نلمسه في مختلف المحطات الانتخابية
ما هي أسباب عزوف المرأة على التصويت لبنات جنسها؟
إن التطور التصاعدي في عدد المرشحات والمنتخبات الذي نلمسه في إنتخابات السابع من شتنبر لا يوازيه تطور على مستوى تصويت المرأة المغربية على أختها في مختلف المحطات الانتخابية ، وهذا يرجعه البعض إلى أن مستوى الأمية الذي مازالت تعاني منه النساء سواء في القرى أو المدن ،إضافة إلى التهميش والحيف الذي يسقطهن في شراك سماسرة المتاجرة في الضمير الوطني ، هو السبب الرئيسي لتقهقر التمثيلية الفعالة للنساء المغربيات ، هذه الأسباب وغيرها سنحاول ملامستها من خلال الورقة التالية :
تخوض الأحزاب السياسية هذه الأيام حربا ضروسا أسلحتها الوعود والشعارات الرنانة ، آملة الخروج من المعركة الإنتخابية بأقل الخسائر ، غير أن الملفت هو أن الحملات الإنتخابية بمختلف أنواعها يغلب عليها الطابع الرجالي ، وكأن التلويح بمشاركة النساء في هذه الإنتخابات هو فقط لتلميع صورة الأحزاب التي تعتبر نفسها ديمقراطية ، وأن همهاهو تحقيق تمثيلية مشرفة للنساء في البرلمان .
فمشاركة المرأة المغربية في الإنتخابات التشريعية ، حق يكفله لها الدستور المغربي ، وكذا الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب ، والتي تمتع المرأة المغربية بحقوق مهمة ، تضمن لها الحق في الإنتخاب والتصويت ، حيث نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص في مادته (21) الفقرة (1,3)أن " لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون بنزاهة وحرية " كما أن الدستور المغربي يشير في فصله الخامس" أن الرجل والمرأة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية " ، فموضوع المرأة والإنتخابات ، يكتسي أهمية قصوى وذلك راجع إلى الحضور الوازن للمرأة المغربية في التجارب الإنتخابية السابقة .
غير أن الحضور الهزيل للمرأة على مستوى المؤسسات التمثيلية ، جعل التطبيل بإدخال النساء إلى قبة البرلمان لا يعدوا أن يكون سوى وسيلة لتأتيث المجال السياسي الغارق في الأزمات ، لهذا نجد أنه من بين المواضيع المطروحة للنقاش حاليا هي التمثيلية النسائية في ظل القوانين الإنتخابية الحالية ، فرغم الإيمان بأن الديمقراطية الفعالة لا يمكن الوصول إليها في أي مجتمع ، بدون مشاركة المرأة سواء كمرشحة في الإنتخابات أو كمصوتة ، فإننا نلاحظ ظآلة هذه المشاركة على كافة المستويات ، إذا ما قورنت بدور المرأة الحقيقي داخل المجتمع .
فهناك عدة عقبات وعراقيل تقف حاجزا أمام تفعيل دور المرأة في تدبير الشأن السياسي ، ومن بين هذه العقبات المرأة نفسها ، بحيث جل النساء اللواتي قمن بالحديث معهن ، رغم تباين وظائفهن ومستوياتهن الدراسية والفكرية إلا أنهن يحملن نفس الأفكار ، فهن يقاطعن الإنتخاب بشدة سواء كان المنتخب إمرأة أو رجل ،إلا قلة قليلة هي التي تشيد بضرورة الإنتخاب .
فمثلا سمية 35 سنة موظفة ، لا تملك بطاقة الناخب ولم تذهب يوما إلى مكاتب التصويت ، الأحزاب في نظرها لا يستحقون ثقة المواطنين لأن همهم الأول والأخير هو الجري وراء المصالح الشخصية وهي لا تميز بين التصويت للمرأة أو الرجل ، فالمهم بالنسبة لها هو الوفاء بالوعود وخدمة مصالح الشعب ، وهذه المميزات تعتقد بأنها متوفرة في حزب رفاق العثماني ، فبحسب رأيها برنامج الحزب يتوفر على الجديد خاصة على المستوى الديني .
نفس الرأي عبرت عنه سعيدة ، حيث جربت التصويت مرة واحدة فقط ولم تستسغ فكرة تكراره ، لأن من منحتهم صوتها لم يلتزموا ببرنامجهم الإنتخابي الذي لوحوا به في بداية الإنتخابات.
أما المقاولة وفاء ، فلا تعني لها الإنتخابات شيئا يذكر ، تقول " المرشحون اللي تنصوتوا عليهم يزيدون غنا على غنا ، أنظروا إلى زوجاتهم ، وأولادهم ، يعيشون مبرعين على ظهورنا ، من أين لك هذا ؟ هذا هو السؤال المحرج لهؤلاء خلال هذه الفترة الإنتخابية ، الإنتخابات بالنسبة لي ضحك على عقول المواطنين ، مثلا ما يجري في الجمارك ، تصوري أن القانون يفرض تقريبا 8,25 بالمائة كضريبة على السلع المستوردة ، وتقولي لي أن أوافق على الإنتخابات ، أنا أثق فقط بالملكية ، أما الشفارة اللي تينهبوا المال العام فأنا مستحيل أن أمنحهم صوتي ، إذا قمت بالتصويت ، هذا يعني أنني متواطئة مع هؤلاء اللصوص" .
والطامة الكبرى ليست هي مقاطعة التصويت في الإنتخابات ، إذا كان مبني على قناعات وحجج منطقية ، ولكن الإشكال يكمن في أن نسبة كبيرة من النساء لا تبالين بجدوى الإنتخاب ، والدليل أن جملة من النساء اللواتي حاولنا إستقاء أقوالهن ،إنتابتهن موجة من الضحك وكأننا نستعرض أمامهن مسرحية هزلية .
وإذا عدنا إلى اللائحة الوطنية ، فالمراهنة على الرفع من عدد المقاعد النسائية في البرلمان إلى 30 مقعدا ، لا يعد حتما ضمان لإثراء العمل البرلماني ، وإن كانت مجموعة من الدول قد جربت آليات الكوطا ، وكان من نتائجها تقوية تمثيلية النساء ، كفرنسا مثلا التي إعتمدت أخيرا مبدأ المناصفة الذي يلزم الأحزاب السياسية بتقديم ترشيحات متساوية للنساء والرجال في الترشيح وتدبير الشأن الحزبي .
وبالرغم من أن مبدأ الكوطا مكن من إدخال 30 إمرأة إلى قبة البرلمان ، إلا أن الفعاليات النسائية المغربية ينتظرن توسيع هذه التمثيلية في ظل مشروع قانون 22-06 المتعلق بالقانون التنظيمي بمجلس النواب.
وفي هذا الصدد أوضحت المرأة الأولى في الحزب الوطني الديمقراطي، في جملة من اللقاءات الصحفية، "أن هناك نظام إنتخابي في مفهومه النظري ومضمونه القانوني ، يضمن تمثيلية منصفة للنساء خارج أسلوب الكوطا ، أو التمييز الإيجابي ، وبأن المشاركة السياسية والتباري على المناصب النيابية حق مشروع ولو أنه لا يخلوا من مواجهة الإكراهات المفتعلة من لدن الأوساط التي تؤمن بالهيمنة الذكورية" .
وهنا لابد أن نشيد بالمجهودات التي بذلتها الفعاليات النسائية التي تجندت من أجل الدفاع عن التحرر القانوني والسياسي ، بحيث تبلورت أولى صيغ مقترحات التمييز الإيجابي في منتصف عقد التسعينات ثم تمظهرت عام 2000 في شكل مقترحات تمحورت حول فكرة الكوطا وفي سنة 2002 حصل تحول مهم في طريقة الإنتخاب بحيث تحول من نمط الإقتراع الإسمي إلى الإقتراع باللائحة ، هذا التطور أسفر على فوز 127 مرشحة لسنة 2003.
والآمال اليوم معلقة على إستحقاقات السابع شتنبر ، والتي تواكبها حملة إعلامية مهمة تستعرض فيها الفعاليات السياسية النسائية عضلاتهن ، حالمات بمقاعد مريحة داخل قبة البرلمان .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق