الاثنين، 7 أبريل 2008

الحرب العالمية الثالثة ضد الإسلام

فيلم فتنة للمتطرف الهولندي فيلدرز لم يفتن إلا صاحبه

إن سب و شتم الدين أصبح من ملامح العصر الذي نعيشه، فبعد فيلم الخضوع لمخرجه الهولندي ثيوفان غوخ وبعد الآيات الشيطانية لسلمان رشدي ، ثم الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، التي نشرتها جريدة يولاند بوسطن الدانماركية، والتي تناقلتها مجموعة من الصحف الدولية باسم حرية التعبير، ضاربة عرض الحائط القيم التي تحث على احترام الديانات، أتى دور الفيلم المسئ للقرآن الكريم " فتنة" الذي أنتجه البرلماني الهولندي اليميني المتطرف غيرت فيلدرز، والذي بثه الموقع الإلكتروني، ( لايف ليك) ليعيد طرح السؤال، لماذا يسعى بعض المتطرفين في الغرب في الآونة الأخيرة إلى ترسيخ فكرة حق الإساءة إلى الأديان، وبالأخص الدين الإسلامي؟ لماذا أصبح شتم الإسلام ورموزه وجبة شهية لأصحاب النفوس السيئة؟ من وراء هذه الهجمة الخبيثة التي تمس الإسلام والمسلمين؟ أين هي أصوات الشعوب الإسلامية التي ملت من تكرار الشعارات والخروج للتنديد بالتطاول على حرمة الإسلام؟

فتنة فيلم لم تقع

إذا كان مخرج فيلم " فتنة" قد قصد بفيلمه أن يخلق فتنة دينية في هولندا على وجه الخصوص أبطالها المسلمون المتطرفون، فإنه وقع في خلط شديد يدل على أنه لا يعرف عن الدين الإسلامي إلا القشور، التي صورها من خلال زمرة من المتطرفين الذين أدرجهم في فيلمه وهم لا يمثون للإسلام بصلة. فغيرت فيلدرز زعيم الحرية المعادي للهجرة، واليميني المتطرف في البرلمان الهولندي، عمل من خلال فيلمه الذي لا هو فيلم وثائقي ولا فيلم سينمائي، بل مجرد تركيب لصور غايتها هي التهكم على الإسلام من خلال اعادة بث الرسم الكاريكاتوري المسيئ للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وقطع ورقة من القرآن الكريم،على تكرارفكرة لا طال ما رددها المعادون للإسلام وهي ربط الإسلام بالإرهاب، من خلال إعادة سيناريوا أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأحداث مدريد، رابطا إياها بآيات من سورة الأنفال، مدرجا بعض المشاهد فحواها أن المسلمون لا يطيقون اليهود وبأن الدين الإسلامي قد دعا إلى محاربتهم، معبرا من خلال فيلمه على خوفه الشديد من التهديد الذي يشكله انتشار الإسلام في هولندا.
والغريب في الأمر أن فيلدرز رغم إدراجه لسلسلة من مشاهد الإعدامات التي تحدث في بعض الدول الإسلامية باسم الإسلام، والتي بنظره مخالفة لحقوق الإنسان، لم يدرج المشهد الدرامي لصدام حسين، وهو يعدم أمام ملايين الناس وفي عيد الأضحى المبارك، ولكن هذه المرة باسم الإرهاب، وهنا يطرح السؤال ألا يعني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها راعية للحرب على ما تسميه إرهاب، لها يد فيما أصبح يعرف بالحرب الصليبية ، والتي كان الرئيس بوش قد نادى بها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟ والتي تعد مثل هذه الإعتداءات على الإسلام منظوية تحتها. ألم يخطر ببال مخرج الفيلم أن الإرهاب الحقيقي ليس هو إقامة الحدود التي ذكرها الله في القرآن الكريم، على من يستحق العقاب، ولكن الإرهاب هو قتل الأبرياء باسم محاربة الإرهاب؟.

الخوف من انتشار الإسلام

فجرت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من سنة 2001 موجة الهجوم الغربى على الإسلام بحيث أصبح الساسة الكبار هم المتصدرون لعملية الإساءة لهذا الدين الحنيف بشكل غير مسبوق على الإطلاق ، فبالإضافة إلى عبارة" الحرب الصليبية " التى جاءت على لسان الرئيس الأمريكي بوش ، خرج مجموعة من رجال السياسة وكذا رجال الدين،إضافة إلى العديد من الفنانين لمهاجمة الإسلام وتصوير المسلمين على أنهم إرهابيون ، هذه الكراهية ازدادت بدعم إعلامي غربي بعد أحداث مدريد.
فالعالم الغربي كما يحلله المؤرخون والمفكرون الغربيون خائف من اتساع رقعة الإسلام والمسلمين، وهي حقيقة، لم تغب على فيلم فيلدرز،الذي ذكر بالأرقام عدد المسلمين في هولندا، والذي يشكل بنظره خطرا حقيقيا على جميع الدول الأوروبية، وهذا الخوف تجلى كذلك في كتاب المؤرخ الإنجليزي ارنولد توينبي، الذي حاول من خلاله أن يمنهج لعوامل القوة والعظمة والإنحطاط والتراجع في الحضارات الكبرى، واختص من بينها في الحضارة الغربية التي توقع لها الموت أو على الأقل مستقبل قاتم.
كذلك لا ننسى ذكر القنوات التي تعادي الإسلام، وتسيء إلى نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام، في أوروبا كقناة الحياة الناطقة باللغة العربية، وقناة "سي إن إن" الأمريكية، هذا التعاون الإعلامي على حظر الإسلام والتبشير بالمسيحية كنموذج معتدل للدين يدخل في إطار الصراع بين الديانات، والذي حاول جل الإساتذة والمراقبين تجنبه والمناداة بالحوار بين الأديان، فالتيارات الدينية المتعصبة في أمريكا وأوربا، وهي قليلة العدد، ولكنها مؤثرة للغاية، تهدف تحديداً إلى تجريم الإسلام، وتبرير الإساءة إليه تحت مبررات الحرب على الإرهاب، والدعوة إلى المسيحية في مواجهة الإسلام ، وتنقية أوربا والغرب من الخطر الإسلامي. وقد ظهرت العديد من الدعوات الدينية في أوربا مؤخراً حول ذلك. ومن بينها جماعة أطلقت على نفسها اسم "الرب يريد المحبة"، ومكتوب على صفحة الموقع الخاص بهذه الجماعة، والتي دعت في ربيع 2007 بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد الثمانين للبابا بندكتوس السادس عشر: "لقد حان الوقت أن نتحرك لحماية الغرب وكل المهددين من الإسلام المتطرف... إننا يجب أن نحاول إعادة تنصير البلد الأصلي والتبشير بين المسلمين بحذر، حيث ينبغي علينا محاولة إبعادهم عن تمسكهم بـ"النبي" بطريقة لطيفة، والواضح أن مثل هذه التيارات تنذر بخطر جسيم يتهدد المسلمين في الديار الغربية، ففي إيطاليا مثلا، إرتد صحفي مصري عن الإسلام، واعتنق المسيحية بمباركة من البابا بندكتوس السادس عشر في قداس بييترو بالفاتيكان ليصبح بذلك مسيحيا كاثوليكيا، وقد قوبل هذا الفعل بموجة استنكار من قبل الجالية الإسلامية بإيطاليا، وبحسب ما نشرته إحدى الصحف الوطنية فإن الصحفي المصري مجدي علام، عرف بمهاجمته للإسلام وللمسلمين. والمفارقة الغريبة أن البابا بندكتوس قام بتنصير المصري على الملأ، ولم يكلف نفسه عناء التنديد بهذه الإساءة التي تعرض لها المسلمون في هولندا بعد بث فيلم "فتنة".

موجة استنكار واسعة

إذا كانت الإساءة إلى الإسلام والى المسلمين هي الشغل الشاغل لبعض المتطرفين الغربيين، والتي للأسف تحظى بدعم إعلامي منقطع النظير، لدرجة انه كل من أراد الشهرة ليس عليه إلا القيام بعمل إما يشتم فيه الإسلام أو يستهزئ بأحد رموزه فتسلط عليه الأضواء، وتتهافت عليه وسائل الإعلام،
فبعرض فيلم فتنة دخل فيلدرز تاريخ الإساءات من بابه الواسع، لأنه هذه المرة اعتدى على القرآن الكريم. فعرض الفيلم في هولندا لم يخلف أي موجة من الإحتقان الشعبي عند المسلمين، لأن بنظرهم الفيلم لا يستحق كل هذه الضجة، لأنه تافه في الفحوى وتافه في المعنى، وصاحبه يميني متطرف معروف بمعاداته للإسلام، ولكن في كلتا الحالات، سماح الحكومة الهولندية بعرضه يبقى مثار جدل.
أما اشتراكيو أوروبا فقد أعربوا عن أسفهم الشديد لبث فيلم فتنة، ففي بيان صدر بهذا الشأن، قالوا بأن بث مثل هذا الفيلم " يشكل جزءاً من حملة منظمة ممنهجة تهدف إلى الحط من قيمة المسلمين لتعزيز موقع اليمين المتطرف"، كما أجمعوا على أن هذا الفيلم يقدم صورة " مشوهة" للحقيقة، حيث أنه يعمل على تصوير كل المسلمين على أنهم " إرهابيون محتملون". وأكدوا في بيانهم الذي أوردته الزميلة " إيلاف" بأنهم يشجعون نقاشاً مفتوحاً وفاعلاً بين أتباع الديانات، " نريده حواراً مسؤولاً بين الأصولية والقيم الديمقراطية من أجل إقامة الروابط بين كافة مكونات المجتمع". إضافة إلى أنهم اعتبروا بأن بث هذا الفيلم، الموجه ضد القرآن، يعتبر " أسوأ وسيلة حوار، كما أنه لا يساعد على تطوير العلاقات مع الطوائف الإسلامية" .
ومن جهة ثانية أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون و الإتحاد الأوروبي والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونسكو) كويشير ماتسور عن رفضهم لمضمون الفيلم الذي يخلط بين الإسلام والعنف.
وعلى الصعيد العربي، قال وزير الإعلام المغربي خالد ناصري " إن هناك تخلف ثقافي لدى فيلدرز، وأضاف أن الإسلام ديانة أكثر من مليار شخص في القارات الخمس.." نفس الشئ قاله وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بأن الفيلم" يمثل إساءة وإهانة لدين يعتنقه أكثر من مليار من المسلمين في شتى أنحاء العالم".أما الشيخ القرضاوي فقد وصف ما جاء في الفيلم بأنه كذب وافتراء ولا يقوله إلا جاهل،أو معاند. وفي الأردن طالب نواب بطرد سفير هولندا وقطع العلاقات الدبلوماسية معها، نفس الأمر قامت به إيران التي استدعت سفيرها وحثت على إعادة النظر في العلاقات الإقتصادية والدبلوماسية مع هولندا والدنمارك. أما في باكستان فقد عززت السفارة الهولندية الحراسة الأمنية على موظفيها ومصالحها خوفا من التعرض لهجوم بعد بث الفيلم، كما نددت أندونيسيا وماليزيا وسلوفينيا وغيرها من البلدان بعرض الفيلم الذي يحمل سمة العنصرية هدفها إهانة الإسلام، و قد تترتب عن عرض فيلم " فتنة" مقاطعة للبضائع الهولندية، وهذا ما تنبأت إليه بعض الشركات الهولندية التي هددت بمقاضاة النائب المتعصب فيلدرز إذا ما تسبب فيلمه، المستفز لمشاعر المسلمين في مقاطعة المنتوجات الهولندية في العالمين العربي والإسلامي، لأن هذه المقاطعة ستكبد الشركات خسائر مادية ضخمة. ومن خلال هذا البيان يتضح أن هولندا كالدنمارك ككل الدول الغربية الرأسمالية لا يهمها سوا الربح المادي فهي لم تنشر بيانا تشجب فيه على المس بالمقدسات الدينية أو أن هولندا بلد التسامح والتعايش، بل ما يهمها أولا الأرباح التي تلتهمها من الدول الإسلامية.
فالعلاقة بين الإسلام و الغرب مسألة متأثرة إلى حد كبير بطبيعة التصورات و الموروثات الثقافية، كما أنها تتشكل في نفس الوقت حسب طبيعة الدور الذى تمارسه الأسلحة الإعلامية التي تعتبر في هذا المنحى سلاح ذو حدين، والذي يتأثر بمصالح القوى السياسية و الإقتصادية والإيديولوجيات الثقافية و فى هذا الإطار تأتي مسألة الإساءة للإسلام و رموزه من قبل سياسيين و مثقفين غربيين أو حتى عرب كأحد تجليات هذه الإشكالية ذات الجذور التاريخية أو ما يصطلح عليه بصراع الحضارات. وفي ظل غياب رؤية إعلامية عربية إسلامية لمواجهة هذا الصراع فإن الدين الإسلامي سيبقى المس به وسيلة من وسائل النيل من قيمنا وعقائدنا وهويتنا التي يصعب على أي إنسان أن يجعلها وسيلة لتمرير خطابات تخدم مصالح قوى كبرى ترتعش من انتشار الإسلام.
واذا كان المسلمون لا يملكون لوبيات فاعلة تجرم الإقتراب من الدين الإسلامي كما فعل اليهود الذين إذا شكك أحد في محرقتهم أو تطاول أحد على ديانتهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها،فإن المسلمون يكتون بنارهذه الموجة من العداء لدينهم ولكن في صمت وهم شاهدون على ما تقترفه الآلة الإسرائيلية في فلسطين، من جرائم وإرهاب للدولة كان آخرها المحرقة التي تعرضت لها غزة، والتي استشهد فيها 120 شخص أغلبهم أطفال،فأين فيلدرزمن هذا؟ ولماذا لم يدرج إسرائيل كنموذج للدولة التي يعشش فيها الإرهاب منذ زمن، لماذا اقتصر فقط على المسلمين المتطرفين؟ ألا يعني هذا أن هناك تحامل واضح على الإسلام مدعوم من قبل أيادي خفية لها أغراض استراتيجية من خلال ضربها لدين المسلمين؟

كيف السبيل إلى الخلاص

إنه ليس مطلوبا في حالة إذا قام أحد من الجاهلين بالإعتداء على حرمة الإسلام الانفعال والغضب اللحظي، الذي تهدأ ناره بعد مدة قصيرة، وإنما المطلوب تعبئة شاملة تتبناها المؤسسات الفاعلة في الدولة، للتخطيط لمحاربة هذه الإساءات عبر فتح ابواب الحوار المدعومة من طرف وسائل الإعلام التي تتحمل المسؤولية الكبرى لأن بعضها باسم حرية التعبير وحرية الصحافة تنتهك حرمة الديانات السماوية التي حث الإسلام على احترامها، فوسائل الإعلام التي تحترم أخلاقيات المهنة يجب عليها أن تعلم بأن الإساءة إلى الدين الإسلامي هي فعل عنصري وغير حضاري، وبأنها عندما تسيئ إليه نكون قد أسأت إلى سدس سكان العالم من المسلمين.
وبتالي مطلوب من الدول الإسلامية الدخول في إنتاج أفلام سينمائية وبرامج ضخمة ومتواصلة، تطرح صورة الإسلام على حقيقته، وتوسع الاستيعاب الغربي لمفاهيم الإسلام الصحيح بعيداً عن شبح "القاعدة". وكما هو واضح، فإن موجة الإساءة الغربية إلى الإسلام، لن تتوقف عند الرسوم المسيئة إلى الرسول، أو عند القراءات التشويهية للقرآن الكريم، وإنما هي تأخذ شكل صراع حضاري والديني، وهذا يستدعي كل أشكال الرد الحضارية والثقافية والفكرية، للتقريب بين الثقافات في العالم حينها يكون العرب والمسلمون قد دخلوا الطريق المفترض للرد على كل ما يسيء إليهم وإلى دينهم.
وعليه فإن أفضل سلوك حضاري يرقى بمكانة هذا الدين العظيم، هو الإحتواء السياسي والإعلامي بمعنى آخر الدفاع عن الإسلام بكل الوسائل السياسية والإقتصادية والدبلوماسية، بهدف توضيح الصورة الحقيقية لمكانة الإسلام ونبي الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام عند المسلمين، فقد بات من الضروري أن يواجه ذلك التشويه للإسلام ورموزه بخلق حملة إعلامية عالمية مضادة لتوضيح الصورة المغلوطة عنه، دون السقوط في التصرفات الغير أخلاقية التي تعتدي على الأديان ورموزها الدينية.

ليست هناك تعليقات: