الجمعة، 28 ديسمبر 2007


هل المغاربة يقلدون؟ أم هم واعون بما يفعلون؟ أم هم جاهلون؟

الهجرة العمياء إلى احتفالات أعياد الميلاد


يقبل بعض المغاربة خلال نهاية السنة الميلادية على الاحتفال بما يسمى بـ"رأس العام" شأنهم في ذلك شأن العديد من الدول الغربية والعربية، فتستعد محلات بيع الحلويات لاستقبال الزبائن بعد أن زينت واجهاتها بالألوان، وبأروع حلويات أعياد الميلاد.
محلات الألعاب والهدايا ومتاجر الألبسة والأواني المنزلية…، و صناع الحلويات في أوج نشاطهم لتصنيع "شجرة الأرز" (كعكة خاصة بهذه الاحتفالات) التي يفتخر الكثير بشرائها وحملها ليتباه بها أمام الناس.. كل هذا استعدادا ل"رأس العام "، فعند بعض الأسر المغربية أصبح الأمرعادة تعارفوا عليها منذ الوجود الإستعماري الفرنسي بالمغرب، وهذه العادة لم تقطع بل تم الترويج لها بكل الوسائل حتى أصبحت عادية وجل المغاربة يألفونها، لكن الخارج عن المألوف هو كيف أن أغلبية المغاربة لا يحتفلون برأس السنة الهجرية، ولكن يمجدون للرأس السنة الميلادية؟ لماذا يشاركون المسيحيين عيدهم في حين لا أحد منهم يشاركنا أعيادنا؟
شهادات حية
للخوض في غمار هذا الموضوع، التقت" المستقل" بعض الناس، من أجل معرفة رأيهم، البعض اعتبر بأن الاحتفال برأس السنة لا يعدوا أن يكون مجرد عادة، فيما رأى البعض الآخر أن الإحتفال بهذا اليوم حرام شرعا، ولاينبغي للمغاربة المسلمين الإحتفال به.
فبالنسبة لكثير من المغاربة الذين تعودوا على الإحتفال بهذا اليوم فالأمر جد عادي، فهناك من يحتفل وهو واعي بأن هذا الاحتفال هو تقليد أعمى لمظاهر حضارة سمعنا عنها، وهناك من يحتفل بدون وعي فالمهم عنده هو كلمة احتفال، وأكل الحلوة والكعك، والنشاط مع الرفقة والأصدقاء.
تقول إحدى الموظفات بمدينة الدار البيضاء،" اعتدت على الإحتفال بهذا اليوم كوسيلة للترفيه عن النفس، والإلتقاء بالعائلة ، لا أقل ولا أكثر، أما فيما يخص الحلوة فكنت أشتريها إرضاءا لأبنائي.".
إذا كان البعض يحبد الإحتفال بنهاية السنة الميلادية ولا يجد حرجا في ذلك فإن البعض الآخر يرفض تماما فكرة الاعتراف بهذا اليوم ويعتبر الإحتفال برأس السنة حرام وتشبه بالمسيحيين، يقول عثمان طالب، أستغرب كثيرا كيف للمغاربة أن يولون الإهتمام لرأس السنة الميلادية ولا يعرفون تاريخ اليوم بالسنة الهجرية".
فالشريحة الكبرى من المجتمع ترفض الإحتفال بهذا اليوم جملة وتفصيلا، ولكن المفارقة الغريبة أن البعض عندما تسأله هل يحتفل برأس السنة يقول لك لا، ولكن عند حلول الأجل تجده أول الواقفين في طوابير الإنتظار أمام محلات بيع الحلويات، التي يصبح الإقبال عليها كبيرا خلال هذا اليوم بالضبط.

أجواء ساخنة

إن ما تعود عليه جل المغاربة ليس الإحتفال بعيد المسيح، وإنما الاحتفال برأس السنة الميلادية، أي يوم 31 ديسمبر، من كل عام، والتحول من آخر ليلة في السنة الماضية، إلى أول لحظة في العام الجديد، بحيث تطفأ الأنوار، وتسخن الأجواء بهجة وسرورا بحلول العام الجديد، وهناك من يستغل الفرصة للإرتكاب الموبقات، بحيث في المغرب تستهلك كمية كبيرة من الكحول، وتفتح البارات أبوابها للعاشقين للسهر في أجواء نهاية السنة الماضية بأحزانها وأفراحها، وينشط الرقص، وتفتح الزجاجات بكافة أنواعها وألوانها وكلما ازداد التغريب في المجتمع، والتقليد لعادات الغرب خارجه زاد الاحتفال، فقد أصبح عيد رأس السنة الميلادية هو عيد الجميع، ومن يقول عكس ذلك يصنف ضمن خانة "المتخلفين أعداء التحضر والتقدم"، وتشجيعا لهذه الأجواء الساخنة تجتهد المحلات التجارية بكافة أنواعها في استقطاب الزبائن، مقدمة لهم عروض مغرية لشراء الهدايا، محلات زينت واجهاتها بشرائط متنوعة ومصابيح ملونة كتبت عليها عبارات، " عام سعيد"، تخفيضات في الأسعار توديعا للعام الماضي واستقبالا للعام الجديد، وتتراوح قيم التخفيضات من محل إلى آخر بين 20 بالمائة و30 بالمائة تقليدا للدول الغربية التي تعمد على فعل ذلك مراعاة منها لقدرات الفقراء والمعوزين، أما في المغرب فالكل يسعى للربح الوفير وضرب القدرة الشرائية للمواطن المغربي المقهور، الذي قد خرج للتو من أزمة شراء كبش العيد، فاصطدم بعيد لا ينم لنا بصلة، ويكلف بدوره جيب المواطن مصاريف هو في غنى عنها، بحيث يتراوح ثمن حلوة عيد الميلاد بين 150 درهم و200درهم.

اختلاف آراء المختصين

اختلفت آراء المختصين حول ظاهرة الاحتفال برأس السنة حيث استنكرها علماء الدين وهوّن منها المختصون الاجتماعيون باعتبارها لا تدخل في إطار البعد الديني وإنما وسيلة للترفيه واللهو خاصة بالنسبة للأطفال والشباب لما يميز أعيادنا الدينية من جدية. ويعتبر مختصو علم الاجتماع أن الظاهرة باتت تنتشر في المدن ووسط الفئات الوسطى المتعلمة أكثر منها بالمناطق الداخلية إلا أنها تبقى محدودة، وأن الكثير يمارس هذه الطقوس الدخيلة بدافع اجتماعي أي الاحتفال بانقضاء سنة وحلول سنة جديدة إضافة إلى الاحتفال بالعطل المدرسية والمهنية، أكثر من دخولها في إطارها وطابعها الديني .
أما عن الظاهرة فيرى المختصون أنها مرتبطة بانفتاح المدن على وسائل الإعلام وثقافة الغير، أما عن الأسباب في انتشار هذه الظاهرة فيعود للاستعمار وطول مدة احتلاله للبلاد، والأهم هو غياب الوازع الديني أي الفراغ الروحي الذي يعاني منه الكثير خاصة الشباب.
أما علماء الدين المسلمين فيؤكدون بأن شراء الحلويات والورود والشموع والشكولاطة، تشبه بغير المسلمين واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم" من تشبه بقوم فهو منهم".

في تصريح" للمستقل" يونس برادة، باحث في العلوم الاجتماعية

إن النظر إلى ظاهرة الإحتفال برأس السنة يجب أن يتجاوز القراءة الأخلاقية الصرفة، ليعانق قراءة أشمل تجد سندها في تعدد خلفيات المجتمع و مرجعياته .

إن ظاهرة الإحتفال برأس السنة الميلادية، هي ظاهرة معقدة، يمكن أن تجد تفسيرها في جوانب متعددة، وفي مقدمتها جانب المثاقفة، أو الإحتكاك بين الثقافات الذي يكون بموجبه، ثقافة غالبة وثقافة مغلوبة.
في هذا السياق، هناك من ينظر إلى الإحتفال برأس السنة الميلادية، على أنه مسخ حضاري وتداعي ثقافي، وتبعية نفسية، وتبعية فكرية، لا تجد أي مسوغ لها أو تبرير ثقافي، لترسيخها، وهناك في الطرف المقابل ، من يتجه برأيه إلى أن هذا الإحتفال متصل بالإنفتاح على باقي الثقافات، وتعبير منطقي على الإنخراط في سيرورة زمنية تهم جميع المجتمعات بقطع النظر عن خصوصيتها الثقافية، أوتميزها الحضاري.
وبغض النظر عن هذا الموقف أو ذاك تبدو مسألة الإحتفال حمالة لعدة أوجه فهي بالنسبة لشريحة مجتمعية معينة تترجم كسلوك تبعي قائم على التماهي مع الآخر دون وعي بالحمولة الثقافية لهذا السلوك، فغياب الوعي، قد يؤول بكونه مؤشر على إنخراط تلقائي بناءا على تحول المجتمع وترسخ صور نمطية حول الآخر.
وهناك شريحة أخرى تتخد من الإحتفال محددا أساسيا لتميزها، الإجتماعي والثقافي، وتكون بالتالي حريصة على محاكاة الطقوس الإحتفالية السائدة لذا الآخر.
وفي رأيي يجب التعامل مع مسألة الإحتفال ضمن بعد إشكالي، لا يقف عند حدود البهرجة، بأبعادها التضخيمية، بل يتجاوز ذلك ليحاول ملامسة الأبعاد المتشابكة، لهذا السلوك في سياق سوسيو ثقافي، بل وحضاري إنطلاقا من رؤية متكاملة وشاملة تستقرء الظاهرة وأسبابها، وتنشد فهم بل وإستنطاق طبيعة المجتمع ونطاق تحوله
الإشكالية إذا يجب أن تقارب، في اعتقادي إنطلاقا من مسألة الهوية ومدا وجود شخصية جماعية، داخل الجسم الإجتماعي المغربي، فالدفع بأن هناك تناغم في الإنتماء هو قول مردود، لأن الطبيعة المجتمعية تكتسي بعدا تعدديا واضح المعالم، كما أن الإنتماء لمنظومة مرجعية معينة، يمكن أن يوصف أيضا بالإنتماء التعددي، والتعددية قد تكون مؤشرا إيجابيا، كما قد تكون تعبيرا عن إسفاف مفاهيمي وضبابية في الأفق وغياب مشروع مجتمعي متكامل وواضح واستراتيجي.

ليست هناك تعليقات: