الاثنين، 17 مارس 2008

المتعاطيات للدعارة ينشرن الفيروس الفتاك في المغرب

مرضى السيدا يموتون، ينقلون العدوى، يبيعون الداء لمحبي الهوى في صمت

إن الحديث عن السيدا كوباء يتهدد حياة المغاربة، لا يحتاج إلى يوم في السنة لتذكير المواطنين بمدا خطورته، بل يحتاج إلى وقفة متأنية للواقع الذي نعيشه والذي من فرط التفسخ الأخلاقي الذي أصبحنا نلمسه في مدننا المغربية، وأصبح الناس يتكلمون عنه ويقرأونه يوميا في صفحات الجرائد والمجلات، والذي يجعل السيدا كمرض خفي فتاك ينقل بالدرجة الأولى جنسيا يتعايش مع المغاربة ولكن لا يشعرون به، فالإحصائيات تشير إلى أن معدل الإصابة بهذا الفيروس هو في تصاعد مستمر والجمعيات المكلفة بالتوعية حملاتها لا تقتصر على جل المرضى، الذين يبقى النبذ المجتمعي مصيرهم المحتوم في حالة إذا اكتشف المجتمع إصابتهم، لهذا فأغلب المصابين يفضلون السكوت والاستمرار في نقل المرض في صمت.

حسب التقرير السنوي المشترك لبرنامج الأمم المتحدة حول داء السيدا، فإن عدد المصابين والحاملين للفيروس بالمغرب ارتفع من 18 ألف سنة 2006 إلى 22 ألف سنة 2007، وأكد هذا التقرير أن من بين أكثر الطرق نقلا للمرض، هو الاتصال الجنسي، كما أن المعلومات المتوفرة تفيد أن 40 بالمائة من المصابين بالسيدا أو الحاملين للفيروس هم نساء وأكثر من 24 بالمائة منهن يمتهن الدعارة، علما أن نسبة المصابين بسبب العلاقات الجنسية تمثل 74 بالمائة من مجموع مصابي المغرب المعلن عنهم.
فقد انتشرالداء بسرعة في مختلف البلدان دون احترام لأي حدود فالتشجيع الكبيرللدول على توافد السياح على بلدانها، والحب الكبير الذي يحظى به قاطنوا الدول المتقدمة من قبل سكان البلدان المتخلفة، طمعا في الحصول على فرصة للعمل أو غير ذلك جعل من اليسير على السيدا أن تنتشر بشكل تدريجي ، وبطرق مختلفة شرعية وغير شرعية.
وفي المغرب ظهرت أول حالة سنة 1986، ثم تزايدت الحالات حتى أصبحت الأرقام تخيف من فرط عدد المغاربة المصابين بالداء.
وهذا الفيروس كما يشير الأطباء يضعف الدفاعات المناعية عند الإنسان و يفتح الباب أمام الأمراض الانتهازية، و يبلغ عدد المصابين به في العالم حوالي 40 مليون شخص حسب "تقرير الهيئات العاملة في مجال السيدا لسنة 2005 ".
و هو متلازمة القصور المناعتي المكتسب وهو يصيب الآدميين و يتميز بتضعيفه للمناعة البشرية مما يجعل صاحبها عرضة لجميع الأمراض، أول حالة منه ظهرت سنة 1981 في كالفورنيا بأميريكا و في نفس السنة تم التأكد من أنه معد و أنه ينتقل عن طريق الجنس و الدم، لتتواصل الأبحاث إلى أن اكتشف الفيروس المسبب له سنة 1983 في معهد لويس باستور في فرنسا . و يواصل هذا الفيروس عملية فتكه بالبشرية محطما جميع الأرقام القياسية من قتل و تدمير و إعاقة لمجهودات الهيئات و المنظمات الدولية العاملة في قطاع الصحة...
وفي ظل عجز البحوث على إيجاد علاج شاف أو لقاح فعال في المتناول للقضاء على هذا الوباء فإن عدد ضحاياه هو في تزايد والمغرب هو من ضمن البلدان التي سكنتها السيدا. وتعد الفئات الأكثر تعرضا للإصابة به هي فئة الشباب و المهاجرين وممارسي الدعارة و مستخدمي المخدرات عن طريق الحقن، والسجناء وهي فئات يجهل مدى انتشار المرض وسطها، فالأرقام والإحصائيات تبقى غير دقيقة بنظر المتتبعين، لهذا الملف الشائك، فبرأي المختصين يبقى عدد المعرضين لعدوى الأمراض المنقولة جنسيا والمقدر عددهم بحوالي 600 ألف حالة جديدة، وهم أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بهذا الفيروس الفتاك.
ومن ضمن الأسباب التي تساهم في نشر السيدا بمجتمعنا، نذكر الهجرة السرية، من دول الصحراء الإفريقية، التي أصبحت حاليا أمرا يثير كثيرا من الجدل ، خاصة العدد الهام للمهاجرين الأفارقة الغير الشرعيين في المغرب، وبالأخص النساء اللواتي تفرض عليهن ظروف العيش القاسية، ممارسة الدعارة مقابل أجور زهيدة، الأمر الذي أصبح فعلا يطرح علامات استفهام على مدا تأثير ذلك على صحة المواطنين الذين يشترون المرض الفتاك بأبخس الأثمان.


الفساد الأخلاقي السبب الرئيسي في انتشار السيدا

اعتبارا لوجود عدد مهم من المومسات المصابات بالسيدا والحاملات للفيروس، يعرضن أجسادهن سلعة للبيع على الرصيف يوميا، وعلى اعتبار أن الإقبال على هذه السلعة الرخيصة قد فاق العرض، فالمتتبعين لهذا الملف يتحدثون عن كارثة صحية، لم تسببها الحرب، أو الطبيعة وانما سببها الإنسان بوعي أو بدون وعي. لأن هذا الوباء كما يِؤكد على ذلك الأخصائيون هو ينتقل بالدرجة الأولى جنسيا، أي عن طريق العلاقات الغير شرعية، فبحسب الإحصائيات الرسمية لسنة 2006، وصل عدد حالات الإصابة بالفيروس في المغرب، إلى 2080 حالة بعد أن كان يفوق 1990 حالة خلال شهر مارس 2006، وبذلك تم تسجيل زيادة 90 حالة جديدة، أي بمعدل 13 حالة في كل شهر، علما أن عدد الحاملين للفيروس بالمغرب، حسب المعطيات المتوفرة إلى حد الآن يتجاوز 20 ألف شخص، وهذا يعني بأن هناك آلاف مغربي ومغربية، يحملون السيدا وأغلبهم من النساء، إذ نسبتهم ضمن المصابين تفوق 58 في المائة، كما أن حالات الإصابة وحمل الفيروس، تتكاثر في صفوف الفئة العمرية ما بين 30 و40 سنة.
لكن ما يحز في القلب ليس العدد المخيف للمصابين، وانما تعمد نشر الفيروس عن طريق ممارسة الدعارة فحسب مصابة بسيدا فإن المصابات يؤكدن بأنهن يتعمدن نقل العدوى إلى زبائنهن، لا لشئ إلا انتقاما من الظروف والأقدار التي جعلت أجسادهن سلعة لتحقيق المتعة لأناس لا يتكلمون إلا بلغة الجسد.
وفي هذا الصدد قالت نادية بزاد رئيسة المنظمة الإفريقية لمحاربة السيدا بالمغرب في إحدى حوارتها، أن على الأزواج أن يقوا أنفسهم بالإخلاص في العلاقات الزوجية، وهي تحمل مسؤولية انتشار السيدا إلى كل الأطراف، بدءا من الأشخاص إلى الدولة على اعتبار أنه إذا كان من الناس من يتسبب في إصابته عمدا فإن نسبة من النساء اللواتي يتعاطين الدعارة هن فئات اجتماعية تعيش الفقر والحرمان، فمنهن المطلقة والأرملة، كما أن على الحكومة تحمل مسؤوليتها تجاه الشباب وحل معضلة البطالة لتمكينهم من الزواج. وأشارت إلى أن نسبة الإصابة بالفيروس نتيجة العلاقات الجنسية تمثل 47 بالمائة من مجموع الإصابات،
مؤكدة على دور الإسلام في الوقاية من هذا المرض الخطير.
فالدين الإسلامي يدعوا إلى الإخلاص في العلاقات الزوجية باعتبار أن الزنا محرم تحريما قطعيا، لذا فإن الحديث عن العازل الطبي وتوزيعه يعتبره البعض من بين الأفكار الغير مقبولة في مجتمعنا الإسلامي.
وفي هذا الإطار عملت العصبة المغربية للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا، على تكوين وعاظ تابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للتوعية دينيا بهذا الداء، وذلك بتنسيق مع الجمعيات التي تواكب تطوره منذ سنوات .

تقارير تنذر بالخطر
مما لا شك فيه أن عدد المصابين بالسيدا هوفي تزايد مستمر،فقد أعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 137 حالة إصابة جديدة بالسيدا برسم سنة 2007، مقابل 291 حالة إصابة جديدة سنة 2006، منهم 61 بالمائة ذكور و39 بالمائة إناث، وفيما يخص التوزيع الجغرافي والمجالي، فإن 83 بالمائة من الحالات توجد بالوسط الحضري و12 بالمائة، بالوسط القروي، واحتلت جهة سوس ماسة المكانة الأولى باحتضانها لأكبر نسبة من المصابين بالسيدا والحاملين للفيروس بـ 21 بالمائة تلتها الدار البيضاء وجهة مراكش بـ 15 بالمائة لكل واحدة منهما، ثم جهة الرباط سلا زعير بنسبة 9 بالمائة.
ويبدو أن أكادير هي الأكثر تضررا من غيرها فقد سجلت برسم سنة 2007 ، 137 حالة جديدة بحسب وزارة الصحة إنضافت إلى أكثر من 290 حالة تم إقرارها في السابق، إضافة إلى مراكش والدار البيضاء وذلك راجع بحسب العارفين إلى معظلة السياحة الجنسية التي أصبحت مدننا المغربية مرتعا خصبا لها خاصة التي تعرف رواجا سياحيا ملحوظا.
والأطفال الأبرياء لهم نصيب كذلك من الإصابة، فحسب الإحصائيات الرسمية هناك 110 من الأطفال مصابين بهذا الداء، وأغلبهم حملوه عن طريق الأم المصابة، لكن غالبا ما يتم ذاك عن طريق الأب، كما هو الحال في بلادنا، وحسب وزارة الصحة فإن نسبة الانتشار الوبائي بين الحوامل وصلت إلى 0.03 في المائة، أما نسبة انتقال الوباء بين الولادات الجديدة، قد تصل إلى 25 في المائة. ويظل الشباب الفئة الأكثر عرضة لهذا المرض فهم يمثلون أكبر نسبة في صفوف المصابين لا سيما الفئة العمرية المتراوحة بين 22 و35 سنة.
ومن جهة ثانية فإن جل التقاريرالتي ترصد عدد المصابين بالسيدا في العالم تنوه بالمجهودات التي تبدلها الجمعيات المغربية، ونذكر على سبيل المثال، " الجمعية المغربية لمكافحة السيدا"، الذي قامت بإعداد برنامج سيدا كسيون سنة 2005 الذي مكن من الإستفادة من أكثر من 15 مليون درهم في إطار الحملة التي غطتها القناة الثانية. كذلك نذكر "جمعية النهار لمرض فقدان المناعة"، و"جمعية شباب ضد السيدا "وجمعية الشارة الحمراء"، وتستفيد مجموعة من الجمعيات من دعم مالي، تقدمه هيئة الأمم المتحدة يقدر بملايين الدولارات، غير أنه يعاب على هذه الجمعيات اقتصارها على المدن دون القرى، وبأنها لم تستطع لحد الآن من وضع استراتيجية تدمج المصابين بهذا الوباء الخطير في المجتمع، والدليل بأن المرض يزيد انتشارا.
ونفس الملاحظة تنطبق على الإحصائيات التي تقدمها هذه الجمعيات، فرغم أنها تدق ناقوس الخطرلما تحمله في طياتها من أرقام مخيفة، لكنها مع ذلك لا تعطينا الرقم الحقيقي الذي حصدته السيدا في مغربنا، فجل الجمعيات تنادي بشعار الوقاية خير من العلاج، بمعنى استعمال العوازل الطبية، إلا قلة من الجمعيات التي تدعو إلى التحلي بقيم الدين الإسلامي الذي يحرم الزنا، والشذوذ وغيرها من الكبائر التي استفحلت في مجتمعنا.
فبدل أن نشجع الشباب على استعمال الواقي الذكري، كوسيلة ناجعة لتجنب الإصابة بهذا الداء، نشجعهم على الزواج في إطاره الشرعي، ونحفز المتزوجين على الإخلاص في علاقاتهم الزوجية، ويجب على الدولة كذلك أن تتحمل قدرا من المسؤولية،من خلال توفير فرص شغل لشبابنا الذي أصبح ضائعا بين بائعي الهوى ويشتري المرض منهم بأرخص الأثمان.
وإذا كانت الجمعيات تتلقى الدعم من قبل المنظمات الدولية أو من قبل الدولة أو من قبل المحسنين، فإن العديد من المتتبعين يتسألون عن مصير هذه الأموال، وهذا ما دفع بعض الأصوات إلى التنديد بما نعتوه بـ "بيزنيس السيدا المربح".

توعية فاشلة

وفي هذا الصدد، نهجت بعض الجمعيات، شكلا جديدا في التوعية بخطر السيدا، وذلك من خلال استقدام فنانين، وفنانات من خارج المغرب، ليس بالمجان، بل بمبالغ كبيرة، تهدر بسبب أن هؤلاء الفنانين مشهورون وحضورهم للمغرب سيساهم في التعريف بالجمعية و بحجم المرض وبالتالي توعية الناس به، في الوقت الذي يتهافت فيه المواطنون ليس على إجراء التحاليل، والتعرف على النتائج، بل على رؤية الفنان، وهنا يطرح السؤال، هل بالفعل هذه هي التوعية التي يحتاجها المواطن المغربي؟ أخدا بعين الإعتبار نسبة الأمية التي ما زال جل المغاربة غارقين فيها، وهنا نتحدث عن الأمية الجنسية، التي جعلت الكثيرين يذهبون ضحية نزوة عابرة، كلفتهم حياتهم.
ويتساءل الناس من جدوى الأموال التي تمنح لهذه الجمعيات والتي تذهب هباءا منثورا في جيوب الفنانين الذين ترتسم الفرحة في وجوههم في الوقت الذي يموت فيه المصابون بداء السيدا في صمت؟ بدل أن تصرف في شراء الأدوية، والعلاجات للمرضى الفقراء، فالتوعية الحقيقية هي أن تكون كل الأطراف مشاركة فيها دولة، جمعيات، وسائل إعلام ومواطنين، فبدل أن تصرف الملايين على برامج لا طائل منها، يشاهدوها المواطنون ولا تحدث فيهم أثرا، يمكن صرفها في برامج توعوية على شاشة القناتين، ولا تقتصر هذه البرامج على يوم واحد في السنة، بل تكون طيلة السنة، لكي يكون لها أثر إيجابي في تغيير سلوك المواطنين.
ومهما يكن فالأرقام المعلن عنها لا تعكس الواقع الحقيقي لإنتشار فيروس السيدا، والدليل هو أن ممارسات الدعارة يحملن الفيروس منذ سنوات، ولم يتوقفن عن فسادهن بل ينقلن العدوى في صمت، ويتلددن بنشر المرض وهذا يحدث على مرأى ومسمع الجميع ولكن لا أحد يحرك ساكنا.


ليست هناك تعليقات: