فيروس الفقر يهدد المغاربة في ظل غياب العلاجات الفعالة لمكافحته
...خمسة مليون مغربي يعيشون تحت وطأة، الجوع، التهميش، الأمية، المديونية، البطالة
اتسعت دائرة الفقر في المغرب، وأضحت الفوارق الطبقية بين مختلف شرائح المجتمع، أمرا مقلقا ومثيرا للجدل، كيف لا وجزء كبيرمن ثروات بلادنا يذهب إلى فئات قليلة، وإلى الهذر بمختلف أشكاله، في الوقت الذي تظل فيه الطبقة الكادحة بجميع مستوياتها غارقة في أزمات لا حصر لها، وفي ظل غياب علاج فعال لهذا الوباء الذي ينخر في جسد المغاربة، تبقى علامات الاستفهام مطروحة حول استراتيجية الحكومة الحالية لمواجهة هذه المعظلة.
إذا كان المغرب بلد عريق غني بثرواته الطبيعية وبخيراته الفلاحية والبشرية، الأمر الذي يجعله قبلة للسياح الأجانب الذين ينبهرون بكرم المغاربة وبحسن استقبالهم، بحيث أصبح الأجنبي يشعر بأن المغرب فعلا بلده الثاني من فرط المعاملة التي يحظى بها. في الوقت الذي تجد فيه المواطنين المغاربة، يتذمرون من الأوضاع المزرية التي يعيشونها، والتي تجعل غالبيتهم يفكر في مغادرة التراب الوطني إما بطريقة شرعية، أو بخوض تجربة الهجرة السرية. مفارقة غريبة، أجانب يدفعون المال لرؤية المغرب وتمتع بطبيعته الخلابة، ومغاربة يدفعون أرواحهم وأموالهم وأدمغتهم للهرب إلى الضفة الأخرى.
فلا أحد ينكر بأن الفقر كوباء ينخر في جسد البلاد، ففي ظل العصر المعولم بتجلياته الفكرية والثقافية والعلمية، أسفرعن نتائج عويصة تعاني منها كل البلدان النامية، والمغرب من بينها، ففي هذا العصر الهوة تتسع بشكل ملحوظ بين الفئات الأكثر فقرا والفئات الأكثر غنا.
الفقرقراطية
يتحدث بعض الباحثين عن ما يسمى بالفقرقراطية، وهي أعمق من الفقر لأن الفقر هو حالة يمكن تغييرها بوضع مخطط قوي وواضح لمحاربتها، أما الفقرقراطية فهي عبارة عن مجموعة من الآليات والممارسات الممنهجة لاستدامة الفقر عبر مسلسل الاستحواذ على خيرات وثروات البلاد واحتكار ثمرات التنمية وتحميل الفئات الفقيرة عبء تمويل الميزانية العامة. بالإضافة إلى أن الفقر في المغرب يعتبرونه فقرا مركبا يتضمن الحرمان من جملة من المقومات الأساسية للحياة، سكن غير لائق، طعام غير كافي، رعاية صحية ضئيلة، وهذا الفقربنظرهؤلاء الباحثين ، لا يعود إلى كون ثروات البلاد قد تراجعت بل بالعكس، الخيرات التي يتوفر عليها المغرب هي قادرة على أن تجعله يساير ركب التنمية والتقدم، ولكن حسن استغلال هذه الثروات وتوزيعها بشكل عادل هومربط الفرس، فاختلال ميزان العدالة الاجتماعية بشكل مفضوح، وتكريس الحيف تجاه الطبقات الكادحة، وسوء تدبير المال العام، وتشجيع تهريب الأموال إلى الخارج من طرف أقلية تنعم بخيرات البلاد وتستغلها أبشع استغلال هو الذي يساهم في استنزاف اقتصادي، وبالتالي حيف اجتماعي ضحيته شرائح مجتمعنا التي تعاني في صمت، رغم ثقل الأعباء عليها سواء كانت الشريحة المعنية تحت عتبة الفقر، بمعنى لا تستطيع توفير الحاجيات الضرورية من مأكل ومسكن وغيره، أو كانت شرائح فوق عتبة الفقر، أي الشرائح الغارقة في دوامة الاقتراض من الأبناك والصراع من أجل الحفاظ على مستوى معين في العيش رغم أن ذلك يجعلها غارقة كذلك في المديونية.
هذه الأسباب و غيرها هي التي تجعلنا نتحدث عن الفقرقراطية.
محاربة فيروس الفقر في المغرب
عملت الحكومات المتعاقبة، على وضع مخطط وتحديد ميزانيات وإنفاق الأموال للتصدي لفيروس الفقر.
فقد خصصت السلطات المغربية ثلاثة مليارات درهم لمكافحة الفقر في ا في المغرب في العام 2008 . فلا أحد ينكر المجهودات التي تقوم بها الدولة في مجال محاربة وطرد شبح الفقر.
فقد كانت أول خطوة لذلك هي فتح نظام القروض الصغرى مع أوائل التسعينات، كما ظهرت مؤسسة محمد الخامس للتضامن سنة 1999، والتي وضعت في أولى اهتماماتها خدمة الفقراء، من خلال شعارها "لنتحد ضد الحاجة" ، كما أن الجمعيات المهتمة بالمجالات الاجتماعية، عبرت عن دعمها لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها المغرب في سنة 2005 والتي يهدف من خلالها إلى تحسين ظروف المعيشة في 360 منطقة ريفية و250 حيا حضريا تعتبر الأفقر والأشد تهميشا في المغرب.
وخلال الفترة 2005-2007 استفاد ثلاثة ملايين شخص من 12 ألف مشروع صغير اجتماعي-اقتصادي انجزت في هذه المناطق. وتساهم الدولة بنسبة 60 بالمئة في تمويل البرنامج الذي يستفيد أيضا من تمويل جهات أجنبية.
وبالرجوع إلى التقرير الصادر عن البنك الدولي، نهاية عام 2004، نجده،اعتبر بأن المؤشر الرقمي المغربي للفقر يصل الى نحو 17% من إجمالي سكان المغرب، ويختلف هذا المؤشر بين المدن والأرياف
وأوضح التقرير،أن الأرياف هي الأكثر فقرا، إذ أن معدل الدخل السنوي يقارب 3037 درهما، في حين يصل المعدل السنوي للدخل بالمدن إلى 3922 درهما.
واعتمد التقرير في توصله إلى هذه النتيجة على دراسات أنجزت حول الاستهلاك المنزلي عام 2001 وتقديرات المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب لنفس العام.
ولاحظ التقرير وجود فوارق بارزة بين البلديات والجهات من حيث معدلات الفقر، ويصل المعدل الإجمالي للفوارق بين المحافظات إلى 29% إذا ما تم احتساب ساكني القرى فقط، وينخفض إلى 18% إذا ما أضيف إليهم سكان المدن
كما توقع تراجعا في معدل الفقر في السنوات المقبلة، استنادا إلى تحسن معدل النمو بالنسبة للناتج الداخلي الاجمالي وخاصة في القطاع الزراعي، إذ حقق في الفترة الفاصلة ما بين عام 1999 و2003 نسبة بالمائة 4
أما حسب ما توصلت إليه المندوبية السامية للتخطيط فالفقر يعتبر ظاهرة قروية، من خلال البحوث التي قامت بها .والخريطة الأولى التي أنجزتها عن الفقر أوضحت بأن 50 بالمئة من الجماعات القروية تعرف نسبة فقر بين سكانها أعلى من 20 بالمائة، وأن نسبة الفقر بالبوادي تعادل 3 مرات نسبته بالتجمعات الحضرية، كما أن ظاهرة الفقر تصيب بالأساس فئات النساء والأطفال والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
رقعة الفقر في المغرب تزيد اتساعا بسبب الغلاء
إن تصاعد حدة الإضرابات التي تقوم بها تنسيقيات مناهضة الغلاء، بسبب الإرتفاعات المفاجئة في أسعار المواد الغدائية، خيردليل على أن كيل المواطن قد طفح من فرط التعامل السلبي للحكومة مع هذا الملف الحساس وهو ملف الزيادة في أسعار المواد الغدائية التي تضرب جيب المواطن المغربي، فرغم الإنتظارات التي تحمل في طياتها بشرى الأمل في الحكومة الحالية على أن تجد حلا لهذه الأزمات التي يعد الفقر هو سببها، ليس الفقر المادي فحسب بل حتى الفقر المعنوي والفكري، هذا الفقر الذي تكون نتائجه وخيمة على النفسية المغربية التي تعاني الإحباط والتذمر من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي تطرح علامات استفهام حول حلها .
فمن خلال نتائج البحث الوطني لمستوى عيش الأسر بالمغرب انتقل معدل الفقر النسبي من 56 بالمائة بين سنتي 1959 و1960 م إلى 13.7 بالمائة في أوائل الألفية الثالثة، غير أنه حسب النتائج التي توصل بها نفس البحث فإن السنوات الأخيرة قد شهدت عودة قوية للفقر إذ أصبح عدد الفقراء في المغرب يفوق 5 ملايين فرد، و4 ملايين من المغاربة تعيش تحت عتبة الفقر، كما توصلت نفس الدراسة إلى أن 25 بالمائة من المغاربة تعاني ضعفا اقتصاديا كبيرا، أي أن معدل الإنفاق السنوي لهذه الفئة يقل عن 4500 درهم.
وقد انعكست الزيادات التصاعدية في أسعار المواد الأساسية في السوق الدولية، وتنامي معدلات التضخم في معظم الدول التي تستورد منها الرباط حاجاتها من السلع، ارتفاعاً قياسياً على أسعار السلع الغذائية في السوق المغربية، وشمــلت الزيـادات بصـورة خاصة المواد الغـذائية المدعومة من الدولة، مثل زيوت الطــعام والمعجنات والـزبدة والألبان والسكر وغـيرها،ما دفـــع بقــية السلع والخـدمـات نحو الارتفاع متجاوزة معدل التضخم الذي بلغ متوسطه 3.2 في المئة.
وبحسب ما نشرته صحيفة " الحياة" فقد بلغ العجز في «صندوق المقاصة» الذي يدعم خمس سلع غذائية نحو 24 بليون درهم في مقابل 20 بليون درهم نهاية عام 2007، وأضافت الصحيفة بأن وزارة الشــؤون الاقتصــادية تــدرس مع أطــراف أخــرى كيفــية تركيز نفقات الصندوق على الفئات الأكثر فقراً داخل المجتمع، بسبــب عجزها عن مجاراة الزيادات المتتالية في الأسعار، والتي تتحكم فيها الأسواق العالمية ، وقالت بأن الحكومة تتجه نحو التحرير التدريجي للسلع المدعومة، وتدرس إمكان زيادة الأجور كتعويض عن تحرير الأسعار. ويتوقع ان تقدم الحكومة إلى النقابات العمالية، عروضاً في شأن زيادة الأجور منتصف الشهر الجاري، في إطار الحوار الاجتماعي. هذا وقد أشارت " الحياة" إلى العجزقد ارتفع في الميزان التجاري إلى 1.5 بليون دولار في الشهر الاول من العام الجاري، بسبب ارتفاع مشتريات المغرب من الطاقة والمواد الغذائية، وبخاصة القمح بمعدل 60 في المئة، حيث ارتفع سعر النفط الخام من 3230 درهماً للطن إلى 5230 درهماً، وازدادت قيمة واردات السلع الغذائية 130 في المئة، لتصل إلى 23 بليون درهم بزيادة خمسة بلايين عن الشهر الأول من عام 2007.
الأمر الذي يستدعي استراتيجية واضحة المعالم للتقليص من حدة الفقر، والتي تزيد وضعيته استفحالا في عصر العولمة والإكراهات التي يواجهها المغرب الذي عليه الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية، وعليه ضمان مناصب شغل للشباب العاطل عن العمل، وعليه أن يحد من السكن العشوائي في إطار شعار وزارة الإسكان مدن بدون صفيح، وعليه أن يخلق منظومة تعليمية قادرة على مواجهة التحديات العالمية... إكراهات كلها تصب في واد الفقر وبمعالجتها نكون قد استبشرنا خيرا في المستقبل، وضمنا التحاق المغرب بركب الدول المتقدمة.
في تصريح للمحلل الاقتصادي أديب عبد السلام حول موجة الغلاء التي تكتسح المغرب.
"أكثر المجموعات معاناة من الفقر نتيجة موجات الغلاء هم النساء والأطفال"
أن الغلاء الذي يشهده المغرب حاليا والذي بدأ يتفاحش منذ أكثر من سنة ونصف خصوصا مع التعديلات الضريبية الواردة في القانون المالي لسنة 2006، والذي بلغ اليوم حوالي 5 % على أدنى تقدير، يفضح السياسات الاقتصادية والاجتماعية، كما يشكل محور الأزمات التي تعيشها الطبقة العاملة وعموم الكادحين من تدهور القدرة الشرائية وتفاقم حدة البطالة، وتدهور الأوضاع الاجتماعيةـ وانتشار السرقة والدعارة والرشوة وكافة مظاهر الخداع والغش الضريبي ونهب المال العام...، كما تشكل من جهة أخرى نافذة على تفاقم المديونيتين الداخلية والخارجية، وعجز التوازنات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى تفشي حالة الكساد....
إن الزيادات الصاروخية التي تحدث في أسعار المواد الغذائية تؤدي إلى تأثيرات ذات نتائج عكسية على كمية ونوعية المواد التي تستهلكها الأسر الفقيرة، خاصة وأن ما يزيد عن ثلثي قيمة الإنفاق العائلي لدى شرائح الدخل المنخفضة يذهب لشراء المواد الغذائية، ومعلوم أن مستوى الاستهلاك الأسرى في بلادنا قد عرف انحدارا فضيعا خلال السنتين الأخيرتين نتيجة موجات الغلاء المتلاحقة الشيء الذي يؤثر سلبيا على مستوى الطلب الداخلي وبالتالي على مستوى الناتج الداخلي الإجمالي.
ويظهر أن أكثر المجموعات معاناة من الفقر هم النساء والأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة تتمثل في سوء التغذية والتعرض للأمراض وقلة الفرص المتاحة أمامهم للتعلم واضطرارهم للعمل في سن مبكرة. فالأمية لا زالت تراوح مكانها بحيث تشمل ما يقارب من نصف المغاربة، وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام ارتقاء أوضاع المغاربة. كما تتضاءل نسبة التمدرس ومواصلته.
ويحدث الغلاء تأثيره على ساكنة بؤر الفقر في ضواحي المدن وخصوص المدن الداخلية وعلى سكان الدواوير والقرى المحيطة بها. كما أن للغلاء وقع شديد على سكان البوادي من الفلاحين الفقراء الذين لا يملكون أية بقع أرضية، أو من يملكون بقع زراعية صغيرة وأيضا على العمال الزراعيين.
فالغلاء يزيد من معاناة الوسط القروي الذي يأوي حوالي 75 % من الفلاحين الفقراء على المستوى الوطني والذي يعاني من تراكم كبير في التخلف مقارنة بالوسط الحضري نتيجة التهميش الذي لا زال يعاني منه، خصوصا على مستوى موارد الميزانية العامة.
أما في المدن فيؤثر الغلاء على القوة الشرائية لمداخيل عمال الصناعة والخدمات وشرائح واسعة من موظفي الإدارات العمومية ، كما يؤثر على بعض من يعملون لحساب أنفسهم في القطاعات الهامشية، وعلى الخصوص على العمال غير المهرة. كما يؤثر الغلاء على شرائح عريضة من الفقراء والأرامل والمسنين والمرضى والمعوقين ومن يعيشون على الإعانات والتحويلات ورواتب التقاعد والإعانات الاجتماعية المنخفضة.
...خمسة مليون مغربي يعيشون تحت وطأة، الجوع، التهميش، الأمية، المديونية، البطالة
اتسعت دائرة الفقر في المغرب، وأضحت الفوارق الطبقية بين مختلف شرائح المجتمع، أمرا مقلقا ومثيرا للجدل، كيف لا وجزء كبيرمن ثروات بلادنا يذهب إلى فئات قليلة، وإلى الهذر بمختلف أشكاله، في الوقت الذي تظل فيه الطبقة الكادحة بجميع مستوياتها غارقة في أزمات لا حصر لها، وفي ظل غياب علاج فعال لهذا الوباء الذي ينخر في جسد المغاربة، تبقى علامات الاستفهام مطروحة حول استراتيجية الحكومة الحالية لمواجهة هذه المعظلة.
إذا كان المغرب بلد عريق غني بثرواته الطبيعية وبخيراته الفلاحية والبشرية، الأمر الذي يجعله قبلة للسياح الأجانب الذين ينبهرون بكرم المغاربة وبحسن استقبالهم، بحيث أصبح الأجنبي يشعر بأن المغرب فعلا بلده الثاني من فرط المعاملة التي يحظى بها. في الوقت الذي تجد فيه المواطنين المغاربة، يتذمرون من الأوضاع المزرية التي يعيشونها، والتي تجعل غالبيتهم يفكر في مغادرة التراب الوطني إما بطريقة شرعية، أو بخوض تجربة الهجرة السرية. مفارقة غريبة، أجانب يدفعون المال لرؤية المغرب وتمتع بطبيعته الخلابة، ومغاربة يدفعون أرواحهم وأموالهم وأدمغتهم للهرب إلى الضفة الأخرى.
فلا أحد ينكر بأن الفقر كوباء ينخر في جسد البلاد، ففي ظل العصر المعولم بتجلياته الفكرية والثقافية والعلمية، أسفرعن نتائج عويصة تعاني منها كل البلدان النامية، والمغرب من بينها، ففي هذا العصر الهوة تتسع بشكل ملحوظ بين الفئات الأكثر فقرا والفئات الأكثر غنا.
الفقرقراطية
يتحدث بعض الباحثين عن ما يسمى بالفقرقراطية، وهي أعمق من الفقر لأن الفقر هو حالة يمكن تغييرها بوضع مخطط قوي وواضح لمحاربتها، أما الفقرقراطية فهي عبارة عن مجموعة من الآليات والممارسات الممنهجة لاستدامة الفقر عبر مسلسل الاستحواذ على خيرات وثروات البلاد واحتكار ثمرات التنمية وتحميل الفئات الفقيرة عبء تمويل الميزانية العامة. بالإضافة إلى أن الفقر في المغرب يعتبرونه فقرا مركبا يتضمن الحرمان من جملة من المقومات الأساسية للحياة، سكن غير لائق، طعام غير كافي، رعاية صحية ضئيلة، وهذا الفقربنظرهؤلاء الباحثين ، لا يعود إلى كون ثروات البلاد قد تراجعت بل بالعكس، الخيرات التي يتوفر عليها المغرب هي قادرة على أن تجعله يساير ركب التنمية والتقدم، ولكن حسن استغلال هذه الثروات وتوزيعها بشكل عادل هومربط الفرس، فاختلال ميزان العدالة الاجتماعية بشكل مفضوح، وتكريس الحيف تجاه الطبقات الكادحة، وسوء تدبير المال العام، وتشجيع تهريب الأموال إلى الخارج من طرف أقلية تنعم بخيرات البلاد وتستغلها أبشع استغلال هو الذي يساهم في استنزاف اقتصادي، وبالتالي حيف اجتماعي ضحيته شرائح مجتمعنا التي تعاني في صمت، رغم ثقل الأعباء عليها سواء كانت الشريحة المعنية تحت عتبة الفقر، بمعنى لا تستطيع توفير الحاجيات الضرورية من مأكل ومسكن وغيره، أو كانت شرائح فوق عتبة الفقر، أي الشرائح الغارقة في دوامة الاقتراض من الأبناك والصراع من أجل الحفاظ على مستوى معين في العيش رغم أن ذلك يجعلها غارقة كذلك في المديونية.
هذه الأسباب و غيرها هي التي تجعلنا نتحدث عن الفقرقراطية.
محاربة فيروس الفقر في المغرب
عملت الحكومات المتعاقبة، على وضع مخطط وتحديد ميزانيات وإنفاق الأموال للتصدي لفيروس الفقر.
فقد خصصت السلطات المغربية ثلاثة مليارات درهم لمكافحة الفقر في ا في المغرب في العام 2008 . فلا أحد ينكر المجهودات التي تقوم بها الدولة في مجال محاربة وطرد شبح الفقر.
فقد كانت أول خطوة لذلك هي فتح نظام القروض الصغرى مع أوائل التسعينات، كما ظهرت مؤسسة محمد الخامس للتضامن سنة 1999، والتي وضعت في أولى اهتماماتها خدمة الفقراء، من خلال شعارها "لنتحد ضد الحاجة" ، كما أن الجمعيات المهتمة بالمجالات الاجتماعية، عبرت عن دعمها لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها المغرب في سنة 2005 والتي يهدف من خلالها إلى تحسين ظروف المعيشة في 360 منطقة ريفية و250 حيا حضريا تعتبر الأفقر والأشد تهميشا في المغرب.
وخلال الفترة 2005-2007 استفاد ثلاثة ملايين شخص من 12 ألف مشروع صغير اجتماعي-اقتصادي انجزت في هذه المناطق. وتساهم الدولة بنسبة 60 بالمئة في تمويل البرنامج الذي يستفيد أيضا من تمويل جهات أجنبية.
وبالرجوع إلى التقرير الصادر عن البنك الدولي، نهاية عام 2004، نجده،اعتبر بأن المؤشر الرقمي المغربي للفقر يصل الى نحو 17% من إجمالي سكان المغرب، ويختلف هذا المؤشر بين المدن والأرياف
وأوضح التقرير،أن الأرياف هي الأكثر فقرا، إذ أن معدل الدخل السنوي يقارب 3037 درهما، في حين يصل المعدل السنوي للدخل بالمدن إلى 3922 درهما.
واعتمد التقرير في توصله إلى هذه النتيجة على دراسات أنجزت حول الاستهلاك المنزلي عام 2001 وتقديرات المندوبية السامية للتخطيط بالمغرب لنفس العام.
ولاحظ التقرير وجود فوارق بارزة بين البلديات والجهات من حيث معدلات الفقر، ويصل المعدل الإجمالي للفوارق بين المحافظات إلى 29% إذا ما تم احتساب ساكني القرى فقط، وينخفض إلى 18% إذا ما أضيف إليهم سكان المدن
كما توقع تراجعا في معدل الفقر في السنوات المقبلة، استنادا إلى تحسن معدل النمو بالنسبة للناتج الداخلي الاجمالي وخاصة في القطاع الزراعي، إذ حقق في الفترة الفاصلة ما بين عام 1999 و2003 نسبة بالمائة 4
أما حسب ما توصلت إليه المندوبية السامية للتخطيط فالفقر يعتبر ظاهرة قروية، من خلال البحوث التي قامت بها .والخريطة الأولى التي أنجزتها عن الفقر أوضحت بأن 50 بالمئة من الجماعات القروية تعرف نسبة فقر بين سكانها أعلى من 20 بالمائة، وأن نسبة الفقر بالبوادي تعادل 3 مرات نسبته بالتجمعات الحضرية، كما أن ظاهرة الفقر تصيب بالأساس فئات النساء والأطفال والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.
رقعة الفقر في المغرب تزيد اتساعا بسبب الغلاء
إن تصاعد حدة الإضرابات التي تقوم بها تنسيقيات مناهضة الغلاء، بسبب الإرتفاعات المفاجئة في أسعار المواد الغدائية، خيردليل على أن كيل المواطن قد طفح من فرط التعامل السلبي للحكومة مع هذا الملف الحساس وهو ملف الزيادة في أسعار المواد الغدائية التي تضرب جيب المواطن المغربي، فرغم الإنتظارات التي تحمل في طياتها بشرى الأمل في الحكومة الحالية على أن تجد حلا لهذه الأزمات التي يعد الفقر هو سببها، ليس الفقر المادي فحسب بل حتى الفقر المعنوي والفكري، هذا الفقر الذي تكون نتائجه وخيمة على النفسية المغربية التي تعاني الإحباط والتذمر من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، التي تطرح علامات استفهام حول حلها .
فمن خلال نتائج البحث الوطني لمستوى عيش الأسر بالمغرب انتقل معدل الفقر النسبي من 56 بالمائة بين سنتي 1959 و1960 م إلى 13.7 بالمائة في أوائل الألفية الثالثة، غير أنه حسب النتائج التي توصل بها نفس البحث فإن السنوات الأخيرة قد شهدت عودة قوية للفقر إذ أصبح عدد الفقراء في المغرب يفوق 5 ملايين فرد، و4 ملايين من المغاربة تعيش تحت عتبة الفقر، كما توصلت نفس الدراسة إلى أن 25 بالمائة من المغاربة تعاني ضعفا اقتصاديا كبيرا، أي أن معدل الإنفاق السنوي لهذه الفئة يقل عن 4500 درهم.
وقد انعكست الزيادات التصاعدية في أسعار المواد الأساسية في السوق الدولية، وتنامي معدلات التضخم في معظم الدول التي تستورد منها الرباط حاجاتها من السلع، ارتفاعاً قياسياً على أسعار السلع الغذائية في السوق المغربية، وشمــلت الزيـادات بصـورة خاصة المواد الغـذائية المدعومة من الدولة، مثل زيوت الطــعام والمعجنات والـزبدة والألبان والسكر وغـيرها،ما دفـــع بقــية السلع والخـدمـات نحو الارتفاع متجاوزة معدل التضخم الذي بلغ متوسطه 3.2 في المئة.
وبحسب ما نشرته صحيفة " الحياة" فقد بلغ العجز في «صندوق المقاصة» الذي يدعم خمس سلع غذائية نحو 24 بليون درهم في مقابل 20 بليون درهم نهاية عام 2007، وأضافت الصحيفة بأن وزارة الشــؤون الاقتصــادية تــدرس مع أطــراف أخــرى كيفــية تركيز نفقات الصندوق على الفئات الأكثر فقراً داخل المجتمع، بسبــب عجزها عن مجاراة الزيادات المتتالية في الأسعار، والتي تتحكم فيها الأسواق العالمية ، وقالت بأن الحكومة تتجه نحو التحرير التدريجي للسلع المدعومة، وتدرس إمكان زيادة الأجور كتعويض عن تحرير الأسعار. ويتوقع ان تقدم الحكومة إلى النقابات العمالية، عروضاً في شأن زيادة الأجور منتصف الشهر الجاري، في إطار الحوار الاجتماعي. هذا وقد أشارت " الحياة" إلى العجزقد ارتفع في الميزان التجاري إلى 1.5 بليون دولار في الشهر الاول من العام الجاري، بسبب ارتفاع مشتريات المغرب من الطاقة والمواد الغذائية، وبخاصة القمح بمعدل 60 في المئة، حيث ارتفع سعر النفط الخام من 3230 درهماً للطن إلى 5230 درهماً، وازدادت قيمة واردات السلع الغذائية 130 في المئة، لتصل إلى 23 بليون درهم بزيادة خمسة بلايين عن الشهر الأول من عام 2007.
الأمر الذي يستدعي استراتيجية واضحة المعالم للتقليص من حدة الفقر، والتي تزيد وضعيته استفحالا في عصر العولمة والإكراهات التي يواجهها المغرب الذي عليه الحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية، وعليه ضمان مناصب شغل للشباب العاطل عن العمل، وعليه أن يحد من السكن العشوائي في إطار شعار وزارة الإسكان مدن بدون صفيح، وعليه أن يخلق منظومة تعليمية قادرة على مواجهة التحديات العالمية... إكراهات كلها تصب في واد الفقر وبمعالجتها نكون قد استبشرنا خيرا في المستقبل، وضمنا التحاق المغرب بركب الدول المتقدمة.
في تصريح للمحلل الاقتصادي أديب عبد السلام حول موجة الغلاء التي تكتسح المغرب.
"أكثر المجموعات معاناة من الفقر نتيجة موجات الغلاء هم النساء والأطفال"
أن الغلاء الذي يشهده المغرب حاليا والذي بدأ يتفاحش منذ أكثر من سنة ونصف خصوصا مع التعديلات الضريبية الواردة في القانون المالي لسنة 2006، والذي بلغ اليوم حوالي 5 % على أدنى تقدير، يفضح السياسات الاقتصادية والاجتماعية، كما يشكل محور الأزمات التي تعيشها الطبقة العاملة وعموم الكادحين من تدهور القدرة الشرائية وتفاقم حدة البطالة، وتدهور الأوضاع الاجتماعيةـ وانتشار السرقة والدعارة والرشوة وكافة مظاهر الخداع والغش الضريبي ونهب المال العام...، كما تشكل من جهة أخرى نافذة على تفاقم المديونيتين الداخلية والخارجية، وعجز التوازنات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى تفشي حالة الكساد....
إن الزيادات الصاروخية التي تحدث في أسعار المواد الغذائية تؤدي إلى تأثيرات ذات نتائج عكسية على كمية ونوعية المواد التي تستهلكها الأسر الفقيرة، خاصة وأن ما يزيد عن ثلثي قيمة الإنفاق العائلي لدى شرائح الدخل المنخفضة يذهب لشراء المواد الغذائية، ومعلوم أن مستوى الاستهلاك الأسرى في بلادنا قد عرف انحدارا فضيعا خلال السنتين الأخيرتين نتيجة موجات الغلاء المتلاحقة الشيء الذي يؤثر سلبيا على مستوى الطلب الداخلي وبالتالي على مستوى الناتج الداخلي الإجمالي.
ويظهر أن أكثر المجموعات معاناة من الفقر هم النساء والأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة تتمثل في سوء التغذية والتعرض للأمراض وقلة الفرص المتاحة أمامهم للتعلم واضطرارهم للعمل في سن مبكرة. فالأمية لا زالت تراوح مكانها بحيث تشمل ما يقارب من نصف المغاربة، وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام ارتقاء أوضاع المغاربة. كما تتضاءل نسبة التمدرس ومواصلته.
ويحدث الغلاء تأثيره على ساكنة بؤر الفقر في ضواحي المدن وخصوص المدن الداخلية وعلى سكان الدواوير والقرى المحيطة بها. كما أن للغلاء وقع شديد على سكان البوادي من الفلاحين الفقراء الذين لا يملكون أية بقع أرضية، أو من يملكون بقع زراعية صغيرة وأيضا على العمال الزراعيين.
فالغلاء يزيد من معاناة الوسط القروي الذي يأوي حوالي 75 % من الفلاحين الفقراء على المستوى الوطني والذي يعاني من تراكم كبير في التخلف مقارنة بالوسط الحضري نتيجة التهميش الذي لا زال يعاني منه، خصوصا على مستوى موارد الميزانية العامة.
أما في المدن فيؤثر الغلاء على القوة الشرائية لمداخيل عمال الصناعة والخدمات وشرائح واسعة من موظفي الإدارات العمومية ، كما يؤثر على بعض من يعملون لحساب أنفسهم في القطاعات الهامشية، وعلى الخصوص على العمال غير المهرة. كما يؤثر الغلاء على شرائح عريضة من الفقراء والأرامل والمسنين والمرضى والمعوقين ومن يعيشون على الإعانات والتحويلات ورواتب التقاعد والإعانات الاجتماعية المنخفضة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق