الثلاثاء، 18 سبتمبر 2007


إنعاكاسات ظاهرة غلاء الأسعار على جيوب المغاربة

الزيادات الجديدة في أسعار المواد الغدائية الأساسية تثير حفيظة المستهلكين


خلفت موجة الغلاء التي اجتاحت الأسواق المغربية، ونقصد الزيادة التي عرفتها بعض أسعار المواد الغدائية، ونخص بالذكر الدقيق، الخبز، الزيت، الزبدة، والبقية تأتي... موجة من الإستياء عند عامة أصحاب الدخل المحدود الذين لم يتقبلوا بتاتا، ضرب قدرتهم الشرائية التي تصادف شهر رمضان الكريم.

شعور صعب يخالج السواد الأعظم من المواطنين المغاربة، في ظل الزيادات الخطيرة التي تعرفها أسعار المواد الغدائية، زيادات ارتفعت حدتها مع تزامن الدخول المدرسي لهذا العام مع حلول شهر رمضان الأبرك. مناسبتان لا ينكر أحد أنهما تعرفان إرتفاعا ملحوظا من حيث معدل الإستهلاك، الشيء الذي أثر سلبيا على نفسية المستهلك الذي أصبح يشعر بأن قدرته الشرائية في مهب الريح، مادام أنه ليس هناك قانون يحميه ويدافع عن حقوقه المشروعة والعادلة تجاه هذه الزيادات الملتهبة، والتي لا تتلاءم مع قدرته الشرائية، اللهم بعض الجمعيات والتنسيقيات، كتنسيقية مناهضة إرتفاع الأسعار وجمعية حماية المستهلك، غير أن دور هذه الجمعيات يبقى مقتصرا فقط على النضال محليا، عبر الإحتجاجات والشعارات والمسيرات الشعبية التي توعي المواطنين بمخاطر الغلاء، ولكن لا يكون له جدوى في التخفيض من حدة هذه الأسعار ولا للرفع من نسبة الأجور لتحقيق الموازنة التي يطمح إليها هؤلاء. فدور هذه الجمعيات لم يفعل بعد ولم تمنح لها القوة التي تجعلها قادرة على حماية المستهلك المغربي من الأضرار التي يتعرض لها جراء هذه الزيادات المتقلبة في أسعار المواد الغدائية.
إننا نجد اليوم أن الحكومة نقضت العهد بعد إستحقاف السابع شتنبر، بحيث أدى الارتفاع المفاجئ في ثمن الخبز بزيادة قدرها 10 سنتيمات ، وزيادة 50سنتيما في سعر الدقيق، الذي انتقل من 3,5 إلى 4دراهم في أقل من شهرين، إلى إثارة جملة من التساؤلات، من بينها ماذا تقصده الحكومة من هذا الإجراء؟ وهل هو تهرب من المسؤولية؟ فهي التي وعدت بوقف أي زيادة في ثمن المواد الإستهلاكية الأساسية، وفي طليعتها مادة الدقيق، نجدها الآن تترك الأمر بين شد وجدب، أطرافه المستهلك المغربي الذي لا حول له ولا قوة ، وأرباب المخابز والحلويات الذين سيدفعون ثمن الخسارة من جيوبهم ، هذا ما أكده صلاح جمالي عضو المكتب التنفيدي للنقابة الوطنية المتحدة لأرباب معامل الخبز والحلويات بالمغرب ، حيث قال في تصريح خص به أسبوعية "المستقل "، أن هذه الزيادة التي عرفتها أسعار الخبز والدقيق ، لا يقبلها العقل ولا المنطق ، فالقضية خطيرة للغاية ، بحيث أن زيادة 10 سنتيمات في سعر الخبز و50 سنتيم في ثمن الدقيق ، هو ليس في مصلحتنا كمخابز ، ذلك أن المخابز تتحمل الآن خسارة قدرها 5000 درهم إلى 1000 درهم في اليوم ، خسارة يمكن تحملها لشهر أو شهرين أما بعد ذلك فلا أحد يضمن العواقب ، كما أريد أن أشير بأن هذه الزيادات لم تشمل الخبز والدقيق فقط ، بل حتى المواد الأساسية الأخرى عرفت إرتفاعا في ثمنها ، كالزبدة ، التي إنتقل ثمنها من 32 درهم إلى 56 درهم ، وهي مادة أساسية في رمضان ، كذلك الزيت ، والسكر ، والحليب المجفف. وأكد جمالي أن الحكومة المغربية يجب عليها أن تتحمل مسؤولية ما حصل ، بحيث أن قانون المنافسة والأسعار الذي صادق عليه البرلمان ، يحث الحكومة على التدخل في هذه الأزمة ، هذه الحكومة الذي سبق ـ يضيف السيد جمالي ـ أنها صرحت بأنه لن تكون هناك أي زيادة في أسعار المواد الغدائية ، هي اليوم تأتي وتخلف بوعدها..

فعلا لقد مرت بلادنا بموجة جفاف كانت نتائجها عويصة على الإقتصاد المغربي ، الذي إرتفعت نسبة إستيراده من القمح خلال السنوات الأخيرة ، ونحن نعلم ماذا تعني هذه المادة بالنسبة للمغاربة ، وبما أن المغرب لا يعيش بعيدا عن المتغيرات العالمية ، فإنه من الطبيعي أن يتأثر بالارتفاع المفاجئ في أسعار القمح في السوق العالمية ، غير أن هذا ليس مبررا كافيا ، لهذه الزيادة في أسعار الخبز والدقيق..
وكما جرت العادة ومع بداية العد التنازلي لحلول شهر رمضان ، تشتعل مختلف أسواق المملكة ، بحيث يستعد المغاربة في هذه الأجواء إلى إستقبال هذا الشهر العظيم ، غير أن اللافت هذا العام ، هو أن هذا الإستعداد يواكبه الدخول المدرسي ، ونحن نتحدث عن إرتفاع الأسعار ، فالمواطن المغربي هذه الأيام يعيش بين نارين نار شراء الكتب والمستلزمات الدراسة لأبنائه ونار إقتناء حاجيات ومتطلبات الشهر الفضيل ، من ثمور ، وفواكه جافة ، التي يكثر عليها الإقبال ،لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ، فالطبقة الكادحة من المجتمع لا تقوى على مواجهة غلاء الأسعار ، فهي تعاني في صمت ولا تجد من يقدم لها المساعدة ولو بالخفض قليلا من أسعار السلع والمواد الغدائية.
وفي هذا الإطار يقول عبد السلام أديب ، المحلل الاقتصادي، أن الغلاء الذي يشهده المغرب حاليا والذي بدأ يتفاحش منذ أكثر من سنة ونصف خصوصا مع التعديلات الضريبية الواردة في القانون المالي لسنة 2006، والذي بلغ اليوم حوالي 5 % على أدنى تقدير، يفضح السياسات الاقتصادية والاجتماعية ، كما يشكل محور الأزمات التي تعيشها الطبقة العاملة وعموم الكادحين من تدهور القدرة الشرائية وتفاقم حدة البطالة، وتدهور الأوضاع الاجتماعيةـ وانتشار السرقة والدعارة والرشوة وكافة مظاهر الخداع والغش الضريبي ونهب المال العام...، كما تشكل من جهة أخرى نافذة على تفاقم المديونيتين الداخلية والخارجية، وعجز التوازنات الداخلية والخارجية بالإضافة إلى تفشي حالة الكساد...
إن الزيادات الصاروخية التي تحدث في أسعار المواد الغذائية تؤدي إلى تأثيرات ذات نتائج عكسية على كمية ونوعية المواد التي تستهلكها الأسر الفقيرة، خاصة وأن ما يزيد عن ثلثي قيمة الإنفاق العائلي لدى شرائح الدخل المنخفضة يذهب لشراء المواد الغذائية ، ومعلوم أن مستوى الاستهلاك الأسرى في بلادنا قد عرف انحدارا فضيعا خلال السنتين الأخيرتين نتيجة موجات الغلاء المتلاحقة الشيء الذي يؤثر سلبيا على مستوى الطلب الداخلي وبالتالي على مستوى الناتج الداخلي الإجمالي.

ويظهر أن أكثر المجموعات معاناة من الفقر نتيجة موجات الغلاء هم النساء والأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة تتمثل في سوء التغذية والتعرض للأمراض وقلة الفرص المتاحة أمامهم للتعلم واضطرارهم للعمل في سن مبكرة. فالأمية لا زالت تراوح مكانها بحيث تشمل ما يقارب من نصف المغاربة، وهو ما يشكل عائقا كبيرا أمام ارتقاء أوضاع المغاربة. كما تتضاءل نسبة التمدرس ومواصلته.

ويحدث الغلاء تأثيره على ساكنة بؤر الفقر في ضواحي المدن وخصوص المدن الداخلية وعلى سكان الدواوير والقرى المحيطة بها. كما أن للغلاء وقع شديد على سكان البوادي من الفلاحين الفقراء الذين لا يملكون أية بقع أرضية، أو من يملكون بقع زراعية صغيرة وأيضا على العمال الزراعيين.

فالغلاء يزيد من معاناة الوسط القروي الذي يأوي حوالي 75 % من الفلاحين الفقراء على المستوى الوطني والذي يعاني من تراكم كبير في التخلف مقارنة بالوسط الحضري نتيجة التهميش الذي لا زال يعاني منه، خصوصا على مستوى موارد الميزانية العامة.

أما في المدن فيؤثر الغلاء على القوة الشرائية لمداخيل عمال الصناعة والخدمات وشرائح واسعة من موظفي الإدارات العمومية ، كما يؤثر على بعض من يعملون لحساب أنفسهم في القطاعات الهامشية، وعلى الخصوص على العمال غير المهرة. كما يؤثر الغلاء على شرائح عريضة من الفقراء والأرامل والمسنين والمرضى والمعوقين ومن يعيشون على الإعانات والتحويلات ورواتب التقاعد والإعانات الاجتماعية المنخفضة.
لهذا يفترض أن تبادر الحكومة إلى إقرار زيادة في الأجور ، وفق ما يحافظ على التوازنات بحيث يرى العديد من المتتبعين ، بأن الإصرار على الإستمرار في ضرب القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من المواطنين ، سوف يشكل حافزا قويا للإحتقان الإجتماعي ، الذي قد يؤدي إلى خروج فئات واسعة من الشعب المغربي للتظاهر ، إحتجاجا على هذه الزيادات ، التي قوبلت بإستياء عامة المواطنين

ليست هناك تعليقات: