها التقليدي كربت بيت، أما رد الفعل فيختلف فكثيرات يفضلن السكوت والتغاضي وقليلات هن اللواتي يفضحن الأمر مهما كانت عواقبه
.

ليست هناك تعليقات: