الاثنين، 27 أغسطس 2007


العنوسة بين مطرقة التقاليد وسندان الحداثة

فيما تقبع فتيات وراء جدران المنازل، معانقات حلمهن الوردي، بحيث ماتلبث الواحدة منهن أن تسمع صوت "الطبالة والغياطة " حتى تقفز من مكانها مهرولة إلى النافذة تندب حظها العكر الذي جعلها تبقى عانسا وهي قد تجاوزت عقدها الثالث ، تجلس أخريات أمام شاشة الكمبيوتر ، بكامل أناقتهن وبصدور شبه عارية في جلسات حميمية مع رجال في الغالب من دول النفطية، حيث تجد الفتاة تتكلم اللهجة الخليجية وكأنها خليجية .
فلقد أصبح تأخر سن الزواج عند الجنسين كارثة إجتماعية، فالعانس لغة هي المرأة التي طال مكثها في البيت ولم تتزوج قط، ويصح أن يقال للرجل عانس ولكن الشائع هو أن هذا المصطلح يطلق على المرأة، وفي اللهجة المغربية يقال للفتاة "بايرة " وهي مشتقة من اللفظة العربية بارت الأرض، بمعنى فسدت ولم تعد صالحة للزراعة، وتختلف محددات العنوسة من منطقة لأخرى ففي القرية المغربية، إذا تجاوزت الفتاة سن العشرين تعد عانسا، أما المدينة فعمر العنوسة يحدده البعض في سن الثلاثين فما فوق، نظرا لخصوصية الفتاة المدنية المرتبطة بالدار والوظيفة.
فالإحصائيات المتوفرة تؤكد بأن ظاهرة العنوسة في المغرب في تزايد مستمر وبالرغم من ذلك، نجد بأن هناك صمت من قبل الهيئات المتخصصة في البحث عن علاج لهذه الآفة الإجتماعية هل هذا مقصود أم حقيقة لا داعي للحديث عن العنوسة في المغرب.
فقد أوضحت المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة العزاب الذكور بالمغرب تصل إلى 45,5 بالمائة بينما تنحصر في 26,3 بالمائة في صفوف الفتيات ، كما أعلن أحمد الحلمي المندوب السامي للتخطيط خلال ندوة عقدت مؤخرا بمدينة النخيل ، مراكش ، أن العنوسة في المغرب في تزايد ، مستندا على الإحصاء الأخير الذي أنجزه المغرب في سبتمبر 2004 ، حيث أوضح أن نسبة العازبات والعزاب في الفئة العمرية 15-19 سنة و20-24 سنة أصبح يناهز المائة بالمائة .
ووفقا لدراسة أعدت بمدينة الدار البيضاء، من طرف الأمم المتحدة ومنظمات مغربية غير حكومية، توصلت إلى أن متوسط أعمار الأمهات العازبات يبلغ 26 عاما وفي أربع من خمس حالات كانوا مولودات وناشئات في بيئة مدنية وينتمين إلى طبقة معدومة أو متوسطة.
فالمشكل في تفشي العنوسة، هو معقد، تتشابك خيوطه كلما حاولنا فكها، يقول الأستاذ محمد ( 45) عاما، عازب ، أن العنوسة إذا كانت إختيارا فهذا يعتبر مرضا وسلوكا غير عادي ، بالمعنى الإجتماعي ، فالرجل في نظره يختار العنوسة في حالتين : الأولى ، عندما تكون حالته الجسدية والعضوية عادية ولكنه يعاني من إضطرابات نفسية ، هي التي تجعله غير قادر على إختيار الشريك وعلى تحمل المسؤولية .

الثانية، هي عندما يكون الشخص عاجزجنسيا وغير قادر على تلبية رغبات زوجته، فهذه المسألة إختيارية وإضطرارية في نفس الوقت ، لأن هناك رجال عاجزين جنسيا ولكن متزوجين .
أما إذا كانت العنوسة إضطرارا فهنا تتدخل جملة من العوامل الإجتماعية والإقتصادية والتقافية تجعل الرجل والمرأة غير قادرين على الزواج، إضافة إلى الجانب النفسي في إختيار شريكة الحياة, فمسألة الإنفتاح الذي تعرفه العلاقات الجنسية، حيث أن الرجل يقول "خصني ندوزها " بمعنى نتصاحب مع 100 وحدة ونتبرع مع راسي وبعد ذلك أفكر في الزواج.
أما عن السبب الذي جعلني لم أتزوج لحد الآن هو أن ظروفي لم تسمح لي، فأنا إبن أسرة فقيرة، وبعد حصولي على الدبلوم كان لابد من إجتياز مرحلة التدريب التي دامت 3 سنوات, بعد ذلك أصبح همي هو إعالة أسرتي، والآن إذا وجدت "بنت الحلال " وفيها كل المواصفات من جمال وثقافة وأخلاق فعلاش اللا .
وهناك من الرجال من يضربون على الزواج كسعيد الذي يقول " لماذا أتزوج وأنا أتزوج في الليل وأطلق في الصباح ".
وإذا كان هذا نموذج لتفكير شريحة من الرجال، فالآنسة أمال لها وجهة نظر مغايرة، حيث تقول، إن الزواج لم يعد يعني لي شيئا، فلم تعد له أية قيمة مضافة بالنسبة إلي، فبحسب نظرها العنوسة إختيار، بحيث أصبحت هناك أسبقيات في الحياة أهم من الزواج، كالدراسة والعمل، فدور الزوج إنمحى، بحيث أصبحت المرأة قادرة على حماية نفسها ماديا، أما الأمومة، فيمكن أن أمارسها من دون ولادة، من خلال الإعتناء بأقرب الناس إلي ( أمي، أبي، إخوة )، فهناك أمهات حقيقة لكن بدون أمومة.
وفيما يخص الأسباب التي تدفع الرجال والنساء إلى العزوف عن الزواج تقول حنان، السبب الأول، مادي، بحيث الظروف أصبحت صعبة ولم يعد الرجل قادر على فتح بيت وتحمل مسؤولية تكوين أسرة، أما السبب الثاني، فيكمن في الإنفتاح الذي يعرفه المغرب، فقد أصبح كل شخص يسعى فقط إلى إسعاد نفسه، فالرجل لم يعد يريد المرأة التي تتحكم فيه، والمرأة كذلك أصبحت تبحث على الماديات والكماليات ونسيت الضروريات التي تتمثل في إنشاء أسرة، كذلك من بين الأسباب التي جعلت الرجال يكرهوا الزواج هو مدونة الأسرة، فالشروط التي جاءت بها جعلت الناس يتخوفون من الإقدام على خطوة الزواج.
وفي هذا الصدد أوضح الأستاذ محمد السالك، محام بهيئة الدار البيضاء، أنه بعد صدور مدونة الأسرة فعلا كان هناك تخوف في السنتين و3 سنوات الأولى وذلك راجع إلى النظرة المغلوطة التي صاحبت صدور المدونة، فيما يتعلق بإقتسام الثروة بعد الطلاق، مع العلم أن المشرع المغربي لم ينص على ذلك وإنما ترك الإختيار للزوجين في الإتفاق على تدبير أموال الأسرة المكتسبة أثناء الزواج في وثيقة مستقلة، ولكن بعد مدة تبين للناس أن إقتسام الممتلكات بعد الزواج، فكرة مخالفة للحقيقة، وبالتالي بدأت نسبة الزواج ترتفع شيئا فشيئا.
وكانت التعديلات التي تضمنتها مدونة الأسرة حول السن القانونية للزواج قد وحدت هذا السن في 18 سنة عبد الرجل والمرأة مع تخويل القاضي إمكانية تخفيضه في الحالات المبررة وفي هذا الإطار أكد مركز الإعلام والرصد للنساء المغربيات أن عدد الطلبات المقدمة أمام ثمانية محاكم إعتبارا من بداية تطبيق المدونة لغاية متم سنة 2004، بلغ 3703، طلبا جرى الترخيص و الإذن بشأن 3603 طلبا، أما مقرر الرفض فقد إنحصر في 127 طلب.
فلقد باتت فئة من الشابات ترفض الزواج المبكر، وتعتبره عائقا نحو تحقيق طموحاتهن، وحاجزا يعيق تحقيق الإستقلال الإقتصادي ويساعد هذه الفئة إنتشار التعليم وإنفتاح الأفق على مناصب عليا في الإدارة، بحيث أصبح الرجل المغربي خاصة يفضل المرأة المتعلمة والموظفة وهذا راجع بحسب البعض إلى تزايد متطلبات الحياة وتغير نمط عيش المجتمع، تقول وفاء " مابقاوش رجالة " لقد أصبح الرجال ماديين " بغاواالمرا تخلص عليهم كلشي، فقد أصبحوا شادين التيار الأوروبي وإنسلخوا على هويتهم الأصلية، ولا الراجل باغي المرا ديال الدار وباغيها أوروبية، يعني باغيها جنية تطير، مع الخمسة ديال الصباح تطيب وتجفف وتمشي بحال الجفافة لخدمة, وترجع في الليل مهلوكة وتزوق وتقاد بحال العروسة، أنا ما بقيت باغا راجل، وردا على سؤالي لها ، هل أنت مع التعدد ، أجابت ببرودة نعم ، شنو غيحل هاذ المشكل من غير التعدد .
وفي إتجاه آخر تحدتث مع فاطمة، 25 عاما، صادفها الزمن بشخص إفتض بكارتها وأنجبت منه إبنة، فإنغلقت أبواب الزواج في وجهها فكان البديل هو ممارسة الدعارة، بحيث تخرج كل مرة مع بون يقضي حاجته منها مقابل مبلغ من النقود، تقول فاطمة وهي تبكي " حتى واحد مابغا يسترني ويتزوج بي، أنا وحق الله العظيم حتى طيبة ، وما بغيتش نبقى في هاذ الوضع ، ودابا راني تنعيش شخص بدون زواج ، وعدني به لكن أخلف بوعده ، ومازلت أخرج مع رجال آخرين ويعلم بذلك ولكن لا يهمه المهم هو الفلوس "
وقد إقترح الشيخ عبد المجيد الزنداني، العالم والمفكر اليمني حل شرعي للعنوسة وتيسير الزواج وذلك من خلال خلق صلة زواجية جديدة تحتى إسم زواج فريند، بحيث يمكن لشباب والشابات أن يرتبطوا بعقد زواج شرعي ، دون أن يمتلكا بيتا يأويان إليه غير أن هذا الحل يبقى مثار جدل ويطرح جملة من التساؤلات تجعل الشباب يتخوف ويلجأ إلى طرق أخرى كالزواج عبر الأنترنت كما أن الفضائيات العربية أعدت برامج تشجع على الزواج كلالة "العروسة" الذي
تقدمه القناة الأولى وقسمة ونصيب الذي تقدمه القناة اللبنانية كمحاولة لتقليل من نسبة العنوسة في العالم العربي






ليست هناك تعليقات: