استغلال العمال في الأحياء الصناعية يستمر في غياب احترام بنود قانون الشغل
نيران" روزامور" تفضح المستور
مازال الرأي العام الوطني مصدوما من هول الفاجعة التي راح ضحيتها أزيد من 55 عامل وعاملة التهمتهم النيران في مصنع أو بالأحرى سجن" روزامور"، المكون من أربع طوابق ومختص في صناعة الأفرشة بالحي الصناعي ليساسفة في مدينة الدارالبيضاء. الضحايا كانوا يشتغلون فيه، في غياب معايير السلامة المنصوص عليها في مدونة الشغل. غيرأن ما وقع ماهو إلا الشجرة التي تخفي الغابة، فهناك العديد من المصانع التي تشتغل في الخفاء، وتستغل العمال أبشع استغلال في غياب لأي ضمانات صحية، اجتماعية، قانونية و إنسانية.
على مقربة من احتفال عمال العالم بعيدهم النضالي الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، حلت كارثة مؤلمة بأكثر من 55 مواطن مغربي راحوا ضحية حريق معمل الحشو الإسفنجي بليساسفة بالدار البيضاء صباح يوم السبت 26 أبريل 2008، هذا المعمل لا يتوفر على أدنى شروط السلامة، التي تضمن الأمن اللازم للعاملين فيه، وأغلبهم شباب في مقتبل العمر، قضوا نحبهم في محرقة الإهمال والتسيب سببها الإستهتار بأرواح الآدميين، وغياب الضمير الإنساني الذي يحث على تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
ففي ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن المغربي، فقر و بطالة وغلاء الأسعار، أصبح الإشتغال في الأحياء الصناعية في العاصمة الإقتصادية، هو مورد رزق العديد من الأسر، لكن المؤسف هو أن هذا الإقبال يواجه بجشع أرباب العمل، الذين في كل الأحوال يستغلون حاجة هؤلاء المواطنين للعمل وللمال، فيحرمونهم من حقوقهم الأساسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية المصادق عليها وطنيا، كحرمانهم من الضمان الإجتماعي، ومن الحد الأدنى للأجر والتأمين، فضلاعلى أن جل المصانع تشغل يد عميلة رخيصة، دون السن القانوني المنصوص عليه في مدونة الشغل، إضافة الى الإستغلال الفاحش الذي تتعرض له اليد العاملة النسوية في هذه الأحياء الصناعية التي تشتغل في الخفاء، بعيدا عن أنظار وزارة الشغل،لا تحترم فيها حقوق العمال الذين يساهمون من الرفع من إنتاجية القطاع الصناعي المغربي، دون أن ننسى الظروف الصعبة التي يشتغل فيها هؤلاء العمال والتي تتسم بطول ساعات العمل والإرهاق وانعدام الأمان، أما النساء فتعانين من مشاكل مضاعفة يبقى على رأسها التحرش الجنسي، والعنف الجسدي، وبالرغم من وجود مدونة الشغل التي عرفت تعديلات بعد سلسلة من الإضرابات خاضتها الشغيلة في كثير من المناسبات، والتي نصت على جملة من البنود هدفها بالأساس حماية العمال من تسلط أرباب العمل الذين يهمهم في عصر الرأسمالية سوى جمع الثروات، ولو كان ذلك على حساب استغلال الظروف الصعبة للطبقة الكادحة، فإن هذه البنود تبقى حبرا على ورق، لأنها ببساطة تلقى تعنتا في تطبيقها من قبل أباطرة الشغل، وهذا ما يفسره عدد القضايا التي تقبع في ردهات المحاكم سببها، إما الطرد التعسفي، أو الأمراض المهنية، أو حوادث الشغل التي قد يتعرض لها الأجير في غياب أية حماية له وأفراد أسرته.
فمصنع"روزامور" ماهو إلا نموذج مصغر لعدد من المصانع الأخرى التي تأوي آلالاف من الشغيلة المغربية، التي لا يمكنها الدفاع عن مطالبها وحقوقها المهضومة، لأنها بكل بساطة خائفة على مصدر رزقها .
ولم تمر يومين على محرقة " عكاشة" حتى اندلع حريق مهول غير بعيد من ليساسفة وبالضبط بحي التشارك بمدينة الدار البيضاء، وذلك فجر يوم الإثنين 28 أبريل، في محل لصنع الأفرشة والوسائد بحي الولاء، أدى إلى مقتل ثلاثة شبان كانوا ينامون بالمحل التجاري، محكم الإغلاق، وأفاد شهود عيان أن الضحايا الثلاث، كانوا ينامون بمحل يفتقر إلى أبسط شروط الوقاية.
فماهو معروف هو أن العمال في المغرب يشتغلون في ظروف جد خطيرة ودون أية حماية ولا كرامة، ففي العديد من الأحياء الهامشية، وأحيانا في الأحياء الراقية، تنتشرمجموعة من المصانع التي تشتغل إما في الأفرشة، أو الألبسة أوالأحذية، وتعاني الإكتظاظ، والتي تتخذ من الدور السكنية مقرا لإدارة إنتاجها حيث تنعدم فيها التهوية والمرافق الصحية وغياب المراقبة التي تعد ضرورية من قبل مفتشي الشغل،هذه المراقبة التي لا تعطي أكلها والنتائج المتوخاة منها بسبب تفشي الرشوة، والمحسوبية.
فمن يتحمل مسؤولية هذه الإختلالات التي يتخبط فيها غالبية المشتغلين في مثل هذه المصانع؟ وأين هو دور مفتشية الشغل والأعضاء المنضوين تحتها؟ ولماذا لا يتم انجاز تقارير من طرف مفتشي الشغل تفضح مثل هذه الخروقات؟
أستاذ قانون الشغل في كلية الحسن الثاني بالمحمدية مصطفى شنضيض
محرقة ليساسفة عرت كثيرا من الحقائق
ماهو تقييمك العام للحدث ؟
الحدث الذي عرفته منطقة ليساسفة، عرى كثيرا من الحقائق التي تعاني منها المؤسسات الشغلية، فهناك إنعدام إحترام المقتضيات التشريعية، سواء تعلق الأمر بالحد الأدنى للأجر، وتوابعه أو تعلق الأمر بشروط الصحة والسلامة، أو تعلق الأمر أيضا بالتأمين على الأجراء.
يأتي هذا الحدث متزامنا مع ما يخلده العالم يوم 28 أبريل من كل سنة إبتداءا من سنة 1996 للتحسيس بالأشكال الغير الآمنة للإنتاج، وذلك بمناسبة إجتماع لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتنمية المستدامة للفت الانتباه لحوادث الشغل والتقصير في إجراءات الصحة والسلامة، مما يترتب عن ذلك وفاة مليون عامل بسبب هذا التقصيرو160 ألف عامل يصابون بأمراض مختلفة لنفس السبب.
ويأتي هذا الحدث أيضا والحوار الإجتماعي قائما، يؤكد ما تتبناه النقابات العمالية، من ظروف مأساوية تعيشها الطبقة العاملة، التي تفتقد للحماية اللازمة، والتي من المفروض تأمينها من طرف المؤسسات الحكومية، خاصة الأجهزة المعنية مباشرة بالوضع المادي والإجتماعي والصحي للطبقة العاملة.
ماهي البنود التي تنص على حماية الأجير؟
لابد من التذكير بالتنظيم القانوني الذي وضعه المشرع فيما يتعلق بحفظ صحة الأجراء وسلامتهم، حيث خصص المشرع لهذا الموضوع 64 فصلا في القسم الرابع من الكتاب الثاني من مدونة الشغل، ( المواد من 281- 344)، ناهيك عن فصول أخرى موزعة في المدونة، تشمل الحفاظ على صحة الأجراء والحفاظ على سلامتهم، فضلا عن توفير طرق الوقاية.
وبالنسبة لأماكن الشغل حرص المشرع على التنصيص على نظافتها مع توفير الشروط الوقائية كأجهزة الوقاية من الحرائق وغيرها، وهذه الأعمال الوقائية تتجلى في تسهيل تدخل فرق الإنقاد مع ضرورة تقييم طريقة البناء لتمكين الأجراء من الخروج أو المغادرة السريعة، إضافة إلى أن المقاولة مطالبة قانونيا باستعمال منتجات أقل قابلية للإحتراق، وتفادي تجميع البضائع بل يجب توزيعها على عدة أماكن.
أما الأجير فقد نصت المادة 39 من مدونة الشغل، على أن " عدم مراعاة التعليمات اللازم إتباعها لحفظ السلامة في الشغل وسلامة المؤسسة تترتب عنها خسارة جسيمة" تعتبر بمثابة خطأ جسيم يمكن أن يؤدي إلى الفصل. لكن ما حصل في ليساسفة هو كان بمثابة الفاجعة، لأن المصنع لا يتوفر على معدات السلامة الضرورية بالنسبة للأجير.
هل يتم احترام الإختصاصات الممنوحة لمفتشي الشغل ولأطباء الشغل؟
السوابق التي تعرض لها بعض مفتشي الشغل وخاصة حالة زين العابدين قاشة، الذي أراد أن يقوم بعمله على أحسن وجه، فانتهى في السجن بعد أن اتهم بالتزوير، حيث قضى 10 سنوات بين جدرانه، إلى أعلنت براءته مؤخرا. فهذه الحالة أثرت على سلوكات مفتشي الشغل في تحرير محاضر قد تكون في بعض الأحيان وهمية، لتفادي المواجهة مع بعض المشغلين وهنا لابد من التأكيد على ضرورة إصدار قانون أساسي لمفتشي الشغل، وإعطاء المحاضر التي يتم تحريرها من طرف الاعوان المكلفين بتفتيش الشغل درجة محاضر الضابطة القضائية.
عبد السلام أديب: محلل اقتصادي
سلطات البطرونا تغلب سلطة الدولة
لماذا تنتهك حقوق العمال في المغرب، هل ذلك راجع إلى عجز النقابات عن الدفاع على حقوق هذه الفئة؟ أم نظرا لتعنت أرباب العمل في استجابة لمطالبها؟
إن انتهاك حقوق العاملات والعمال أصبح أمرا جاريا به العمل في البلدان الرأسمالية منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، أي منذ سقوط جدار برلين واختلال التوازن العالمي لصالح القطب الرأسمالي الوحيد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فوجود الاتحاد السوفياتي سابقا كان يفرض على المعسكر الرأسمالي التنازل عن بعض حقوق الطبقة العاملة خوفا من اجتياح الثورة الاشتراكية للعمال، أما حاليا فإن تشديد استغلال الطبقة العاملة في ظل انتهاك خطير للحقوق التي تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أصبح شائعا في الدول الرأسمالية وكذا في الدول التابعة كالمغرب.
ثم إن الفوضى التي خلقها النظام الرأسمالي في العالم تجعله يحاول تدبير أزمته العامة عبر الهروب إلى الأمام، فجميع الرأسماليين يبحثون عن مراكمة الثروات بسرعة وبأقل كلفة، استنادا على مقولات كالمنافسة الحرة والتراكم البدائي لرأس المال الذي من شأنه خلق الاستثمار والتشغيل، سياسة تدبير الأزمة عبر خلق عطالة واسعة ترفع من حجم الطلب على العمل مما يقلص من مستوى الأجور. كما أنه من أجل الحصول على عمل يقبل العمال بظروف عمل هشة وبدون ضمانات وبأجور زهيدة. وهذا في ا لوقت الذي تغمض فيه الدولة عيونها عن ما يحدث داخل وحدات العمل السرية والعلنية.
أما بالنسبة للنقابات، فأعتقد أنها تعاني مثلما تعاني البلاد عامة من تدنى الديموقراطية، بل أنها تسقط في التبعية أو الإلحاقية بعد بضعة سنوات من تأسيسها، حيث تسود البيروقراطية التي تعمل على إيجاد توافقات مع الدولة وأرباب العمل لغض الطرف عن الانتهاكات التي تطال الحقوق الشغلية للعاملات والعمال. فهذه النقابات لا تتحرك إلا مع حلول فاتح مايو أو عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية. ودون تعميم هذه الإشكالية فإن أغلب المركزيات النقابية تضم مناضلين ديموقراطيين وعاملات وعمال يتمكنوا بطريقة أو بأخرى من فرض إرادتهم على القيادات البيروقراطية للدخول في معارك ومواجهات مع الباطرونا من أجل الوصول إلى اتفاقيات جماعية تحقق بعض مطالب الطبقة العاملة. كما أن القيادات البيروقراطية تعلم أنها يجب أن تقوم بين الفينة والأخرى بمواجهة الاستغلال القائم خوفا من قواعدها
لماذا في نظرك لا يتم احترام البنود، التي نصت عليها مدونة الشغل من قبل الشركات التي تشغل الشباب المغربي؟
إن المشروع الأصلي لمدونة الشغل الحالية كانت ستكون أشد على الطبقة العاملة من حيث إلغاء كافة المكتسبات والحماية الخاصة بالطبقة العاملة وفي المقابل تمنح كافة السلطات للباطرونا، لكن معارك مريرة لعدد من المناضلين النقابيين خففت من بعض الإجراءات السلبية التي كان يتضمنها المشروع. ورغم اعتماد مدونة شغل تلبي رغبات الباطرونا أكثر من حمايتها للعمال فإن جشع الباطرونا جعلها تحجم عن تنفيذ ما يتعلق بحقوق العمال، حيث لم يتم احترام الزيادة في الحد الأدنى للأجر ويتم العصف بالحريات النقابية وعدم توفير التسجيل في الضمان الاجتماعي للجميع وممارسة التسريحات والطرد التعسفي. ونظرا لأن ممارسات الباطرونا تعتبر مخالفة لمدونة الشغل فنجدها تبحث عن اضفاء صبغة الشرعية على ممارساتها لذلك نراها قد صاغت كتابا أبيضا على مقاسها وسلمته للحكومة لفرضه على النقابات.
وقد لاحظنا كيف أن الحكومة التي تعترف بأن قانون الشغل على علاته، لا يطبق إلا في 15% من مؤسسات القطاع الخاص التي يفوق عدد عمالها 50 أجيرا، وحيث أنها بدلا من أن تتخذ الإجراءات القانونية ضد المشغلين الذين لا يحترمون القانون، نجدها قد أصدرت ما يسمى بالمخطط الوطني للملائمة، الذي يدعو صراحة إلى تأجيل تطبيق قانون الشغل بأغلب المقاولات، ويثني مفتشي الشغل عن تحرير
محاضر المخالفات ضدا على مقتضيات مدونة الشغل نفسها.
كيف يمكن للدولة أن تلزم أصحاب هذه الشركات باحترام حقوق العمال والعاملات في الأحياء الصناعية، من ضمان اجتماعي، والحد الأدنى للأجر، والعمل في ظروف ملائمة، تحترم صحة وكرامة المواطن المغربي؟
فقط بالتطبيق الحرفي للقانون، والتوقف عن محاباة مصالح الباطرونا على حساب الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة، والعمل على التصديق على النصوص الدولية المتعلقة بالحقوق الشغلية حيث أن المغرب لم يصادق لحد الآن سوى على 48 اتفاقية من ضمن185 اتفاقية شغل دولية صادرة عن منظمة العمل الدولية، فعلى الدولة أن تجتهد في ضمان حق الاستقرار في العمل بالنسبة لسائر الأجراء، فهناك حاليا عشرات الآلاف من العاملات والعمال المطرودين ضدا على الحق والقانون، وفي مقدمتهم ضحايا الاعتداء على الحريات النقابية.
نيران" روزامور" تفضح المستور
مازال الرأي العام الوطني مصدوما من هول الفاجعة التي راح ضحيتها أزيد من 55 عامل وعاملة التهمتهم النيران في مصنع أو بالأحرى سجن" روزامور"، المكون من أربع طوابق ومختص في صناعة الأفرشة بالحي الصناعي ليساسفة في مدينة الدارالبيضاء. الضحايا كانوا يشتغلون فيه، في غياب معايير السلامة المنصوص عليها في مدونة الشغل. غيرأن ما وقع ماهو إلا الشجرة التي تخفي الغابة، فهناك العديد من المصانع التي تشتغل في الخفاء، وتستغل العمال أبشع استغلال في غياب لأي ضمانات صحية، اجتماعية، قانونية و إنسانية.
على مقربة من احتفال عمال العالم بعيدهم النضالي الذي يصادف فاتح ماي من كل سنة، حلت كارثة مؤلمة بأكثر من 55 مواطن مغربي راحوا ضحية حريق معمل الحشو الإسفنجي بليساسفة بالدار البيضاء صباح يوم السبت 26 أبريل 2008، هذا المعمل لا يتوفر على أدنى شروط السلامة، التي تضمن الأمن اللازم للعاملين فيه، وأغلبهم شباب في مقتبل العمر، قضوا نحبهم في محرقة الإهمال والتسيب سببها الإستهتار بأرواح الآدميين، وغياب الضمير الإنساني الذي يحث على تقديم المصلحة العامة على المصلحة الشخصية.
ففي ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن المغربي، فقر و بطالة وغلاء الأسعار، أصبح الإشتغال في الأحياء الصناعية في العاصمة الإقتصادية، هو مورد رزق العديد من الأسر، لكن المؤسف هو أن هذا الإقبال يواجه بجشع أرباب العمل، الذين في كل الأحوال يستغلون حاجة هؤلاء المواطنين للعمل وللمال، فيحرمونهم من حقوقهم الأساسية المنصوص عليها في المواثيق الدولية المصادق عليها وطنيا، كحرمانهم من الضمان الإجتماعي، ومن الحد الأدنى للأجر والتأمين، فضلاعلى أن جل المصانع تشغل يد عميلة رخيصة، دون السن القانوني المنصوص عليه في مدونة الشغل، إضافة الى الإستغلال الفاحش الذي تتعرض له اليد العاملة النسوية في هذه الأحياء الصناعية التي تشتغل في الخفاء، بعيدا عن أنظار وزارة الشغل،لا تحترم فيها حقوق العمال الذين يساهمون من الرفع من إنتاجية القطاع الصناعي المغربي، دون أن ننسى الظروف الصعبة التي يشتغل فيها هؤلاء العمال والتي تتسم بطول ساعات العمل والإرهاق وانعدام الأمان، أما النساء فتعانين من مشاكل مضاعفة يبقى على رأسها التحرش الجنسي، والعنف الجسدي، وبالرغم من وجود مدونة الشغل التي عرفت تعديلات بعد سلسلة من الإضرابات خاضتها الشغيلة في كثير من المناسبات، والتي نصت على جملة من البنود هدفها بالأساس حماية العمال من تسلط أرباب العمل الذين يهمهم في عصر الرأسمالية سوى جمع الثروات، ولو كان ذلك على حساب استغلال الظروف الصعبة للطبقة الكادحة، فإن هذه البنود تبقى حبرا على ورق، لأنها ببساطة تلقى تعنتا في تطبيقها من قبل أباطرة الشغل، وهذا ما يفسره عدد القضايا التي تقبع في ردهات المحاكم سببها، إما الطرد التعسفي، أو الأمراض المهنية، أو حوادث الشغل التي قد يتعرض لها الأجير في غياب أية حماية له وأفراد أسرته.
فمصنع"روزامور" ماهو إلا نموذج مصغر لعدد من المصانع الأخرى التي تأوي آلالاف من الشغيلة المغربية، التي لا يمكنها الدفاع عن مطالبها وحقوقها المهضومة، لأنها بكل بساطة خائفة على مصدر رزقها .
ولم تمر يومين على محرقة " عكاشة" حتى اندلع حريق مهول غير بعيد من ليساسفة وبالضبط بحي التشارك بمدينة الدار البيضاء، وذلك فجر يوم الإثنين 28 أبريل، في محل لصنع الأفرشة والوسائد بحي الولاء، أدى إلى مقتل ثلاثة شبان كانوا ينامون بالمحل التجاري، محكم الإغلاق، وأفاد شهود عيان أن الضحايا الثلاث، كانوا ينامون بمحل يفتقر إلى أبسط شروط الوقاية.
فماهو معروف هو أن العمال في المغرب يشتغلون في ظروف جد خطيرة ودون أية حماية ولا كرامة، ففي العديد من الأحياء الهامشية، وأحيانا في الأحياء الراقية، تنتشرمجموعة من المصانع التي تشتغل إما في الأفرشة، أو الألبسة أوالأحذية، وتعاني الإكتظاظ، والتي تتخذ من الدور السكنية مقرا لإدارة إنتاجها حيث تنعدم فيها التهوية والمرافق الصحية وغياب المراقبة التي تعد ضرورية من قبل مفتشي الشغل،هذه المراقبة التي لا تعطي أكلها والنتائج المتوخاة منها بسبب تفشي الرشوة، والمحسوبية.
فمن يتحمل مسؤولية هذه الإختلالات التي يتخبط فيها غالبية المشتغلين في مثل هذه المصانع؟ وأين هو دور مفتشية الشغل والأعضاء المنضوين تحتها؟ ولماذا لا يتم انجاز تقارير من طرف مفتشي الشغل تفضح مثل هذه الخروقات؟
أستاذ قانون الشغل في كلية الحسن الثاني بالمحمدية مصطفى شنضيض
محرقة ليساسفة عرت كثيرا من الحقائق
ماهو تقييمك العام للحدث ؟
الحدث الذي عرفته منطقة ليساسفة، عرى كثيرا من الحقائق التي تعاني منها المؤسسات الشغلية، فهناك إنعدام إحترام المقتضيات التشريعية، سواء تعلق الأمر بالحد الأدنى للأجر، وتوابعه أو تعلق الأمر بشروط الصحة والسلامة، أو تعلق الأمر أيضا بالتأمين على الأجراء.
يأتي هذا الحدث متزامنا مع ما يخلده العالم يوم 28 أبريل من كل سنة إبتداءا من سنة 1996 للتحسيس بالأشكال الغير الآمنة للإنتاج، وذلك بمناسبة إجتماع لجنة الأمم المتحدة المعنية بالتنمية المستدامة للفت الانتباه لحوادث الشغل والتقصير في إجراءات الصحة والسلامة، مما يترتب عن ذلك وفاة مليون عامل بسبب هذا التقصيرو160 ألف عامل يصابون بأمراض مختلفة لنفس السبب.
ويأتي هذا الحدث أيضا والحوار الإجتماعي قائما، يؤكد ما تتبناه النقابات العمالية، من ظروف مأساوية تعيشها الطبقة العاملة، التي تفتقد للحماية اللازمة، والتي من المفروض تأمينها من طرف المؤسسات الحكومية، خاصة الأجهزة المعنية مباشرة بالوضع المادي والإجتماعي والصحي للطبقة العاملة.
ماهي البنود التي تنص على حماية الأجير؟
لابد من التذكير بالتنظيم القانوني الذي وضعه المشرع فيما يتعلق بحفظ صحة الأجراء وسلامتهم، حيث خصص المشرع لهذا الموضوع 64 فصلا في القسم الرابع من الكتاب الثاني من مدونة الشغل، ( المواد من 281- 344)، ناهيك عن فصول أخرى موزعة في المدونة، تشمل الحفاظ على صحة الأجراء والحفاظ على سلامتهم، فضلا عن توفير طرق الوقاية.
وبالنسبة لأماكن الشغل حرص المشرع على التنصيص على نظافتها مع توفير الشروط الوقائية كأجهزة الوقاية من الحرائق وغيرها، وهذه الأعمال الوقائية تتجلى في تسهيل تدخل فرق الإنقاد مع ضرورة تقييم طريقة البناء لتمكين الأجراء من الخروج أو المغادرة السريعة، إضافة إلى أن المقاولة مطالبة قانونيا باستعمال منتجات أقل قابلية للإحتراق، وتفادي تجميع البضائع بل يجب توزيعها على عدة أماكن.
أما الأجير فقد نصت المادة 39 من مدونة الشغل، على أن " عدم مراعاة التعليمات اللازم إتباعها لحفظ السلامة في الشغل وسلامة المؤسسة تترتب عنها خسارة جسيمة" تعتبر بمثابة خطأ جسيم يمكن أن يؤدي إلى الفصل. لكن ما حصل في ليساسفة هو كان بمثابة الفاجعة، لأن المصنع لا يتوفر على معدات السلامة الضرورية بالنسبة للأجير.
هل يتم احترام الإختصاصات الممنوحة لمفتشي الشغل ولأطباء الشغل؟
السوابق التي تعرض لها بعض مفتشي الشغل وخاصة حالة زين العابدين قاشة، الذي أراد أن يقوم بعمله على أحسن وجه، فانتهى في السجن بعد أن اتهم بالتزوير، حيث قضى 10 سنوات بين جدرانه، إلى أعلنت براءته مؤخرا. فهذه الحالة أثرت على سلوكات مفتشي الشغل في تحرير محاضر قد تكون في بعض الأحيان وهمية، لتفادي المواجهة مع بعض المشغلين وهنا لابد من التأكيد على ضرورة إصدار قانون أساسي لمفتشي الشغل، وإعطاء المحاضر التي يتم تحريرها من طرف الاعوان المكلفين بتفتيش الشغل درجة محاضر الضابطة القضائية.
عبد السلام أديب: محلل اقتصادي
سلطات البطرونا تغلب سلطة الدولة
لماذا تنتهك حقوق العمال في المغرب، هل ذلك راجع إلى عجز النقابات عن الدفاع على حقوق هذه الفئة؟ أم نظرا لتعنت أرباب العمل في استجابة لمطالبها؟
إن انتهاك حقوق العاملات والعمال أصبح أمرا جاريا به العمل في البلدان الرأسمالية منذ بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، أي منذ سقوط جدار برلين واختلال التوازن العالمي لصالح القطب الرأسمالي الوحيد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فوجود الاتحاد السوفياتي سابقا كان يفرض على المعسكر الرأسمالي التنازل عن بعض حقوق الطبقة العاملة خوفا من اجتياح الثورة الاشتراكية للعمال، أما حاليا فإن تشديد استغلال الطبقة العاملة في ظل انتهاك خطير للحقوق التي تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أصبح شائعا في الدول الرأسمالية وكذا في الدول التابعة كالمغرب.
ثم إن الفوضى التي خلقها النظام الرأسمالي في العالم تجعله يحاول تدبير أزمته العامة عبر الهروب إلى الأمام، فجميع الرأسماليين يبحثون عن مراكمة الثروات بسرعة وبأقل كلفة، استنادا على مقولات كالمنافسة الحرة والتراكم البدائي لرأس المال الذي من شأنه خلق الاستثمار والتشغيل، سياسة تدبير الأزمة عبر خلق عطالة واسعة ترفع من حجم الطلب على العمل مما يقلص من مستوى الأجور. كما أنه من أجل الحصول على عمل يقبل العمال بظروف عمل هشة وبدون ضمانات وبأجور زهيدة. وهذا في ا لوقت الذي تغمض فيه الدولة عيونها عن ما يحدث داخل وحدات العمل السرية والعلنية.
أما بالنسبة للنقابات، فأعتقد أنها تعاني مثلما تعاني البلاد عامة من تدنى الديموقراطية، بل أنها تسقط في التبعية أو الإلحاقية بعد بضعة سنوات من تأسيسها، حيث تسود البيروقراطية التي تعمل على إيجاد توافقات مع الدولة وأرباب العمل لغض الطرف عن الانتهاكات التي تطال الحقوق الشغلية للعاملات والعمال. فهذه النقابات لا تتحرك إلا مع حلول فاتح مايو أو عند اقتراب الاستحقاقات الانتخابية. ودون تعميم هذه الإشكالية فإن أغلب المركزيات النقابية تضم مناضلين ديموقراطيين وعاملات وعمال يتمكنوا بطريقة أو بأخرى من فرض إرادتهم على القيادات البيروقراطية للدخول في معارك ومواجهات مع الباطرونا من أجل الوصول إلى اتفاقيات جماعية تحقق بعض مطالب الطبقة العاملة. كما أن القيادات البيروقراطية تعلم أنها يجب أن تقوم بين الفينة والأخرى بمواجهة الاستغلال القائم خوفا من قواعدها
لماذا في نظرك لا يتم احترام البنود، التي نصت عليها مدونة الشغل من قبل الشركات التي تشغل الشباب المغربي؟
إن المشروع الأصلي لمدونة الشغل الحالية كانت ستكون أشد على الطبقة العاملة من حيث إلغاء كافة المكتسبات والحماية الخاصة بالطبقة العاملة وفي المقابل تمنح كافة السلطات للباطرونا، لكن معارك مريرة لعدد من المناضلين النقابيين خففت من بعض الإجراءات السلبية التي كان يتضمنها المشروع. ورغم اعتماد مدونة شغل تلبي رغبات الباطرونا أكثر من حمايتها للعمال فإن جشع الباطرونا جعلها تحجم عن تنفيذ ما يتعلق بحقوق العمال، حيث لم يتم احترام الزيادة في الحد الأدنى للأجر ويتم العصف بالحريات النقابية وعدم توفير التسجيل في الضمان الاجتماعي للجميع وممارسة التسريحات والطرد التعسفي. ونظرا لأن ممارسات الباطرونا تعتبر مخالفة لمدونة الشغل فنجدها تبحث عن اضفاء صبغة الشرعية على ممارساتها لذلك نراها قد صاغت كتابا أبيضا على مقاسها وسلمته للحكومة لفرضه على النقابات.
وقد لاحظنا كيف أن الحكومة التي تعترف بأن قانون الشغل على علاته، لا يطبق إلا في 15% من مؤسسات القطاع الخاص التي يفوق عدد عمالها 50 أجيرا، وحيث أنها بدلا من أن تتخذ الإجراءات القانونية ضد المشغلين الذين لا يحترمون القانون، نجدها قد أصدرت ما يسمى بالمخطط الوطني للملائمة، الذي يدعو صراحة إلى تأجيل تطبيق قانون الشغل بأغلب المقاولات، ويثني مفتشي الشغل عن تحرير
محاضر المخالفات ضدا على مقتضيات مدونة الشغل نفسها.
كيف يمكن للدولة أن تلزم أصحاب هذه الشركات باحترام حقوق العمال والعاملات في الأحياء الصناعية، من ضمان اجتماعي، والحد الأدنى للأجر، والعمل في ظروف ملائمة، تحترم صحة وكرامة المواطن المغربي؟
فقط بالتطبيق الحرفي للقانون، والتوقف عن محاباة مصالح الباطرونا على حساب الأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة، والعمل على التصديق على النصوص الدولية المتعلقة بالحقوق الشغلية حيث أن المغرب لم يصادق لحد الآن سوى على 48 اتفاقية من ضمن185 اتفاقية شغل دولية صادرة عن منظمة العمل الدولية، فعلى الدولة أن تجتهد في ضمان حق الاستقرار في العمل بالنسبة لسائر الأجراء، فهناك حاليا عشرات الآلاف من العاملات والعمال المطرودين ضدا على الحق والقانون، وفي مقدمتهم ضحايا الاعتداء على الحريات النقابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق