بني ملال تعيش تحت وطأة الفقر والتهميش ولا تبتسم إلا في فترة الصيف
كل خطوة نخطوها ونحن في طريقنا إلى إقليم بني ملال ، نستشعر دفء المكان وجاذبيته ، المنسجمة مع جمال طبيعته ونقاء جوه ، وهدوءه الملفت ، رغم كثرة الزائرين ، هدوء أنسانا تعب السفر وعناء المسافة التي قطعناها للوصول إلى جوهرة الأطلس .
جبال شامخة وشلالات عذبة وأراضي خصبة وطبيعة خضراء تنتعش من مياه العين الشهيرة " عين أسردون " .
إذا كانت مدينة بني ملال ، قد تربعت على عرش الجمال بوصفها جوهرة الأطلس ، المتلألئة في أعين زوارها وكل من حالفه الحظ وإستمتع بجوها وشرب من مائها ونام تحت ظلال أشجارها وبساتينها ، فإن الواقع الذي تعيشه المدينة والذي يتخبط فيه جل سكانها يدق ناقوس الخطر الذي يهدد هذه المدينة العريقة ، التي يشهد التاريخ بصمودها في وجه من حاول إستغلال ثرواتها.
فبني ملال ، مدينة مغربية تقع في الوسط الغربي للمملكة بين الأطلس المتوسط وسهل تادلة وهي عاصمة إقليم بني ملال وجهة تادلة أزيلال ، تبعد عن الدار البيضاء بحوالي 250 كيلو متر ، وعن العاصمة الرباط ب 340 كيلو متر .
ومصطلح بني ملال يدخل ضمن قائمة المصطلحات التي تعكس التنوع اللسني في المغرب بحيث أن مصطلح بني ملال هو مركب من لفظتين ، الأولى عربية وتفيد آل أو (أولاد أو أبناء الثانية أمازيغية وتعني الشديد البياض ( أملال
ويبلغ عدد سكان المنطقة بحسب إحصاء 2004 بحوالي 248 163 نسمة ، وهي تعتمد بشكل كبير على الفلاحة والسياحة الجبلية التي تشكل العمود الفقري لبني ملال ، بحيث تنتعش إقتصاديا في فصل الصيف وهذا الإنتعاش يبلغ ذروته في شهر غشت ، نظرا لأنه شهر عودة المغاربة من ديار المهجر بإمتياز ، بحيث تعم شوارع بني ملال والنواحي بالسيارات المسجلة بأوربا ، الشىء الذي يفسر إزدهار التجارة بمختلف أنواعها ، مقاهي لبيع المأكولات ( الطواجن) ، بيع الفطائر والحساء ( المسمن والحريرة ) ، بحيث لا تكاد ترى متسولا يجوب الشارع ، فالكل منهك في عمله حتى ولو كان بسيطا .
كما تشتهر المنطقة ، كما أسلفت بعين أسردون وهي كلمة أمازيغية وتعني الحصان وهي تعد ثروة مائية بإمتياز ، فخيرات مياهها يستفيد منها الجميع ، بحيث يبلغ متوسط الصبيب 80 لتر في الثانية ، الشىء الذي ينعكس إيجابا على الأراضي السقوية التي تشكل40 بالمائة من مجموع المساحة الصالحة للزراعة ، دون نسيان تربية المواشي وتأتي تربية الماعز في المرتبة الأولى ، غير أنه بالرغم من الخيرات التي تزخر بها لبني ملال ، من طبيعة ساحرة وأنهار جارية وجبال عالية ، فإنها تشكوا واقعا جغرافيا صعبا , يقوم على تضاريس وعرة وعلى مسالك جبلية خطرة ، تجعل من الصعب على الآهالي المنطقة الحصول على نصيبهم من المياه الصالحة للشرب بسهولة فالعالم القروي في هذه المناطق يعاني من نذرة هذه المادة الحيوية حيث لا زالت الدواوير تعتمد على الآبار المنزلية الغير معالجة إضافة إلى إفتقار المنطقة لمستشفيات ووسائل التطبيب والعلاج بحيث يوجد بجهة تادلة أزيلال أربع مستشفيات و150مستوصفا ، من بينها المستشفى الجهوي الموجود بمدينة بني ملال والذي يعاني نقصا على مستوى االتجهيزات والأطباء خاصة الإختصاصيين ، كذلك تعاني المستعجلات من ضعف الخدمات الإستعجالية وقلة الأدوية إضافة إلى أن سكان القرى والنواحي لا يستفيدون من محاولات الدولة للنهوض بالقطاع التعليمي ، فيما يتعلق بتمدرس الفتيات على وجه الخصوص ، فالمدارس موجودة ولكنها بعيدة ، الشىء الذي يقف عائقا أمام تحقيق تنمية فعالة للمنطقة ، التي لا يبدوا على ساكنتها مظهر من مظاهر الرخاء فهم غارقون في وابل من التهميش والبطالة ، الأمر الذي يدفع أبنائها للتفكير في خوض غمار الهجرة السرية ، رغم إدراك خطورة الفعل، يقول يوسف 29 عاما " لا أحد ينكر أن بني ملال مدينة فلاحية ، ولكن الفلاحة لوحدها لاتكفي ، فليست هناك معامل لتشغيل اليد العاملة ، اللهم بعض الضيعات التي تستغل النسوة أبشع إستغلال ، يضيف يوسف حنا عايشين في بلادنا محكورين و مقهورين ، لأنه هناك من يستغل نفوذه وسلطته ، ولكن المخزن لا يأخد لك حقك كمواطن ، فتفكر في الهجرة لكي تشتري السلطة بالمال .
والغريب في الأمر أن الغالبية العظمى تفكر في الحصول على المال ولكن دون السؤال على مصدره ، فليس مهما ان يكون المصدر هو المخدرات أو الدعارة ، المهم هو أن تشتري القوة بالمال وأن تركب سيارة فاخرة تغري أعين الناظرين وتوهمهم بأن الحياة سهلة للغاية وبأن أوربا هي منجم السعادة وهي في الحقيقة مقبرة التعاسة ، فيوسف في كلامي معه لم يرد أن يعود عن قراره ، فهو عازم كل العزم على الهجرة طال الزمن أم قصر وقدوته في ذلك أخاه الذي هاجر إلى الديار الإيطالية وبعد عام عاد إلى أرض الوطن وإشترى منزلا وسيارة وفي المغرب إشتغل 10 سنوات " وما طفروش " ، أما فيما يخص مدخول يوسف من بيع الطواجن والمأكولات فهو يصل إلى 100 درهم في اليوم الواحد ، فقط في شهر غشت أما باقي الأيام فالحركة ضعيفة .
وفي طريقنا إلى عين أسردون إلتقينا بخديجة ، 19 سنة قاطنة بمنطقة تفردين ، التي تبعد عن العين بحوالي 4 كلم ، تمثل هذه الفتاة نموذجا للبنت القروية البسيطة التي قست عليها الحياة عندما إفترقا والديها ، وتركوها في حضن الجد والجدة ، دون أن تتمكن من دخول المدرسة
ومع ذلك فهي راضية كل الرضى على الوضع الذي تعيشه تحكي خديجة " نحن من منطقة سوس ، أتينا إلى بني ملال ، وإتخدنا قشلة للعسكر الإستعماري منزلا لنا ، أنا الآن مخطوبة لشخص من المدينة ، ولا أقبل بصحاب الطاليان وخا يعطيني مال الدنيا ، حيث تيضحكوا على البنات ديال الدوار وتيرجعوا مطلقات بعد شهر تقريبا ".
ففي غياب الوعي يبقى مصير فتيات هذه المناطق بين كف عفريت ، بحيث تكثر في بني ملال وغيرها من المناطق ظاهرة المتاجرة بفلذات الأكباد ، بحيث صادفنا حالات لفتيات تزوجن من ( أصحاب الخارج) وفي آخر المطاف كان ثمرة الزواج الإنفصال بعد أسبوع أو شهر على الأكثر ، وإن كان البعض يلوم في بعض الأحيان الزوجة التي قد تخون زوجها وهو خارج أرض الوطن كفاطمة التي ضبطتها حماتها تتكلم مع شخص غريب في الهاتف الذي إشتراه لها الزوج قبل سفره .
ومن الحكايات التي روتها لنا خديجة ، ما يجري في منطقة سيدي بوعقوب أو سيدي بوعشوش ، بحيث أخبرتنا بأنه هناك مجموعة من الأشخاص يقطنون ( البرارك) في تلك المنطقة التي جاءت بالقرب من بئر يستعمله الناس لجلب المياه ، بحيث تسرد خديجة منظر فتيات يحتسون الخمر مع هؤلاء ( الشماكرية) أمام أعين الناظرين ، ولا يقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلى حد التطاول على فتيات القرى ، بحيث سجلت العديد من حالات الإغتصاب ، لفتيات لا يتجاوز سنهن الحادية عشر سنة ، وهي نفسها راودها أحدهم وقال لها ( حيدي حوايجك ولا نقتلك).
وإذا كانت خديجة راضية على وضعها ، وستجد الزوج الذي قد ينسيها الحرمان الذي عاشته فإن فوزية 31 عاما ، أرملة وأم لولدين وبنت، تقطن بدوار آيت فالحة ، إنغلقت أمامها كل الأبواب بعد وفاة معيل الأسرة غرقا في مياه البحر بعد محاولة للهجرة كانت عواقبها وخيمة على الأم التي لم تعد قادرة على العمل بسبب المرض ، وكحل للأزمة فإن إبنتها البالغة من العمر 12 ربيعا تحترف النقش في موسم الصيف ، لإعالة أسرتها وشراء لوازم العام الدراسي المقبل.
لم تعد الهجرة حكرا على الرجال فقط بل حتى الفتيات في بني ملال أصبح حلم الهجرة يراودهن ، فسعاد من مواليد 1987 ، تحترف مهنة النقش ، مستواها الدراسي ، الرابعة إعدادي تقول " أنا ما عاجبانيش هاذ الخدمة ، النقش طلع لي في الراس ، أنا بغا نمشي للخارج ، مشيت حاركة ولكن السيد اللي عولت عليه تشد ودا لي 4000 درهم ، حقيقة ندمت ولكن دابا بغا نمشي بكونطرا " .
ومن بين المشاكل التي يعاني منها الإقليم والتي تؤرق الساكنة إستفحال الفساد الأخلاقي الذي أصبح ظاهرا للعيان بحيث أن المساومة على الجسد تكون أمام أعين المارة ، وهذا بحسب البعض هو راجع إلى الظروف القاسية التي تعاني منها المنطقة إضافة إلى توافد فتيات من مناطق أخرى للإستقرار ببني ملال إما هربا من فضيحة أو خوفا من العار.
هذا وتكثر في فصل الصيف الأعراس بشكل لا مثيل له ، بحيث على الساعة التاسعة مساءا تتراءى لك سيارات العرسان وهم يلتقطون الصور بجانب شلالات عين سردون، منظر يشعر الناس بالبهجة والسرور ولكن يخفي وراءه جرحا دفينا ، لا تنكشف خفاياه إلا بعد مدة
وبحسب جل الساكنة فالمجهودات تبقى غير كافية ، والمنطقة تحتاج إالى مزيد من التأهيل على جميع المستويات .
كذلك من بين الصعوبات ، مشكل النقل الحضري الذي يساهم في تعميق الهوة بين القرية والمدينة ، بحيث تمثل سيارات الأجرة وسيلة النقل الرئيسية في الإقليم ، الأمر الذي يرجعه البعض إلى ضعف الشبكة الطرقية التي تساهم في تعميق عزلة الجهة خاصة المناطق الجبلية. فالكثافة الطرقية بالجهة لا تتعدى 14 كلم في 100 كلم2 .هذا بالإضافة إلى أن
الجهة لا تتوفر على شبكة الطرق الحديدية والجوية.
أما فيما يخص البنيات السياحية والترفيهية ، فالمنطقة تفتقر للفنادق ودور الضيافة ، الشىء الذي يقف حاجزا أمام تشجيع السياحة بصنفيها الداخلية والخارجية ، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل هل مدينة لا تدخل في إطار الإستراتيجية التي تنهجها الدولة لجلب 10 ملايين سائح في أفق 2010.؟
كل خطوة نخطوها ونحن في طريقنا إلى إقليم بني ملال ، نستشعر دفء المكان وجاذبيته ، المنسجمة مع جمال طبيعته ونقاء جوه ، وهدوءه الملفت ، رغم كثرة الزائرين ، هدوء أنسانا تعب السفر وعناء المسافة التي قطعناها للوصول إلى جوهرة الأطلس .
جبال شامخة وشلالات عذبة وأراضي خصبة وطبيعة خضراء تنتعش من مياه العين الشهيرة " عين أسردون " .
إذا كانت مدينة بني ملال ، قد تربعت على عرش الجمال بوصفها جوهرة الأطلس ، المتلألئة في أعين زوارها وكل من حالفه الحظ وإستمتع بجوها وشرب من مائها ونام تحت ظلال أشجارها وبساتينها ، فإن الواقع الذي تعيشه المدينة والذي يتخبط فيه جل سكانها يدق ناقوس الخطر الذي يهدد هذه المدينة العريقة ، التي يشهد التاريخ بصمودها في وجه من حاول إستغلال ثرواتها.
فبني ملال ، مدينة مغربية تقع في الوسط الغربي للمملكة بين الأطلس المتوسط وسهل تادلة وهي عاصمة إقليم بني ملال وجهة تادلة أزيلال ، تبعد عن الدار البيضاء بحوالي 250 كيلو متر ، وعن العاصمة الرباط ب 340 كيلو متر .
ومصطلح بني ملال يدخل ضمن قائمة المصطلحات التي تعكس التنوع اللسني في المغرب بحيث أن مصطلح بني ملال هو مركب من لفظتين ، الأولى عربية وتفيد آل أو (أولاد أو أبناء الثانية أمازيغية وتعني الشديد البياض ( أملال
ويبلغ عدد سكان المنطقة بحسب إحصاء 2004 بحوالي 248 163 نسمة ، وهي تعتمد بشكل كبير على الفلاحة والسياحة الجبلية التي تشكل العمود الفقري لبني ملال ، بحيث تنتعش إقتصاديا في فصل الصيف وهذا الإنتعاش يبلغ ذروته في شهر غشت ، نظرا لأنه شهر عودة المغاربة من ديار المهجر بإمتياز ، بحيث تعم شوارع بني ملال والنواحي بالسيارات المسجلة بأوربا ، الشىء الذي يفسر إزدهار التجارة بمختلف أنواعها ، مقاهي لبيع المأكولات ( الطواجن) ، بيع الفطائر والحساء ( المسمن والحريرة ) ، بحيث لا تكاد ترى متسولا يجوب الشارع ، فالكل منهك في عمله حتى ولو كان بسيطا .
كما تشتهر المنطقة ، كما أسلفت بعين أسردون وهي كلمة أمازيغية وتعني الحصان وهي تعد ثروة مائية بإمتياز ، فخيرات مياهها يستفيد منها الجميع ، بحيث يبلغ متوسط الصبيب 80 لتر في الثانية ، الشىء الذي ينعكس إيجابا على الأراضي السقوية التي تشكل40 بالمائة من مجموع المساحة الصالحة للزراعة ، دون نسيان تربية المواشي وتأتي تربية الماعز في المرتبة الأولى ، غير أنه بالرغم من الخيرات التي تزخر بها لبني ملال ، من طبيعة ساحرة وأنهار جارية وجبال عالية ، فإنها تشكوا واقعا جغرافيا صعبا , يقوم على تضاريس وعرة وعلى مسالك جبلية خطرة ، تجعل من الصعب على الآهالي المنطقة الحصول على نصيبهم من المياه الصالحة للشرب بسهولة فالعالم القروي في هذه المناطق يعاني من نذرة هذه المادة الحيوية حيث لا زالت الدواوير تعتمد على الآبار المنزلية الغير معالجة إضافة إلى إفتقار المنطقة لمستشفيات ووسائل التطبيب والعلاج بحيث يوجد بجهة تادلة أزيلال أربع مستشفيات و150مستوصفا ، من بينها المستشفى الجهوي الموجود بمدينة بني ملال والذي يعاني نقصا على مستوى االتجهيزات والأطباء خاصة الإختصاصيين ، كذلك تعاني المستعجلات من ضعف الخدمات الإستعجالية وقلة الأدوية إضافة إلى أن سكان القرى والنواحي لا يستفيدون من محاولات الدولة للنهوض بالقطاع التعليمي ، فيما يتعلق بتمدرس الفتيات على وجه الخصوص ، فالمدارس موجودة ولكنها بعيدة ، الشىء الذي يقف عائقا أمام تحقيق تنمية فعالة للمنطقة ، التي لا يبدوا على ساكنتها مظهر من مظاهر الرخاء فهم غارقون في وابل من التهميش والبطالة ، الأمر الذي يدفع أبنائها للتفكير في خوض غمار الهجرة السرية ، رغم إدراك خطورة الفعل، يقول يوسف 29 عاما " لا أحد ينكر أن بني ملال مدينة فلاحية ، ولكن الفلاحة لوحدها لاتكفي ، فليست هناك معامل لتشغيل اليد العاملة ، اللهم بعض الضيعات التي تستغل النسوة أبشع إستغلال ، يضيف يوسف حنا عايشين في بلادنا محكورين و مقهورين ، لأنه هناك من يستغل نفوذه وسلطته ، ولكن المخزن لا يأخد لك حقك كمواطن ، فتفكر في الهجرة لكي تشتري السلطة بالمال .
والغريب في الأمر أن الغالبية العظمى تفكر في الحصول على المال ولكن دون السؤال على مصدره ، فليس مهما ان يكون المصدر هو المخدرات أو الدعارة ، المهم هو أن تشتري القوة بالمال وأن تركب سيارة فاخرة تغري أعين الناظرين وتوهمهم بأن الحياة سهلة للغاية وبأن أوربا هي منجم السعادة وهي في الحقيقة مقبرة التعاسة ، فيوسف في كلامي معه لم يرد أن يعود عن قراره ، فهو عازم كل العزم على الهجرة طال الزمن أم قصر وقدوته في ذلك أخاه الذي هاجر إلى الديار الإيطالية وبعد عام عاد إلى أرض الوطن وإشترى منزلا وسيارة وفي المغرب إشتغل 10 سنوات " وما طفروش " ، أما فيما يخص مدخول يوسف من بيع الطواجن والمأكولات فهو يصل إلى 100 درهم في اليوم الواحد ، فقط في شهر غشت أما باقي الأيام فالحركة ضعيفة .
وفي طريقنا إلى عين أسردون إلتقينا بخديجة ، 19 سنة قاطنة بمنطقة تفردين ، التي تبعد عن العين بحوالي 4 كلم ، تمثل هذه الفتاة نموذجا للبنت القروية البسيطة التي قست عليها الحياة عندما إفترقا والديها ، وتركوها في حضن الجد والجدة ، دون أن تتمكن من دخول المدرسة
ومع ذلك فهي راضية كل الرضى على الوضع الذي تعيشه تحكي خديجة " نحن من منطقة سوس ، أتينا إلى بني ملال ، وإتخدنا قشلة للعسكر الإستعماري منزلا لنا ، أنا الآن مخطوبة لشخص من المدينة ، ولا أقبل بصحاب الطاليان وخا يعطيني مال الدنيا ، حيث تيضحكوا على البنات ديال الدوار وتيرجعوا مطلقات بعد شهر تقريبا ".
ففي غياب الوعي يبقى مصير فتيات هذه المناطق بين كف عفريت ، بحيث تكثر في بني ملال وغيرها من المناطق ظاهرة المتاجرة بفلذات الأكباد ، بحيث صادفنا حالات لفتيات تزوجن من ( أصحاب الخارج) وفي آخر المطاف كان ثمرة الزواج الإنفصال بعد أسبوع أو شهر على الأكثر ، وإن كان البعض يلوم في بعض الأحيان الزوجة التي قد تخون زوجها وهو خارج أرض الوطن كفاطمة التي ضبطتها حماتها تتكلم مع شخص غريب في الهاتف الذي إشتراه لها الزوج قبل سفره .
ومن الحكايات التي روتها لنا خديجة ، ما يجري في منطقة سيدي بوعقوب أو سيدي بوعشوش ، بحيث أخبرتنا بأنه هناك مجموعة من الأشخاص يقطنون ( البرارك) في تلك المنطقة التي جاءت بالقرب من بئر يستعمله الناس لجلب المياه ، بحيث تسرد خديجة منظر فتيات يحتسون الخمر مع هؤلاء ( الشماكرية) أمام أعين الناظرين ، ولا يقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلى حد التطاول على فتيات القرى ، بحيث سجلت العديد من حالات الإغتصاب ، لفتيات لا يتجاوز سنهن الحادية عشر سنة ، وهي نفسها راودها أحدهم وقال لها ( حيدي حوايجك ولا نقتلك).
وإذا كانت خديجة راضية على وضعها ، وستجد الزوج الذي قد ينسيها الحرمان الذي عاشته فإن فوزية 31 عاما ، أرملة وأم لولدين وبنت، تقطن بدوار آيت فالحة ، إنغلقت أمامها كل الأبواب بعد وفاة معيل الأسرة غرقا في مياه البحر بعد محاولة للهجرة كانت عواقبها وخيمة على الأم التي لم تعد قادرة على العمل بسبب المرض ، وكحل للأزمة فإن إبنتها البالغة من العمر 12 ربيعا تحترف النقش في موسم الصيف ، لإعالة أسرتها وشراء لوازم العام الدراسي المقبل.
لم تعد الهجرة حكرا على الرجال فقط بل حتى الفتيات في بني ملال أصبح حلم الهجرة يراودهن ، فسعاد من مواليد 1987 ، تحترف مهنة النقش ، مستواها الدراسي ، الرابعة إعدادي تقول " أنا ما عاجبانيش هاذ الخدمة ، النقش طلع لي في الراس ، أنا بغا نمشي للخارج ، مشيت حاركة ولكن السيد اللي عولت عليه تشد ودا لي 4000 درهم ، حقيقة ندمت ولكن دابا بغا نمشي بكونطرا " .
ومن بين المشاكل التي يعاني منها الإقليم والتي تؤرق الساكنة إستفحال الفساد الأخلاقي الذي أصبح ظاهرا للعيان بحيث أن المساومة على الجسد تكون أمام أعين المارة ، وهذا بحسب البعض هو راجع إلى الظروف القاسية التي تعاني منها المنطقة إضافة إلى توافد فتيات من مناطق أخرى للإستقرار ببني ملال إما هربا من فضيحة أو خوفا من العار.
هذا وتكثر في فصل الصيف الأعراس بشكل لا مثيل له ، بحيث على الساعة التاسعة مساءا تتراءى لك سيارات العرسان وهم يلتقطون الصور بجانب شلالات عين سردون، منظر يشعر الناس بالبهجة والسرور ولكن يخفي وراءه جرحا دفينا ، لا تنكشف خفاياه إلا بعد مدة
وبحسب جل الساكنة فالمجهودات تبقى غير كافية ، والمنطقة تحتاج إالى مزيد من التأهيل على جميع المستويات .
كذلك من بين الصعوبات ، مشكل النقل الحضري الذي يساهم في تعميق الهوة بين القرية والمدينة ، بحيث تمثل سيارات الأجرة وسيلة النقل الرئيسية في الإقليم ، الأمر الذي يرجعه البعض إلى ضعف الشبكة الطرقية التي تساهم في تعميق عزلة الجهة خاصة المناطق الجبلية. فالكثافة الطرقية بالجهة لا تتعدى 14 كلم في 100 كلم2 .هذا بالإضافة إلى أن
الجهة لا تتوفر على شبكة الطرق الحديدية والجوية.
أما فيما يخص البنيات السياحية والترفيهية ، فالمنطقة تفتقر للفنادق ودور الضيافة ، الشىء الذي يقف حاجزا أمام تشجيع السياحة بصنفيها الداخلية والخارجية ، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل هل مدينة لا تدخل في إطار الإستراتيجية التي تنهجها الدولة لجلب 10 ملايين سائح في أفق 2010.؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق