السبت، 14 يونيو 2008















العازف و الملحن والموزع الموسيقي المصري صلاح نصر مصطفى في حواره للمستقل

غياب التربية الموسيقية في مجالات التكوين المغربية هو سبب الجمود الإبداعي الحاصل اليوم


كلمنا عن بداياتك؟

صلاح نصر مصطفى من مواليد 1955، خضت مراحل التعليم كلها من الإبتدائي إلى الجامعة، بدأت العمل وأنا سني لا يتجاوز العشر سنوات وذلك من خلال العزف على آلة وثرية تسمى" الماندولين" كما انضممت إلى فريق المسرح الصغير بتلفزيون جمهورية مصر العربية وعمري عشر سنوات.
ففي هذا السن كنت أعمل كموسيقي وأعيش القصة فعلا كفنان، بعدها بدأت حياتي تعرف تغيرات بفعل كبر سني، فكلما أكبر ويزداد عمري إلا وحياتي يحصل فيها بعض التطورات، كان من بينها عزفي على مجموعة من الآلات الوثرية والإيقاعية. فقد انتقلت من العزف على آلة الماندولين إلى الكمان إلى الكيثار إلى البيانو إلى العزف على ألآلات الإيقاع، كما جربت الغناء ونجحت فيه إلى أن حصلت على الباكلوريا، عندها دخلت معهد التربية الموسيقية" جامعة حلوان" بالقاهرة وحصلت على الإجازة بميزة جيد جدا، كما أنني كنت معيدا في نفس الكلية وأصبحت بعدها أستاذا للموسيقى أقوم بتدريس هذا الفن إلى الطلبة والأساتذة .
أما من ناحية العمل فقد جربت مختلف أنواع الشغل من إحياء أفراح شعبية" بلدية" لأفراح أرستقراطية لإحياء حفلات خاصة وعامة فضلا عن مشاركتي مع مختلف الفرق عربية كانت أم غربية.

كيف جاءت فكرة المجيء إلى المغرب؟

أنا لا أحب التقيد في الحياة، أحب دائما اكتشاف معالم الحياة الجميلة. بمعنى آخر أحب التنويع من أجل الإستفادة وإغناء شخصيتي من خلال اكتشاف ثقافة البلدان الأخرى. من هنا جاءتني فكرة السفر إلى الخارج وكان سني أنذاك 24 سنة.
وفي مصر كان هناك إعلان مشهور يقول" إذا قصدت الرحيل فأقصد بلاد المغرب" وكانت بجانبه صورة لطائرة تحط بمدينة مراكش، مكتوب عليها الطيران المغربي، فهذه الصورة كانت تثيرني وتحرك في الرغبة المفعمة بحب اكتشاف المغرب وثقافته وشعبه....
فالإعلان كان يعجبني جدا، فجاءتني فكرة المجيئ إلى المغرب، وبالفعل حصل نصيب وزرت المغرب عام 1979 .

هل بنية عمل أم فقط بنية الإكتشاف؟

بنية كل شيء، فبما أنني أحب السفر فأنا أريد العيش والعمل وغير ذلك، فالسياحة لوحدها لا تكفي لإكتشاف كل شيء ولكن يجب على المكتشف أن يعيش الواقع، بإستمراريته من خلال مدة طويلة يفهم من خلالها الأجواء المحيطة به.
بعدها بدأت رحلة البحث عن نفسي من خلال عمل أعيش منه، وفي الحقيقة كانت البداية صعبة جدا، لأنني كنت لا أعرف أحدا خلال تلك الفترة.

هل فكرت في الرجوع إلى مصربسبب الصعوبات التي اعترضت طريقك في البداية؟

صراحة لا فأنا أرفض فكرة الإنهزام، لأنه ضروري من التسلح بالصبر والله لن يتخلى على عبده مهما حصل، لذا تشبتث بالأمل والعزيمة القوية والحمد لله بعد الضيق جاء الفرج.
فأنا لا أحب الضعف، " شوية صبر"، شوية أمل" و"المركب تمشي" ولكن الإستسلام من أول وهلة هذا هو الأصعب.
كيف وجدت المغرب عام 1979 ؟

في الواقع كان الفرق كبيرا بين المغرب ومصر، فأنا جئت من بلد مشحون بالبشرية وبالضغط وبأشياء أخرى، وصلت إلى بلد هادئ، " شوية ناس"، " شوية سيارات"، ليس هناك ضوضاء ولا ضجيج فضلا على أن الناس يشتغلون فقط من السابعة صباحا إلى التاسعة أو العاشرة ليلا وليس أربعة وعشرون ساعة كما هو الحال في مصر، فالصراحة أعجبتني الحياة في المغرب.

كيف بدأت مشوارك الفني في المغرب؟

كان قراري الصائب هو الإشتغال لوحدي كعازف، فكان أول فندق اشتغلت فيه هو فندق" ماربيان" في مدينة المحمدية، بعدها انتقلت للإشتغال في عدة فنادق في مختلف المدن المغربية، هذه المسيرة لم تتغير وظل هذا هو عملي إلى الآن .

هذا يعني أنك تخليت عن اشتغالك كأستاذ للتربية الموسيقية؟

في تلك الفترة ذهبت إلى المعهد الموسيقي بنية الإشتغال ولكن لم يعجبني القدر المالي الذي كنت سأحصل عليه، ولم تعجبني طبيعة المواد المدرسة فكما قلت لك هناك اختلاف كبير في تدريس الموسيقى بين مصر والمغرب
ففي مصر درسنا زخما من المواد ولكن هنا في المغرب الموسيقى مهمشة زيادة على أنه ليس هناك أفق فكري في هذا الجانب ومن تم لم أعد أطيق فكرة التدريس لأنه سبق لي واشتغلت في التدريس في مصر لهذا قررت الإستمرار في العزف والغناء .

لم تجد صعوبة في الإنتقال من مصرالمشهورة باحتضانها للفن والفنانين إلى المغرب الذي كما تقول ليس لديه أفق فني؟
العمل كفنان موسيقي، ليس مشكل فلو ذهبت إلى أي بلد سأعمل نفس المهنة لأن مهنتي هي الفن.
لكن استقريت في المغرب لأنني أحببته و أحببت طبيعته وهدوءه الذي يجعلني أحس باسترخاء وببرود أعصاب، رغم القفزة عمرانية، والتكدس السكاني ومواصلاتي الذي عرفه المغرب في السنوات الأخيرة، فهذا بالنسبة لي لا يضاهي أبدا الإنقلاب البشري الذي تعيشه القاهرة، مثلا فنحن في جمهورية مصر العربية سبقنا المغرب في الإزدحام وفي اللآلام، فالمغرب بالنسبة لي أرحم لهذا لم تراودني فكرة الرجوع والإستقرار بمسقط رأسي وقررت البقاء في المغرب مع العلم أنني قمت بزيارات لبلدي الذي يعيش في القلب والروح.

كيف جاءت فكرة الإنتقال إلى التدريس؟

جاءت صدفة وبطريقة اختيارية، فأحببت الفكرة، والصراحة استقراري في المغرب لمدة ثلاثين سنة، جعلني أتفاعل مع الناس فترة من العمر، هذه الفترة أعطتني فكرة عن طبيعة النقائص التي تحتاجها التربية والتعليم في المغرب، خاصة التربية الموسيقية، فوجدت نفسي مطالبا بتقديم الخبرة التي املكها إلى الطلبة حتى يتداركوا بعض الأخطاء التي سقط فيها غيرهم.

ماهي هذه النقائص؟

من بين النقائص التي أراها مغيبة في المغرب هي الإهتمام بصناعة الفن عامة، فالمثل يقول" إذا أردت أن تحكم على حضارة شعب فاحكم عليها من خلال موسيقاه".
ففعلا الفن يظهر قيمة البلد فمن غير فن لا يمكن أن تشعر بأي شئ، فالتلفزيون لماذا ابتكر؟ ابتكر لكي يرى العالم معالم حضارات وثقافات متعددة الأقطاب والإتجاهات، ليكتشف أشياء تبدوا لنا نحن عادية ولا تستحق الإهتمام، فلأسف في المغرب ليس هناك استغلال حقيقي لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة، فمدة 30 سنة وأنا أعيش في المغرب ما زلت أسمع نفس الأغاني نفس الوجوه الإعلامية نفس القالب الإعلامي وكان المغرب يحمل لافتة معلق عليها" لا تغيير".
فالجزء الدعائي لهذا الفن يلعب دورا كبيرا في تسويق صورة المغرب إلى الخارج هذا التسويق الذي يشمل الفن، الإعلام، الطبيعة...

من المسؤول عن تغييب هذا الجانب الدعائي؟

التلفزيون، ووزارة الثقافة والإعلام تعد مطالبة بالتسويق لصورة المغرب من خلال مؤسساتها الإعلامية لكي تعرف العالم بحضارة المغاربة التي يجهلونها، فالسؤال الذي يجب طرحه هنا، هل أنت كإعلام لك وجود يشد الناس، فكما قلت لك مدة 30 سنة وأنا أعيش في المغرب وأشاهد التلفزيون المغربي ونفس القصة تتكرر، نفس الأفلام، نفس الأغاني نفس المواد الشعبية، لا تغيير فمنذ زيارتي إلى المغرب وأنا أسمع أغنية " أش داني وعلاش مشيت"، وأغنية " ياناسي"، وأغنية" قطار الحياة" إلى الآن.
فالمغاربة لم يستطيعوا أن يبدعوا أغاني في مثل قوة ومغربية وبساطة الأغاني التي اشتهرت في السبعينات.

هل هذا يعني أن المغرب عنده نقص في المواهب والطاقات الفنية؟

لا أعتقد، فأنا بحكم عملي تعرفت على الكثير من الفنانين المغاربة وهم أصدقائي جدا، ولكن المشكلة أن الفنان لوحده لا يكفي، فلابد للملعب الذي يلعب فيه أن يكون المسؤول عليه أناس يقدرون الفن.
فالفن أولا وقبل كل شئ هو صناعة، تصرف عليها الملايين، فيجب أن تكون هناك شركات إنتاج تتكلف بهذا المجال بشكل عام.

هل في نظرك أن شركات الإنتاج هي متخوفة من الإستثمار في المغرب؟

شيء طبيعي أن يكون هناك تخوف نظرا للقرصنة المتفشية والتي تكلف شركات الإنتاج خسائر بالجملة، ففي البداية كانت هناك شركات إنتاج في المغرب و كنت أتعامل معها من خلال عملية البيع والشراء، ولكن الآن لا.
فالفن عمل مكلف، فلكي تصنع دقيقة فن يجب أن تقدم رؤوس أموال للدعاية والتسويق وغير ذلك
ففي مصر رغم أن القرصنة موجودة بسبب الأنترنت وتطور الوسائل التكنولوجية غير أن شركات الإنتاج ما زالت تنتج وتحقق أرباحا ولكن في المغرب الأمر مغاير تماما.

بماذا تفسر هجرة الفنانين إلى المشرق؟

بشكل عام وبالنسبة للعرب فمصر هي الرائدة في إنتاج الفن، فكل ماهو عربي يصب في مصر بمعنى آخر رؤوس الأموال العربية لها أصول وجدور في مصر، فمن خلالها الفن الخليجي واللبناني والمغربي عرف وسوق بشكل أكثر حرفية ، فكل الشركات المسؤولة على الفن في المنطقة العربية تشتغل بيد عاملة مصرية وبعقول ومبدعين واستديوهات مصرية، فأي فنان تعرف عليه الجمهور وأحبه تكون انطلاقته من مصر فهذه شهادة لا احد يستطيع ان ينكرها
لكن للأسف في المغرب لم يحن الوقت بعد لكي يكون هناك استثمار في صناعة النجوم سواء في مجال الإعلام، الموسيقى، الرسم، السينما، المسرح...

هناك من يقول بأن سبب تأخر الفن المغربي على مضاهاة الفن المصري مثلا هو مشكل اللهجة المغربية؟

أنا ضد هذا الكلام جملة وتفصيلا، فأنا مصري أفهم نشرة الأخبار، ولكن المشكل يكمن في أن المغاربة لا يشرحون كلامهم فنحن المصريين سبقناكم في هذه المسألة لهذا أصبحت اللغة المصرية محفوظة في أذهان أي دولة، فالمغاربة ليست عندهم مقدرة على الشرح بشكل يجعل الآخر يفهم لهجتهم الدارجة، فمثلا كلمة " بزاف" لو قلتها بصمت لا أحد سيفهمها، ولكن لو قلتها وشرحت بيديك فالجميع سيفهمها وهكذا
فلابد أن اشرح نفسي، واجتهد لكي أشد انتباه العقلية العربية اتجاهي، لأن هذه الدعاية ستصب على مصلحتي بالخير.

كيف ترى تدريس الموسيقى في المغرب؟

التربية الموسيقية اعتبرها من المواد الأساسية لتنمية الحس والفكر عند الأطفال. يجب تدريسها للطفل منذ صغره حتى تتنمى عنده روح الإبداع.
فالموسيقى وظيفتها هي تنمية الإحساس والشعور بكل شيء، وإذا كان تغييب هذه التربية في المدارس ودور التربية فمن الطبيعي أن تظهر هناك أجيال جافة لا تقدر الفن ولا تعطي القيمة للفنانين.

كيف تقارن الفن في المغرب بين سنة 1979 واليوم؟

في البداية كانت صناعة الفن ضعيفة، بحيث لم تكن هناك استديوهات كثيرة ولم تكن هناك تقنيات حديثة كيف ماهو الحال اليوم، فقد تغير الوضع وأصبح لدينا وسائل تكنولوجية أكثر حداثة وفي متناول الجميع، فضلا على ان الشباب أتقن استعمالها " فشوية نظام" "شوية اجتهاد" " القضاء على القرصنة" " تشجيع الإستثمار في هذا المجال " والأمور تتحسن ولكن الحمد لله لحد الساعة ولا خطوة إلى الأمام فما زلت اسمع "العلوة" و" واش داني" ....

أكثر فنان مغربي تحب سماع أغانيه؟

أنا احب كل الفنانين وكل المطربين، ولكن الذي أرى ان أغنانيه تركت بصمة وصدى عند الناس هو المرحوم ابراهيم العلمي، فهو قدم أغاني جميلة خفيفة" ساندويتش" أحبها الناس ولا زالوا يرددونها حتى الآن، هناك أيضا حسين السلاوي، اسماعيل أحمد وعندليب المغرب محمد الحياني الذي لم يأخد حقه، ومن الأصوات التي تعجبني أيضا نعيمة سميح وعبد الهادي بلخياط فهذه أغاني مغربية حقة ولكن للأسف لم يستطع المغاربة أن يبدعوا مثلها.

ليست هناك تعليقات: