في حوار مع المنتج والناقد الإذاعي مصطفى جناح
المفروض أن تكون هناك جلسة حوار بين وسائل الإعلام وبين الجهات الرسمية لوزارة الإتصال لتفادي التجاوزات التي تمارس في حق الصحفيين.
يجمع الكل على أن تجليات المرحلة الإعلامية الحالية، هي أفضل بكثير من المراحل التي عاشها المغرب في السابق والتي كانت فيها حرية التعبير مقموعة وحرية القلم ممنوعة، والتي كان ينتظر فيها المواطن المغربي بشوق علامات الإنفراج في المجال الإعلامي، هذا الأخير الذي ظهرت بوادره من خلال ما يسمى بالصحافة المستقلة التي عملت جاهدة على كسر كل القيود وإتباع مختلف الوسائل الشرعية وغير الشرعية في الوصول إلى المعلومة التي تعمل الجهات النافذة في المجتمع على تضليلها وفي بعض الأحيان تلجأ إلى طمسها لكي لا يتمكن المواطن المغربي الشغوف من تتبع الأحداث الساخنة والحساسة من الإضطلاع على مايجري حوله من تغيرات.
لكن اليوم ومع هذه الكونية التي يعيشها المشهد الإعلامي العالمي أصبح كل شيء مفضوحا والحقيقة لن تعد تخفى على أحد رغم سياسة الدولة القمعية، التهميشية التي تنظر دائما للصحفي كلص يسرق المعلومة فدائما كانت العلاقة يشوبها نوع من التخوف وعدم الثقة في الإعلاميين المغاربة، هذه العلاقة التي يجب أن تسمو بالصحفي إلى درجة احترامه كوسيط بين المعلومة والمتلقي.
وإذا كان قانون الصحافة الذي وضع أساسا لحماية الصحافيين وتنظيم المهنة بشكلها القانوني، وتحديد حقوق وواجبات طرفي العلاقة التي يبدوا على أنها في المغرب لازالت متشنجة والدليل هو عدد القضايا التي تعرض على المحاكم للبث فيها والتي ينهزم فيها الصحفي في آخر المطاف في غياب أي ضمانات لحماية مصادر خبره وفي الأخير يرضخ للغرامات التي تفرض عليه، وتكون النتيجة إما المنع من الكتابة أو الهروب إلى الخارج أو اعتزال الميدان نهائيا وفي حالات نادرة الإستمرار رغما عن انف الجهات التي من مصلحتها تسكيت أفواه وتجميد أقلام من يقلقوا سكون ليلها ويعكرون صفو وجو حياتها.
لتوضيح نقط الغموض في هذه العلاقة، وكذا لمعرفة أسباب تباطئ الإعلام المغربي في مضاهاة نظيره
العربي قمنا بانجاز هذا الحوار مع المنتج والناقد الإذاعي مصطفى جناح.
ما هو تقييمك للمشهد الإعلامي المغربي؟
إن الإعلام المغربي في السنوات الأخيرة، أضحى أكثر حركية وديناميكية، من خلال تزايد عدد الجرائد والمجلات والإذاعات والقنوات، هذا التطور النوعي والقيمي يدخل في إطار تحرير المشهد السمعي البصري، فالآن نعيش التعدد والتنوع في المجال الإعلامي، هذا التنوع يواكب التطور الذي يعرفه المشهد الإعلامي العالمي، ففي السابق كانت فقط القناة الأولى والقناة الثانية، بالإضافة إلى إذاعة وطنية وتسع إذاعات جهوية.
أما الآن فهناك تطور كمي يجسده عدد القنوات السمعية والبصرية وكذا الجرائد المستقلة التي عززت المشهد الإعلامي في مجموعة من المدن المغربية.
ولكن ليس هناك تطور من الناحية النوعية، بماذا تفسر ذلك؟
من الناحية النوعية ليس هناك تقدم، لأنه بكل بساطة ليست هناك إمكانيات مادية كبيرة، فالوصول إلى مصادر الخبر يتطلب الإعتماد على مراسلين في عين المكان، فلا يمكن لأي قناة أو إذاعة أو أي منشأة إعلامية أن تعتمد على ما يروج في وكالات الأنباء، بل يجب أن يكون هناك مراسلين يتمتعون بجميع الضمانات المهنية المادية منها والمعنوية لمزاولة عملهم وللرقي بالمنشأة الإعلامية التي ينتمون إليها.
فهذا هو السر في تفوق القنوات الخليجية التي تتوفر على إمكانيات مالية كبيرة وتتوفر على مراسلين في عين المكان ينقلون الخبر في حينه.
فبدون مراسلين، بدون إمكانيات متطورة بدون موارد بشرية، مستحيل الحديث عن إعلام متطور.
ففي المغرب للأسف مازلنا نعاني النقص في الإمكانيات، النقص في الكفاءات، حقيقة هناك صحفيين يبذلون مجهود ولكن مع ذلك تنقصهم الإمكانيات المادية والبشرية.
هل غياب الكفاءات راجع إلى نقص في معاهد التكوين، أم إلى غياب استراتيجية حكومية للإهتمام بالمجال الإعلامي المغربي؟
لا يمكننا تحميل المسؤولية لأطراف بعينها، فهناك عدة عوامل شكل تضافرها ما نعانيه من رداءة في إعلامنا ، فليس هناك تكوين مستمر للصحفيين فضلا على أن الأمر يحتاج إلى دعم مادي، فالصحفي الآن هو مجرد موظف، وهذا ما يفسر أن الكفاءات الإعلامية المغربية تفضل الهجرة إلى قنوات أخرى أجنبية توفر لها الدعم المادي الكافي الذي نرى بالملموس نتائجه المتمثلة في تألق هذه الكفاءات المغربية في ديار المهجر، فالأجدى هو الإستفادة من طاقاتنا الإعلامية واستثمارها بدل تصديرها إلى الخارج.
فقط الإمكانيات المادية هي التي تنقصنا، فهناك من يقول بان الصحفي في المغرب حرية تعبيره مقيدة؟
بما أن الصحفي يشتغل في قنوات رسمية فهو مطالب بالإشتغال داخل اطار محدد لا ينبغي عليه تجاوزه، بالنسبة للمنابر الإعلامية المستقلة فهي تتمتع بنوع من الجرأة.
بمعنى المغرب في حاجة إلى قنوات مستقلة؟
القنوات المستقلة ضرورية لأنه عندما نتحدث عن تحرير الإعلام فإنه لا يجب أن يطال فقط المؤسسات الرسمية بل يجب أن يطال حتى المؤسسات الخاصة لكي نشجع المستثمر على الإستثمار في هذا القطاع الذي سيشكل نجاحه وازدهاره تقديم مجموعة من الخدمات للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والجهوية للمغرب، فهو مرتبط بالدينامية والحركية التي يشكل الإعلام المستقل احد أقطابها فكلما كانت هناك قنوات واذاعات كثيرة كلما كانت هناك تنافسية وجودة في المنتوج الإعلامي الذي بلا شك سيحصل على إعجاب وتقدير الجمهور المغربي .
هناك من يعاتب الإعلام الرسمي على أنه يمارس التعتيم ولا يظهر الحقيقة كاملة؟
بالنسبة للحقيقة لم تعد تخفى على أحد، في السابق كانت هناك أحداث تقع ولا أحد يعلم بها لكن اليوم في ظل هذا التعدد والتنوع الإعلامي الذي نلمسه في جل وسائل الإعلام العربية والغربية كل الأحداث أصبحت تنقل للعموم .
العتاب يبقى دائما مطروحا ولكن الآن الحقيقة أصبحت تكتشف ويتم إخبار العالم بها لأن مراسلي القنوات الأجنبية الذين يعملون على نشر الصورة متواجدون في أي منطقة من المغرب.
بماذا تفسرالسياسة القمعية التي تنهجها الدولة مع الصحفيين؟
في بعض الأحيان تكون هناك تجاوزات إما من طرف الصحفي أومن طرف الجهات الرسمية التي تتعامل معه بشكل غير لائق، فالمفروض أن لا تكون هناك قطيعة بين الجهاز الإعلامي وبين الجهات الرسمية، فالصحفي مكلف برسالة نبيلة تلقي على عاتقه مسؤوليات احترام أخلاقيات المهنة والبنوذ القانونية المنصوص عليها في قانون الصحافة، في المقابل على الجهات الرسمية أن توفر له كل الضمانات والوسائل التي تمكنه من القيام بعمله بدون تجاوزات .
فالمفروض أن تكون جلسة حوار بين وسائل الإعلام وبين الجهات الرسمية لوزارة الإتصال لتفادي التجاوزات التي تمارس في حق الصحفيين.
ألا ترى بان حق الصحفي هو مهضوم، عندما يصل الأمر إلى القضاء لأنه في تلك الحالة يتعامل مع الصحفي كشخص عادي وليس كرجل إعلام يجب أن توفر له ضمانات المحاكمة العادلة؟
في هذا الإطار يجب أن نعود إلى قانون الصحافة الذي ينبغي تعديله، فالتعامل مع الصحفي يجب أن يمتاز بالمرونة وليس بالشطط في استعمال السلطة.
كيف تنظر لنوعية البرامج التي تقدم مؤخرا في قنواتنا السمعية البصرية؟
حقيقة هناك تطور على مستوى الإذاعة ولكن فيما يخص التلفزيون لا زالت المواضيع متواضعة ولا زالت رديئة فهي لم تتخلص من المستوى الذي كانت عليه في السنوات الماضية.
فبالنسبة للإذاعة هناك تقدم على مستوى المواضيع الاجتماعية والاقتصادية والرياضية والبيئية والسياسية وهناك نوع من الجرأة ولكن بالنسبة لقنواتنا الوطنية فهي لازالت لم ترقى لمستوى طموحات المشاهد المغربي بالمقارنة مع ما يقدم في القنوات الفضائية الأجنبية.
الكل يجمع على أن هذه القنوات لم تشفي غليل المشاهد المغربي لماذا في نظرك؟
لأنها ظلت حبيسة الطريقة التقليدية، فكما قلت لك هناك خطوط حمراء مرسومة للصحفيين وغالبا ما تملى هذه البرامج من طرف المسؤولين فليست هناك حرية للصحفيين في اختيار البرنامج الذي يريد إعداده
وإنجازه فغالبا ماتمنع البرامج التي يجتهد الصحفي في إعدادها من طرف جهات ومسؤولين يتحملون المسؤولية في ذلك وفي كثير من الأحيان هم من يحددون نوعية البرامج التي يجب أن تبث للمشاهد المغربي.
من جهة ثانية البرنامج لا يحتاج إلى التضييق والتقييد بل الى التوجيه كما يحتاج الى الموارد البشرية فهناك قنوات عربية تتوفر على مستشارين يوجهون الصحفي ويسهلون عليه مهمة انجاز واعداد الموضوع ولكن في المغرب يتم التركيز على الصحفي الموسوعي الذي يريد أن يتحدث في جميع المواضيع وهذا خطأ فلا يمكن أن نجد صحفي يعد برامج سياسية واقتصادية واجتماعية... بمعنى أصح ليس هناك إعلام متخصص، فالصحفي لا يمكن أن يلم بجميع المواضيع.
لماذا هذا التكرار في نوعية البرامج؟
هناك مشكل في الإنتاج وفي طريقة اختيار البرامج واختيار الضيوف، فليس من السهل إعداد وإنجاز برنامج لأنه يتطلب أولا الإلمام بالموضوع وثانيا يتطلب عملا جماعيا فضلا عن حوار دقيق وأفكار
وضيوف في المستوى، فاليوم القنوات تتسابق على استضافة ضيوف من العيار الثقيل.
ألا ترى أن مشكل اللهجة المغربية هو مطروح كذلك؟
لا فاللهجة المغربية هي متداولة، فنحن الآن نشاهد أفلام ومسلسلات باللهجة السورية واللهجة الكويتية، فربما اللهجة المغربية هي أكثر تهذيبا وهي تزاوج مابين العربية والدارجة وهي مفهومة، ولكن المشكل
أن المنتوج الذي يقدمه إعلامنا هو لا يرقى إلى أن يروج في الدول أخرى.
هناك من يقول بان المغرب يعاني نقصا حادا في الإنتاج ما ردك ؟
عندما نتكلم عن الدعم المادي، فإننا نقصد أنه عندما تريد إنتاج فيلم مثلا، الأمر يحتاج إلى ميزانية باهضة، وحتى المستثمر لا يستطيع ان يخوض غمار هذه التجربة لأنها من دون شك ستكلفه خسارة فادحة خاصة مع تفشي القرصنة، وحتى القنوات الوصية لا تملك السيولة المالية الكافية لتمويل انتاج هذه الافلام وهذه البرامج فالأمر حقيقة مكلف ويتطلب غلاف مالي كبير.
إذا كيف يمكن الترويج لمنتوجنا الإعلامي؟
القنوات الإعلامية المغربية يجب أن تفرض منتوجها على الآخرين، ففي ظل التنافس الذي تعرفه القنوات من طرف شركات الإنتاج، المغرب يعد في موقف قوة، فمثلا إذا استورد أربع مسلسلات أو أغنيات مصرية يفرض على الطرف الآخر تمرير منتوج مغربي واحد كيفما كانت نوعيته، بمعنى أن تكون هناك عملية مقايضة تمكن من نشر المنتوج المغربي للعالم .
ماهي الإستراتيجية التي ينبغي اتباعها للخروج من قوقعتنا الإعلامية؟
أولا يجب لإعلامنا أن ينصت لنبض المجتمع، وان يقترب من هموم ومشاكل المواطن المغربي من خلال الإستماع الى احتياجاته الإعلامية واشراكه في كل البرامج وفتح المجال له لكي يعبر عن معاناته وتطلعاته من خلال سياسة القرب التي تتجسد في إشراكه في الحوار حتى تكون هناك مصالحة مع الجمهور الذي يريد قنوات قريبة منه، تتواجد إلى جانبه في كل القضايا لتحقيق التفاعل الذي سبقتنا إليه القنوات الفضائية.
المفروض أن تكون هناك جلسة حوار بين وسائل الإعلام وبين الجهات الرسمية لوزارة الإتصال لتفادي التجاوزات التي تمارس في حق الصحفيين.
يجمع الكل على أن تجليات المرحلة الإعلامية الحالية، هي أفضل بكثير من المراحل التي عاشها المغرب في السابق والتي كانت فيها حرية التعبير مقموعة وحرية القلم ممنوعة، والتي كان ينتظر فيها المواطن المغربي بشوق علامات الإنفراج في المجال الإعلامي، هذا الأخير الذي ظهرت بوادره من خلال ما يسمى بالصحافة المستقلة التي عملت جاهدة على كسر كل القيود وإتباع مختلف الوسائل الشرعية وغير الشرعية في الوصول إلى المعلومة التي تعمل الجهات النافذة في المجتمع على تضليلها وفي بعض الأحيان تلجأ إلى طمسها لكي لا يتمكن المواطن المغربي الشغوف من تتبع الأحداث الساخنة والحساسة من الإضطلاع على مايجري حوله من تغيرات.
لكن اليوم ومع هذه الكونية التي يعيشها المشهد الإعلامي العالمي أصبح كل شيء مفضوحا والحقيقة لن تعد تخفى على أحد رغم سياسة الدولة القمعية، التهميشية التي تنظر دائما للصحفي كلص يسرق المعلومة فدائما كانت العلاقة يشوبها نوع من التخوف وعدم الثقة في الإعلاميين المغاربة، هذه العلاقة التي يجب أن تسمو بالصحفي إلى درجة احترامه كوسيط بين المعلومة والمتلقي.
وإذا كان قانون الصحافة الذي وضع أساسا لحماية الصحافيين وتنظيم المهنة بشكلها القانوني، وتحديد حقوق وواجبات طرفي العلاقة التي يبدوا على أنها في المغرب لازالت متشنجة والدليل هو عدد القضايا التي تعرض على المحاكم للبث فيها والتي ينهزم فيها الصحفي في آخر المطاف في غياب أي ضمانات لحماية مصادر خبره وفي الأخير يرضخ للغرامات التي تفرض عليه، وتكون النتيجة إما المنع من الكتابة أو الهروب إلى الخارج أو اعتزال الميدان نهائيا وفي حالات نادرة الإستمرار رغما عن انف الجهات التي من مصلحتها تسكيت أفواه وتجميد أقلام من يقلقوا سكون ليلها ويعكرون صفو وجو حياتها.
لتوضيح نقط الغموض في هذه العلاقة، وكذا لمعرفة أسباب تباطئ الإعلام المغربي في مضاهاة نظيره
العربي قمنا بانجاز هذا الحوار مع المنتج والناقد الإذاعي مصطفى جناح.
ما هو تقييمك للمشهد الإعلامي المغربي؟
إن الإعلام المغربي في السنوات الأخيرة، أضحى أكثر حركية وديناميكية، من خلال تزايد عدد الجرائد والمجلات والإذاعات والقنوات، هذا التطور النوعي والقيمي يدخل في إطار تحرير المشهد السمعي البصري، فالآن نعيش التعدد والتنوع في المجال الإعلامي، هذا التنوع يواكب التطور الذي يعرفه المشهد الإعلامي العالمي، ففي السابق كانت فقط القناة الأولى والقناة الثانية، بالإضافة إلى إذاعة وطنية وتسع إذاعات جهوية.
أما الآن فهناك تطور كمي يجسده عدد القنوات السمعية والبصرية وكذا الجرائد المستقلة التي عززت المشهد الإعلامي في مجموعة من المدن المغربية.
ولكن ليس هناك تطور من الناحية النوعية، بماذا تفسر ذلك؟
من الناحية النوعية ليس هناك تقدم، لأنه بكل بساطة ليست هناك إمكانيات مادية كبيرة، فالوصول إلى مصادر الخبر يتطلب الإعتماد على مراسلين في عين المكان، فلا يمكن لأي قناة أو إذاعة أو أي منشأة إعلامية أن تعتمد على ما يروج في وكالات الأنباء، بل يجب أن يكون هناك مراسلين يتمتعون بجميع الضمانات المهنية المادية منها والمعنوية لمزاولة عملهم وللرقي بالمنشأة الإعلامية التي ينتمون إليها.
فهذا هو السر في تفوق القنوات الخليجية التي تتوفر على إمكانيات مالية كبيرة وتتوفر على مراسلين في عين المكان ينقلون الخبر في حينه.
فبدون مراسلين، بدون إمكانيات متطورة بدون موارد بشرية، مستحيل الحديث عن إعلام متطور.
ففي المغرب للأسف مازلنا نعاني النقص في الإمكانيات، النقص في الكفاءات، حقيقة هناك صحفيين يبذلون مجهود ولكن مع ذلك تنقصهم الإمكانيات المادية والبشرية.
هل غياب الكفاءات راجع إلى نقص في معاهد التكوين، أم إلى غياب استراتيجية حكومية للإهتمام بالمجال الإعلامي المغربي؟
لا يمكننا تحميل المسؤولية لأطراف بعينها، فهناك عدة عوامل شكل تضافرها ما نعانيه من رداءة في إعلامنا ، فليس هناك تكوين مستمر للصحفيين فضلا على أن الأمر يحتاج إلى دعم مادي، فالصحفي الآن هو مجرد موظف، وهذا ما يفسر أن الكفاءات الإعلامية المغربية تفضل الهجرة إلى قنوات أخرى أجنبية توفر لها الدعم المادي الكافي الذي نرى بالملموس نتائجه المتمثلة في تألق هذه الكفاءات المغربية في ديار المهجر، فالأجدى هو الإستفادة من طاقاتنا الإعلامية واستثمارها بدل تصديرها إلى الخارج.
فقط الإمكانيات المادية هي التي تنقصنا، فهناك من يقول بان الصحفي في المغرب حرية تعبيره مقيدة؟
بما أن الصحفي يشتغل في قنوات رسمية فهو مطالب بالإشتغال داخل اطار محدد لا ينبغي عليه تجاوزه، بالنسبة للمنابر الإعلامية المستقلة فهي تتمتع بنوع من الجرأة.
بمعنى المغرب في حاجة إلى قنوات مستقلة؟
القنوات المستقلة ضرورية لأنه عندما نتحدث عن تحرير الإعلام فإنه لا يجب أن يطال فقط المؤسسات الرسمية بل يجب أن يطال حتى المؤسسات الخاصة لكي نشجع المستثمر على الإستثمار في هذا القطاع الذي سيشكل نجاحه وازدهاره تقديم مجموعة من الخدمات للتنمية الإقتصادية والإجتماعية والجهوية للمغرب، فهو مرتبط بالدينامية والحركية التي يشكل الإعلام المستقل احد أقطابها فكلما كانت هناك قنوات واذاعات كثيرة كلما كانت هناك تنافسية وجودة في المنتوج الإعلامي الذي بلا شك سيحصل على إعجاب وتقدير الجمهور المغربي .
هناك من يعاتب الإعلام الرسمي على أنه يمارس التعتيم ولا يظهر الحقيقة كاملة؟
بالنسبة للحقيقة لم تعد تخفى على أحد، في السابق كانت هناك أحداث تقع ولا أحد يعلم بها لكن اليوم في ظل هذا التعدد والتنوع الإعلامي الذي نلمسه في جل وسائل الإعلام العربية والغربية كل الأحداث أصبحت تنقل للعموم .
العتاب يبقى دائما مطروحا ولكن الآن الحقيقة أصبحت تكتشف ويتم إخبار العالم بها لأن مراسلي القنوات الأجنبية الذين يعملون على نشر الصورة متواجدون في أي منطقة من المغرب.
بماذا تفسرالسياسة القمعية التي تنهجها الدولة مع الصحفيين؟
في بعض الأحيان تكون هناك تجاوزات إما من طرف الصحفي أومن طرف الجهات الرسمية التي تتعامل معه بشكل غير لائق، فالمفروض أن لا تكون هناك قطيعة بين الجهاز الإعلامي وبين الجهات الرسمية، فالصحفي مكلف برسالة نبيلة تلقي على عاتقه مسؤوليات احترام أخلاقيات المهنة والبنوذ القانونية المنصوص عليها في قانون الصحافة، في المقابل على الجهات الرسمية أن توفر له كل الضمانات والوسائل التي تمكنه من القيام بعمله بدون تجاوزات .
فالمفروض أن تكون جلسة حوار بين وسائل الإعلام وبين الجهات الرسمية لوزارة الإتصال لتفادي التجاوزات التي تمارس في حق الصحفيين.
ألا ترى بان حق الصحفي هو مهضوم، عندما يصل الأمر إلى القضاء لأنه في تلك الحالة يتعامل مع الصحفي كشخص عادي وليس كرجل إعلام يجب أن توفر له ضمانات المحاكمة العادلة؟
في هذا الإطار يجب أن نعود إلى قانون الصحافة الذي ينبغي تعديله، فالتعامل مع الصحفي يجب أن يمتاز بالمرونة وليس بالشطط في استعمال السلطة.
كيف تنظر لنوعية البرامج التي تقدم مؤخرا في قنواتنا السمعية البصرية؟
حقيقة هناك تطور على مستوى الإذاعة ولكن فيما يخص التلفزيون لا زالت المواضيع متواضعة ولا زالت رديئة فهي لم تتخلص من المستوى الذي كانت عليه في السنوات الماضية.
فبالنسبة للإذاعة هناك تقدم على مستوى المواضيع الاجتماعية والاقتصادية والرياضية والبيئية والسياسية وهناك نوع من الجرأة ولكن بالنسبة لقنواتنا الوطنية فهي لازالت لم ترقى لمستوى طموحات المشاهد المغربي بالمقارنة مع ما يقدم في القنوات الفضائية الأجنبية.
الكل يجمع على أن هذه القنوات لم تشفي غليل المشاهد المغربي لماذا في نظرك؟
لأنها ظلت حبيسة الطريقة التقليدية، فكما قلت لك هناك خطوط حمراء مرسومة للصحفيين وغالبا ما تملى هذه البرامج من طرف المسؤولين فليست هناك حرية للصحفيين في اختيار البرنامج الذي يريد إعداده
وإنجازه فغالبا ماتمنع البرامج التي يجتهد الصحفي في إعدادها من طرف جهات ومسؤولين يتحملون المسؤولية في ذلك وفي كثير من الأحيان هم من يحددون نوعية البرامج التي يجب أن تبث للمشاهد المغربي.
من جهة ثانية البرنامج لا يحتاج إلى التضييق والتقييد بل الى التوجيه كما يحتاج الى الموارد البشرية فهناك قنوات عربية تتوفر على مستشارين يوجهون الصحفي ويسهلون عليه مهمة انجاز واعداد الموضوع ولكن في المغرب يتم التركيز على الصحفي الموسوعي الذي يريد أن يتحدث في جميع المواضيع وهذا خطأ فلا يمكن أن نجد صحفي يعد برامج سياسية واقتصادية واجتماعية... بمعنى أصح ليس هناك إعلام متخصص، فالصحفي لا يمكن أن يلم بجميع المواضيع.
لماذا هذا التكرار في نوعية البرامج؟
هناك مشكل في الإنتاج وفي طريقة اختيار البرامج واختيار الضيوف، فليس من السهل إعداد وإنجاز برنامج لأنه يتطلب أولا الإلمام بالموضوع وثانيا يتطلب عملا جماعيا فضلا عن حوار دقيق وأفكار
وضيوف في المستوى، فاليوم القنوات تتسابق على استضافة ضيوف من العيار الثقيل.
ألا ترى أن مشكل اللهجة المغربية هو مطروح كذلك؟
لا فاللهجة المغربية هي متداولة، فنحن الآن نشاهد أفلام ومسلسلات باللهجة السورية واللهجة الكويتية، فربما اللهجة المغربية هي أكثر تهذيبا وهي تزاوج مابين العربية والدارجة وهي مفهومة، ولكن المشكل
أن المنتوج الذي يقدمه إعلامنا هو لا يرقى إلى أن يروج في الدول أخرى.
هناك من يقول بان المغرب يعاني نقصا حادا في الإنتاج ما ردك ؟
عندما نتكلم عن الدعم المادي، فإننا نقصد أنه عندما تريد إنتاج فيلم مثلا، الأمر يحتاج إلى ميزانية باهضة، وحتى المستثمر لا يستطيع ان يخوض غمار هذه التجربة لأنها من دون شك ستكلفه خسارة فادحة خاصة مع تفشي القرصنة، وحتى القنوات الوصية لا تملك السيولة المالية الكافية لتمويل انتاج هذه الافلام وهذه البرامج فالأمر حقيقة مكلف ويتطلب غلاف مالي كبير.
إذا كيف يمكن الترويج لمنتوجنا الإعلامي؟
القنوات الإعلامية المغربية يجب أن تفرض منتوجها على الآخرين، ففي ظل التنافس الذي تعرفه القنوات من طرف شركات الإنتاج، المغرب يعد في موقف قوة، فمثلا إذا استورد أربع مسلسلات أو أغنيات مصرية يفرض على الطرف الآخر تمرير منتوج مغربي واحد كيفما كانت نوعيته، بمعنى أن تكون هناك عملية مقايضة تمكن من نشر المنتوج المغربي للعالم .
ماهي الإستراتيجية التي ينبغي اتباعها للخروج من قوقعتنا الإعلامية؟
أولا يجب لإعلامنا أن ينصت لنبض المجتمع، وان يقترب من هموم ومشاكل المواطن المغربي من خلال الإستماع الى احتياجاته الإعلامية واشراكه في كل البرامج وفتح المجال له لكي يعبر عن معاناته وتطلعاته من خلال سياسة القرب التي تتجسد في إشراكه في الحوار حتى تكون هناك مصالحة مع الجمهور الذي يريد قنوات قريبة منه، تتواجد إلى جانبه في كل القضايا لتحقيق التفاعل الذي سبقتنا إليه القنوات الفضائية.