الخميس، 17 أبريل 2008


في ظل غياب الإهتمام بهم
المجانين يجوبون الشوارع المغربية


انتشرت ظاهرة المختلين عقليا في الجسد المغربي، وأضحت الشوارع العامة مأوى للعديد من المرضى النفسيين، الذين قادتهم الظروف إلى فقدان عقلهم فأصبحو منبوذين اجتماعيا، وعناصر غير مرغوب فيهم بين الناس، نظرا لما قد يشكله عنفهم في بعض الأحيان من تهديد لأمن المواطنين الذين أصبحوا يتعايشون معهم، في سلام وطمأنينة تارة، و بحيطة وحذر تارة أخرى.
فلماذا لا تهتم الدولة بهذه الشريحة من خلال وضع خطة استراتيجية هدفها تخصيص مراكز لإيواء وعلاج هؤلاء المرضى ومعاهد لتكوين أطباء وممرضين مختصين في علاج الأمراض النفسية؟
الساعة تشير إلى الواحدة والنصف ظهرا، الشارع يعج بالناس وبالمتجولين الذي يأتون للتعرف على آخر صيحات الموضى من خلال المحلات التجارية المعروفة في شارع الأمير مولاي عبد الله. وبالضبط أمام مقهى لاشوب يترآى لك شخص، للوهلة الأولى تظن أنه إنسان طبيعي، مثله مثل جميع الناس، غير أنه بمجرد ما يبدأ بالحديث حتى تكتشف أنه يعيش في عالم آخر بعيد عن عالم العقلاء، فالمجانين الذين اعتادوا على المجيئ لهذا المكان، كل واحد منهم يتكلم بلغته الخاصة وبطريقته الخاصة، منهم العنيفين ومنهم المسالمين، فهذا المكان وكما يؤكد ذلك مرتادوا مقهى لاشوب، أصبح قبلة لمجانين المغرب، والمكان المفضل لهم لسرد حكاياتهم مع الزمن، فقد أضحى المكان ديوان مظالم المجانين بامتياز.
فظاهرة انتشار المجانين، في المدن المغربية أمرا يثير الجدل، ويطرح العديد من علامات الإستفهام حول الأسباب التي تجعل الإنسان يعيش حياة مختلفة عن حياة الناس المحيطين به، حياة لا يحكمها قانون العقل البشري، وغير خاضعة لقيود المجتمع وغير مبالية بأخلاقه وسلوكياته. إلا أننا اليوم أصبحنا نلمس كيف أن بعض الأشخاص في كامل قواهم العقلية يشترون الجنون واللاوعي بالمال، فاغلب ضحايا الأمراض النفسية اليوم، قد يكونوا في مقتبل العمر، يدمنون على تناول المخدرات، إلى درجة قد تؤثر على عقلهم النابض، فقد أصبح هذا السم المنتشر بين شبابنا ذكور وإناث، يعرض عقول الكثيرين للخراب، والإنتهاء في مصحات العلاج النفسي، فالإدمان على تناول المخدرات كالقنب الهندي والعقاقير والحقن الشديدة التأثير مثل الهروين والكوكايين، يعد كذلك من الأسباب الرئيسية فيما أصبح يعرف اليوم بالحمق الذي تصنعه وتتناوله الأيدي البشرية.

إشكالية الصحة النفسية في المغرب

إن المرض النفسي، مثله مثل باقي الأمراض الجسدية يحتاج بدوره، إلى وصفات طبية لمعالجته، ولتفادي ما قد ينجم عنه من أعراض مضاعفة، قد تحتاج في بداية المرض لأدوية بسيطة، تعطي أكلها في مدة زمنية قصيرة، ولكن نظرة المجتمع للمريض النفسي، تجعل من الصعب على الناس اللجوء إلى الأطباء النفسيين، خوفا من نعتهم بالمجانين، غير أن هذه النظرة وكما يؤكد على ذلك أطباء النفس تغيرت، بحيث أصبح الإقبال جد مهم على تلقي العلاجات النفسية.
لكن الإحصائيات الشبه الرسمية، تعكس الصورة تماما، فقد تبين أن نسبة المغاربة الذين يعانون الاكتئاب يصل إلى أزيد من 5 ملايين من بين 30 مليون مغربي، وهي نسبة ضخمة، وأن أغلبهم لا يتلقون أي علاج نفسي، في الوقت الذي لا يتعدى عدد الأطباء النفسانيين في البلاد 350 طبيبا، والذين يتقاسمون علاج المرضى مع الأضرحة و«الأولياء الصالحين» .
وسجلت مبيعات الأدوية المضادة للاكتئاب في المغرب أرقاما قياسية حيث تبلغ مليون وصفة طبية كل عام، وقد ارتفعت بأزيد من 50 في المائة خلال الست سنوات الأخيرة.
فالعلاج النفسي في المغرب مازال لم يرقى إلى درجة يصبح معها قادرا على مواجهة العدد المتزايد للمرضى النفسيين، مع العلم أن عدد المختلين عقليا هو في تزايد، في غياب أي مراكز لإيوائهم، ومستشفيات لمعالجتهم، في ظروف صحية مناسبة تساعدهم على التحسن وعلى التأقلم مع أوضاعهم الإجتماعية، دون أن ننسى قلة الأطر المختصة من أطباء وممرضين، وقلة التكوين في مجال الطب النفسي، خاصة المزمن منه. فقد أظهرت إحصائيات وزارة الصحة أن عدد الأسرة المخصصة لهؤلاء المرضى بالمغرب يبلغ نحو 1934 سريرًا، أي بمعدل 0.8 سرير لكل عشرة آلاف مواطن، وهو ما يبعد بكثير عن المعدل العالمي الذي يتحدد في 4.5 أسرّة لكل عشرة آلاف نسمة.
وتوضح الإحصائيات أن من بين 1943 سريرًا يتركز 1396 في سبعة أقاليم، في حين أن الأخرى لا تتوفر على أي بنية تحتية للمرضى النفسيين.
وفيما يتعلق بالأطباء، فإنه لا يوجد سوى 124 طبيبا نفسانيا من بين 6160 طبيبًا في وزارة الصحة، فيما لا يوجد سوى 76 مختصا في الأمراض النفسية بين 6795 طبيبا في القطاع الخاص.
أما إحصائيات المنظمة العالمية للصحة فتشير إلى أن 1% من مجمل سكان المملكة المغربية (300 ألف شخص) مصابون بمرض انفصام الشخصية، منهم ما بين 40 و50 ألف مريض في الدار البيضاء وحدها ليس لهم إلا 200 سرير فقط.
فالصحة النفسية في المغرب تعترضها، مجموعة من العوائق التي تحتاج إلى رؤية جديدة، تضع نصب أعينها، الزيادة في عدد المستشفيات المختصة في العلاج النفسي، والتي تراعي المعايير العالمية، وأيضا الزيادة في عدد المحترفين في هذا الميدان، القادرين على التعايش مع المرضى النفسيين، بشكل إنساني، يخرجهم من طابع الإنزواء والعيش بمفردهم في عالمهم المملوء بالتخيلات والتخوفات.
وأظهر استطلاع للرأي قامت به وزارة الصحة في عام 2003 بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية أن 48.9% من المستجوبين يشعرون بعرَض واحد على الأقل من عوارض فقر الصحة النفسية تراوحت بين المنغصات العصبية البسيطة و حالات الكآبة والقلق المرضي. ويضيف الاستطلاع أن 5.6% من الناس شعروا بالاضطراب النفسي في فترة من فترات حياتهم.

الجريمة والعقاب

ما يقوم به المجانين من فوضى بسبب الهستيريا التي قد تنتابهم بين الفينة والأخرى، خاصة إذا كانوا غيرخاضعين للمراقبة إما من طرف أطباء مختصين، أو من طرف الأهل والأقارب، يشكل في بعض الأحيان قنبلة موقوتة تهدد سلامة وأمن المواطنين.
فكثيرا ما نسمع على أن شخص راح ضحية مجنون ، ولا يقدر عواقب تصرفاته لأنه ببساطة، يعاني مرضا من الأمراض النفسية ، فنسبة كبيرة من ذوي الأمراض النفسية والعقلية وكذلك بعض الذين يعانون اضطربات شخصية يرتكبون جرائم قد تكون صغيرة وعادية لكن أحيانا يرتكبون جرائم كبيرة وبشعة ولا يستطيع أحد أن يتخيلها، بعضها يكون نتيجة المرض، خاصة أمراض الفصام التي قد يرتكب المريض خلالها أعمال عنف ضد أشخاص قد يكونون أقرب الناس إليه، كتلك الحادثة التي وقعت في حي من الأحياء الشعبية، راحت ضحيتها، فتاة في مقتبل عمرها ضربها مجنون على رأسها بآلة حادة، فسقطت قتيلة في الحال، والمجنون حكم عليه بالسجن، ليطلق سراحه فيما بعد، لا زال يعيش حياته في نفس الحي، ومع نفس الناس. قصص كثيرة حول مجانين يعترضون المارة في الشوارع العامة، و يشكلون خطرا على أمن المواطنين.
ولكن للأسف المرضى النفسيين الذين يقومون بجرائم خطيرة في المغرب، بعضهم يذهب إلى السجن والبعض الآخر إلى المستشفيات النفسية، في الوقت الذي يجب فيه على الدولة نظرا لحساسية الوضع عدم خلط الشخص المجنون مع الإنسان العادي، بمعنى أن تكون هناك مستشفيات خاصة بالمجانيين الذين ارتكبوا جرائم خطيرة، فهؤلاء المرضى يشكلون خطرا على المجتمع وخطرا على أنفسهم ويصعب أن يتم احتواؤهم في أقسام نفسية عادية بل هم في حاجة إلى مكان آمن ومحكم الحراسة وفي نفس الوقت يتلقون العلاج بانتظام وتحت المراقبة الطبية.


الدكتور التيال محمد هاشم: طبيب نفساني

المرض النفسي والعقلي هو مسألة واحدة ولكن الناس هم من صنعوا الفرق

ماهو الفرق بين المرض العقلي والمرض النفسي؟

الأمراض العقلية والنفسية هي مفهوم واحد، فالعقل والنفس يعتبران مسألة واحدة، ولكن المفهوم السائد عند عامة الناس هو أنهم يميزون بين الصعوبات التي تكون عند أقلية من الأشخاص، والتي تجعلهم يظهرون بمظهرمختلين عقليا، بمعنى آخر تربطهم علاقة غير طبيعية بالواقع، الأمر الذي يجعلهم يرون أشياء، ويتخيلون أشياء ليس لها وجود، وهو ما يعرف بالحمق.
فبالمفهوم العام الأمراض العقلية هي التي تشمل الحمق أو نوع من الحمق في تصرفات المريض النفسي، وبالنسبة للناس فالأمراض النفسية هي أخف من الأمراض العقلية، بحيث المصابين بالمرض النفسي يملكون القدرة على التكيف مع الواقع ومع المحيط الإجتماعي الذي يعيشون فيه، كما تجعلهم يمارسون
حياتهم بشكل عادي و طبيعي، فالفرق إذا هو من صنع الناس.

أنواع الأمراض النفسية؟

هناك أمراض كثيرة، ولكن المشهور منها، نجد العصاب، والذي يقصد به كل التخوفات التي قد تصيب الإنسان، وتجعله يشعر بخوف شديد لا تفسير له، فالمريض يعرف في قرارة نفسه بأن هذا الخوف الذي يحسه، هو غير طبيعي ولكن شاء أم أبى يرغم نفسه عليه، فلا يقوى المريض مثلا على صعود الأماكن المرتفعة، أو الدخول إلى الأماكن المظلمة، كل هذا تحت مظلة الخوف الذي هو في حقيقة الأمر مرض يستدعي استشارة طبيب مختص.
هناك أيضا مرض الوسواس القهري، وهو من أخطر الأمراض، وهو مرض نفسي أخطر من المرض العقلي، لأن المريض لا يمارس حياته بالشكل العادي والطبيعي، فهو مثلا يقوم بغسل يديه عدة مرات، لأنه يشك في نظافتها،أو يقوم بالتأكد من إغلاق الباب مرات عديدة لأنه يظن أن الباب مازال مفتوحا.
وهناك شكل آخر من الأمراض النفسية وهو الذي ينتج عن الضغوط النفسية التي تجعل الناس يشعرون بعدم الاطمئنان في أنفسهم، ويشعرون بخوف ليست له علاقة بأمر محدد، كأن يرن جرس الهاتف، أو أن يفتح الباب...إضافة إلى هذه الأمراض، هناك الأمراض النفسية الجسدية، كأن يشعر الشخص بألم في القلب، او المعدة أو ألم في الرأس، فالضغوط المتراكمة هي التي تجعل الإنسان مهووس بمرض ليس له وجود إلا في مخيلته، والدليل، أن عند ذهابه للطبيب، يخبره هذا الأخير بأن صحته جيدة جدا.
أما الأمراض العقلية والتي يصطلح عليها (شيزوفرينيا )، فهي عندما يصبح الإنسان يعيش في واقع غير واقعه الحقيقي، ويتوهم ويسمع ويشاهد أشياء ليس لها وجود إلا في عالمه الخاص الذي يعمل فيه العقل بدون قانون، ويفقد القدرة على التمييز، إضافة إلى أن المريض العقلي، في هذه الحالة يشعر بأن الكل
ضده، وبأنه منبوذ اجتماعيا.

ماهي أسباب المرض النفسي ووسائل علاجه؟

في غالب الأحيان، ليست لنا دراية نهائيا بالأسباب التي قد تؤدي بالشخص إلى المرض النفسي او العقلي، فقد تكون راجعة بالأساس إلى مرحلة الطفولة، كأن يعيش الطفل في وسط غي ملائم لا ينمي شخصيته بالشكل المطلوب، مما يجعله يصاب بأزمة نفسية فيما بعد.
فتراكم الأسباب التي قد يقطعها الإنسان خلال مراحل حياته، قد تؤدي إلى نتائج نفسية تحتاج إلى علاج. هذا الأخير جل الناس يجهلون قيمته، أو يعتقدون أنهم بمجرد لجوئهم لطبيب نفساني قد ينعثون بالجنون، فهذه نظرة خاطئة يجب أن تصحح.
فالعلاج النفسي متوفر، وبأثمان مناسبة، وثمن الأدوية في المتناول، ويختلف بحسب جيب المواطن، ف75 إلى 80 بالمائة، من الناس تتم معالجتهم في ظرف ستة أشهر ويقلعون عن تناول الدواء نهائيا.

بماذا تفسركثرة المختلين عقليا، الذين أصبحوا يجوبون الشوارع العمومية ليل نهار، في غياب مراكز ومستشفيات لإيوائهم؟

نلاحظ أن هناك عجز من قبل الدولة والمسؤولين، لإعطاء الفرصة للمستشفيات، هناك مجهود في الآونة الآخيرة، ولكن الوسائل غير كافية، فمستشفيات الإيواء قليلة، والعديد من المرضى لا نجد لهم أسرة وأفرشة كافية في المستشفيات، فالطاقة الإستيعابية تبقى غير كافية تاتا.
أيضا ليست لدينا مستشفيات متخصصة في معالجة المرضى العقليين، وطاقم طبي متخصص في هذا المجال، صحيح أن هناك أطباء وممرضين أكفاء يسهرون على رعاية هؤلاء المرضى ولكن يبقى ذلك غير كافي بالنظر إلى أعداد المرضى التي تتقاطر على المستشفيات العمومية، فضعف الوسائل والإمكانيات يجعل من الصعب على هذه المستشفيات تحمل هذا العبء، إذ لابد من تضافر جهود الدولة ومساعدة الجمعيات لأن بالفعل هناك نقص كبير في مجال الصحة النفسية في المغرب.
فالمغرب مثله مثل باقي دول العالم فيما يخص عدد المرضى، ولكن إذا قمنا بمقارنة حجم العناية بالمرضى النفسيين في المغرب وأوروبا مثلا، فالفرق كبير جدا، إضافة إلى عامل آخر مهم يجب أخده بعين الإعتبار وهو التعامل مع هؤلاء المرضى بشكل إنساني، يحترم أدميتهم، مع توفير كل فرص الإدماج لهم في المجتمع حتى يمارسوا حياتهم في حالة العلاج بشكلها الطبيعي.

ليست هناك تعليقات: