بعد مرور أربع سنوات من دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق
لا زالت ردهات المحاكم تعج بقضايا شائكة سببها جهل المغاربة بحقوقهم
تعد الأسرة هي النواة الصلبة للمجتمع وضمان استقرارها أضحى من بين الركائز الأساسية التي تعمل الحكومات وكافة التشريعات والقوانين على تكريسها، من خلال سن جملة من التشريعات غايتها الأولى تحقيق التوازن العائلي.
والمغرب من بين البلدان التي انخرطت في مسيرة الإصلاح والتغييروالتي كانت من بين إفرازاتها إعادة النظر في مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية التي عمل بها القضاء المغربي لسنوات، وذلك من خلال مدونة الأسرة، التي كانت نتيجة نضالات خاضتها الجمعيات النسائية والحقوقية، لحل مجموعة من المشاكل التي تتخبط فيها الأسرة المغربية، غير أن الحصيلة التي قدمها وزير العدل، أثبتت فعلا بأن المدونة لم تحل الأزمة والدليل هو الارتفاع في نسب الطلاق الذي يعد من أخطر المدمرات الأسرية التي تتسبب في كوارث مجتمعية حقيقية.
أجمع الكثير من رجال القانون على أن مدونة الأسرة غداة صدورها سنة 2003 واجهتها صعوبات وتعثرات، على اعتبار العقلية المغربية التي لم تكن مستعدة، بحكم مجموعة من العوامل وعلى رأسها الأمية أن تتقبل مضامين مدونة الأسرة التي بدلا من أن تصاغ بشكل يلائم الشريحة الكبرى من المجتمع، عملت على إغراق الناس في دوامة من التساؤلات، لحد الآن لم يعرفوا الإجابة الصحيحة عنها
فبعد أربع سنوات من التطبيق لا زالت هناك تعثرات فعلية يلمسها رجال القانون، والباحثون في مجال الأسرة.
أربع سنوات من التطبيق أي جديد
في إطار مواكبة تطبيق مضامين ومقتضيات مدونة الأسرة، تحرص وزارة العدل على رصد المعطيات الإحصائية التي يفرزها التطبيق العملي لهذه المدونة منذ دخولها إلى حيز التنفيذ، وفي هذا الصدد قدم وزير العدل عبد الواحد الراضي في الجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي الذي نظمته وزارة العدل بمناسبة الذكرى الرابعة لصدور مدونة الأسرة، حصيلة أربع سنوات من تطبيق المدونة على أرض الواقع والذي أفاد من خلالها بأن نسبة الزواج عرفت ارتفاعا مهما في السنة الماضية، حيث بلغ عدد رسومه ما مجموعه297 ألف و660 رسما مقابل272 ألف و989 سنة2006 ، لتحقق بذلك ارتفاعا بنسبة04 ,9 في المائة وأضاف أن نسبة الأحكام الصادرة بثبوت الزوجية، عرفت بدورها ارتفاعا مهما حيث بلغ عدد الأحكام الصادرة بشأنها ما مجموعه 18 ألف و751 حكما مقابل16 ألف و832 حكما سنة2006 ، أي بزيادة بنسبة40,11 في المائة.
أما فيما يتعلق بالتعدد خلال2007، فشكلت نسبة الرسوم المنجزة بشأنه29 ,0 في المائة فقط من العدد الإجمالي لرسوم الزواج خلال هذه السنة كما سجل ميل الأزواج في إنهاء العلاقة عن طريق الطلاق الاتفاقي ارتفاعا بنسبة28 ,22 في المائة.
وفيما يخص عدد الأحكام التي تشهد بوقوع الصلح بين الزوجين بالنسبة لدعاوى الطلاق أو التطليق خلال سنة2007 ، فقد حققت نسبا مهمة حيث قاربت نسبة السدس من مجموع الأحكام القاضية بالتطليق.
أما في ما يتعلق بالتجاوب الفعلي للأزواج مع المقتضيات المتعلقة بتدبير الأموال التي تكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية، فقد بلغ عدد العقود المنجزة بهذا الخصوص خلال سنة2007 ما مجموعه900 عقدا، مقابل424 عقدا فقط سنة2006
هذه هي الحصيلة التي أفرزتها رابع سنة من تطبيق مدونة الأسرة، تحققت خلالها مكتسبات لكنها قليلة في نظرالمغاربة الذين انخرطوا، في دوامة من التساؤلات المسيسة، أهدرت المغرب سنوات من الجهد وكانت الأسرة المغربية هي الخاسر الأكبرفيها.
كيف السبيل لخلق أسرة متماسكة؟
سؤال محير، فكل المجهودات التي بدلت وكل المسيرات التي خاضتها الجمعيات، وكل المقتضيات التي تم التنصيص عليها، كانت منصبة على هدف واحد، وهو ضمان تماسك الأسرة المغربية، ولكن للأسف فالأسرة هي آخر من يعلم، ربما لأن التوعية في هذا الإطار لم تكن كافية، ربما لأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تتخبط في الشرائح المستضعفة، زاد في تعميق الهوة بين النص والتطبيق، فكل الإحتمالات واردة، ولكن يبقى التطبيق الصحيح هو أن صياغة مدونة الأسرة، كان محاولة إستعجالية لعلاج الداء ولكن لم تراعى فيه المقاربة الشمولية التي تحتاج لسنوات من التحضير قبل البدء في التنفيذ.
فبعد أربع سنوات من التطبيق لا زالت الأسرة المغربية تتخبط في مشاكل حقيقية، تعتبر قضايا مهمة عملت المدونة على تبويبها ك طلاق، نفقة، حضانة، تعدد... ورغم المجهودات التي تم إنجازها، فقضايا الأزواج المعروضة في ردهات المحاكم والتي يشكل الطلاق أكبر منتصر فيها، تؤكد على أن الإستراتيجية التي اتبعت شابها خلل ما، فبحسب المختصين في مجال القانون، فالخلل يكمن في غياب اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح تنطلق من وجود بنية اقتصادية ملائمة، و إلى ضرورة تغيير العقليات، مرورا بالدور التربوي للأسرة والمدرسة والمجتمع. إضافة إلى عدم مواكبة البنية التحتية والموارد البشرية والمالية للقضاء لمضمون مدونة الأسرة الجديدة وهذا ما يؤدي إلي إفراغ المدونة من مضمونها لعدم استفادة الناس من الحماية التي تكفلها لهم مقتضياتها، فإذا كانت المدونة قد طبقت فإن جوانب أخرى قد أهملت، دون أن ننسى أن شريحة واسعة من المغاربة ليست لها دراية بالمقتضيات القانونية التي نصت عليها المدونة، التي جاءت لإنصاف الأسرة ككل، وليس كما يدعي البعض، بأنها أنصفت المرأة على حساب الرجل، فهناك فهم مغلوط لجملة من البنود التي صيغت لتحقيق التماسك الأسري، ولكن الخصوصية الثقافية والفكرية كان من الضروري مراعاتها قبل التنفيذ الفعلي لمدونة الأسرة.
كذلك من بين المشاكل التي طرحها تطبيق المدونة، ما يتعلق بالنفقة على الأبناء،
فما تم التنصيص عليه، في هذا الإطار، اعتبره البعض إجحافا في حق رب الأسرة، صحيح أن المدونة قد نجحت نسبيا في ضمان حقوق الأطفال في حالة وقوع الطلاق، لا سيما والكل يعرف الحيف الذي طال العديد من الأسر في إطار مدونة الأحوال الشخصية، و لكن الواقع الاقتصادي لملايين المغاربة يفرض إرفاق هاته المقتضيات بإجراءات موازية لإنجاح الحماية التي جاءت بها لفائدة الأطفال، والأخد بعين الإعتبار الحالة التي يكون فيها كلا الطرفين معسرين، فحين ذاك من سيعيل الأبناء، لهذا ولتفادي الآفات التي يكون الطفل ضحيتها، دعا الفاعلون الحقوقيون إلى ضرورة التعجيل بإنشاء صندوق تكافل لحماية الأسر الفقيرة.
****************************************
في حوار مع الأستاذ محمد السالك محامي بهيئة الدار البيضاء.
لا يمكن أن نأتي بقانون من أجل تغيير المجتمع، وتغيير الأسرة. فهناك ثوابت ورواسب وثقافات دائما تبقى هي الأساس الذي يجب الاعتماد عليه.
***ماهو تقييمك لحصيلة أربع سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، وهل حققت النتائج المرجوة ؟
بطبيعة الحال، إن مدونة الأسرة جاءت لحماية كافة الأسرة، زوجا وزوجة وأبناء، كما جاءت بمستجدات لحماية الزوجة والأبناء تبعا لما قامت به الجمعيات الحقوقية خاصة النسائية، وهذا لا يعني أن مدونة الأسرة مخالفة للشريعة الإسلامية، ولكنها إحتفظت بجميع مبادئها الأساسية.
ولكن الملاحظ أن مدونة الأسرة بخلاف باقي القوانين، جاءت لتغيير المجتمع، في حين أن القوانين بالأساس تتغير بتغير المجتمع، وحاجياته، ولكن الإشكال المطروح، هو عدم فهم شريحة واسعة من المجتمع المغربي، للمقتضيات التي نصت عليها المدونة، بمعنى أخر، أنه مازالت هناك أفكار مغلوطة من قبيل اقتسام الممتلكات ما بين الزوجين، وبأن المرأة لها كامل الحقوق على الزوج، أكثر من ذلك أن بعض الرجال ينظرون نظرة سلبية لمدونة الأسرة، نظرا لما نلاحظه يوميا لتعدد حالات الطلاق وكذلك الدعاوى المرتبطة بذلك.
بالنسبة للتقييم، ففي خضم أربع سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، كانت هناك نتائج إيجابية، تتمثل بالخصوص في الرجوع إلى بيت الزوجية، في حالة طرد أحد الزوجين، سواء الرجل أوالمرأة، سكنى الأبناء بعد الطلاق، ففي السابق الأبناء يستحقون فقط النفقة، أما الآن فالمدونة جاءت بمستجد يتمثل في حق الأبناء في واجب السكن أو الكراء أو إلزام الأب بتوفير محل سكن لهم بعد الفراق مع الزوجة.
ولكن المشكل المطروح يتجسد في حالة طرد أحد الزوجين من بيت الزوجية، فهنا المشرع أعطى النيابة العامة الحق في العمل على إرجاع أحد الزوجين إلى بيت الزوجية، بمعنى أن الشخص إذا طرد زوجته لا يعاقب والعكس صحيح، وفي بعض المحاكم كفاس مثلا، عندما تتأخر الزوجة لمدة أسبوع فقط بعد طردها من بيت الزوجية، وتلجأ للنيابة العامة قصد إعادتها، فهم يرفضون رفضا باتا، وهذا إشكال آخر، وإذا كان هناك إجتهاد فيلزم أن يحافظ على الأسرة ومكانة الأبناء في خضم هذه المشاكل كلها.
***ألا يعني هذا أن مدونة الأسرة ساهمت في تفكيك الروابط الأسرية بدل تقويتها؟
المدونة لم تقم بعملية تفكيك الأسرة، ولكن الفهم المغلوط لنصوص المدونة هو السبب، فالإنسان عندما يحاول الإرتباط، هناك أشياء أخرى يجب أن تؤخد بعين الاعتبار، فالهدف من الزواج هو الحب، الاستقرار، التفاهم، فإذا غيبت هذه الأمور، فبطبيعة الحال سيلجأ الزوجين إلى القضاء عند أول نزاع.
***بماذا تفسر ارتفاع نسب الطلاق للشقاق؟
الطلاق للشقاق جاء كحل للزوجات اللواتي يطلبن الطلاق من أجل الضرر، ولا يستطعن إثباته، وكما قلت، استعمال هذا الحق بطريقة سلبية وتعسفية هو الذي جعل، الطلاق يرتفع .
***الحصيلة التي قدمها وزير العدل جاءت بمجموعة من المؤشرات الإيجابية كارتفاع نسب الزواج أليس هذا في نظرك مؤشر إيجابي؟
بما أن ساكنة المغرب هي حوالي 33 مليون نسمة فبالتأكيد نسبة الزواج ستعرف ارتفاعا، ولكن بالمقارنة مع نسب الطلاق فالإنسان يبقى متخوفا، لماذا سأتزوج إذا كنت بعد مدة قصيرة سيكون مصيري الطلاق.
***ألا ترى بأنه فيما يخص النفقة على الأبناء، قد يكون هناك تعسف في حق رب الأسرة ؟
بالنسبة للنفقة، لا أقدر أن أقول لك بأن هناك تعسف، أولا لأن المشرع المغربي، أتاح للمحكمة السلطة التقديرية للنفقة، أولا بصفته قاضيا و ثانيا بصفته شخص من المجتمع، فهو دائما على إطلاع بالأحوال العامة الاقتصادية والاجتماعية، وتقدير النفقة يبقى للمحكمة حسب الأحوال، ليست هناك نسب قارة، فبحسب دخل الزوج وحال الأطفال قبل الطلاق، وحاجياتهم بمعنى أنه إذا كان دخل الزوج هو 10000 درهم، فهو لا يمكن أن يؤدي نفس واجبات النفقة آخر يتوفر على دخل شهري يقدر ب30000 فكل ما ارتفع دخل الزوج كلما ارتفعت النفقة وتقديرها.
وفي حالة التعسف في السلطة التقديرية للقاضي، وتضرر الشخص، فالقانون منح للمتضرر الحق بالطعن بالاستئناف، وإذا أدلى بما يفيد وكانت واجبات النفقة
مرتفعة، وإن محكمة الاستئناف ستعيد الأمور إلى نصابها.
***كيف سنجعل من مدونة الأسرة قادرة على النجاح في إعادة التماسك للأسرة المغربية؟
المسألة تتعلق بالأسرة وليس بالقانون، لا يمكن أن نأتي بقانون من أجل تغيير المجتمع، وتغيير الأسرة ووضعها في إطار. فهناك ثوابت ورواسب وثقافات دائما تبقى هي الأساس الذي يجب الاعتماد عليها.
فمدونة الأسرة بتطبيقها السليم من طرف الأشخاص ستكون ناجحة وإذا ما استفاد أي شخص، من حق، استفادة سلبية سيكون ذلك ضد الأسرة والمجتمع.
لا زالت ردهات المحاكم تعج بقضايا شائكة سببها جهل المغاربة بحقوقهم
تعد الأسرة هي النواة الصلبة للمجتمع وضمان استقرارها أضحى من بين الركائز الأساسية التي تعمل الحكومات وكافة التشريعات والقوانين على تكريسها، من خلال سن جملة من التشريعات غايتها الأولى تحقيق التوازن العائلي.
والمغرب من بين البلدان التي انخرطت في مسيرة الإصلاح والتغييروالتي كانت من بين إفرازاتها إعادة النظر في مقتضيات مدونة الأحوال الشخصية التي عمل بها القضاء المغربي لسنوات، وذلك من خلال مدونة الأسرة، التي كانت نتيجة نضالات خاضتها الجمعيات النسائية والحقوقية، لحل مجموعة من المشاكل التي تتخبط فيها الأسرة المغربية، غير أن الحصيلة التي قدمها وزير العدل، أثبتت فعلا بأن المدونة لم تحل الأزمة والدليل هو الارتفاع في نسب الطلاق الذي يعد من أخطر المدمرات الأسرية التي تتسبب في كوارث مجتمعية حقيقية.
أجمع الكثير من رجال القانون على أن مدونة الأسرة غداة صدورها سنة 2003 واجهتها صعوبات وتعثرات، على اعتبار العقلية المغربية التي لم تكن مستعدة، بحكم مجموعة من العوامل وعلى رأسها الأمية أن تتقبل مضامين مدونة الأسرة التي بدلا من أن تصاغ بشكل يلائم الشريحة الكبرى من المجتمع، عملت على إغراق الناس في دوامة من التساؤلات، لحد الآن لم يعرفوا الإجابة الصحيحة عنها
فبعد أربع سنوات من التطبيق لا زالت هناك تعثرات فعلية يلمسها رجال القانون، والباحثون في مجال الأسرة.
أربع سنوات من التطبيق أي جديد
في إطار مواكبة تطبيق مضامين ومقتضيات مدونة الأسرة، تحرص وزارة العدل على رصد المعطيات الإحصائية التي يفرزها التطبيق العملي لهذه المدونة منذ دخولها إلى حيز التنفيذ، وفي هذا الصدد قدم وزير العدل عبد الواحد الراضي في الجلسة الافتتاحية لليوم الدراسي الذي نظمته وزارة العدل بمناسبة الذكرى الرابعة لصدور مدونة الأسرة، حصيلة أربع سنوات من تطبيق المدونة على أرض الواقع والذي أفاد من خلالها بأن نسبة الزواج عرفت ارتفاعا مهما في السنة الماضية، حيث بلغ عدد رسومه ما مجموعه297 ألف و660 رسما مقابل272 ألف و989 سنة2006 ، لتحقق بذلك ارتفاعا بنسبة04 ,9 في المائة وأضاف أن نسبة الأحكام الصادرة بثبوت الزوجية، عرفت بدورها ارتفاعا مهما حيث بلغ عدد الأحكام الصادرة بشأنها ما مجموعه 18 ألف و751 حكما مقابل16 ألف و832 حكما سنة2006 ، أي بزيادة بنسبة40,11 في المائة.
أما فيما يتعلق بالتعدد خلال2007، فشكلت نسبة الرسوم المنجزة بشأنه29 ,0 في المائة فقط من العدد الإجمالي لرسوم الزواج خلال هذه السنة كما سجل ميل الأزواج في إنهاء العلاقة عن طريق الطلاق الاتفاقي ارتفاعا بنسبة28 ,22 في المائة.
وفيما يخص عدد الأحكام التي تشهد بوقوع الصلح بين الزوجين بالنسبة لدعاوى الطلاق أو التطليق خلال سنة2007 ، فقد حققت نسبا مهمة حيث قاربت نسبة السدس من مجموع الأحكام القاضية بالتطليق.
أما في ما يتعلق بالتجاوب الفعلي للأزواج مع المقتضيات المتعلقة بتدبير الأموال التي تكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية، فقد بلغ عدد العقود المنجزة بهذا الخصوص خلال سنة2007 ما مجموعه900 عقدا، مقابل424 عقدا فقط سنة2006
هذه هي الحصيلة التي أفرزتها رابع سنة من تطبيق مدونة الأسرة، تحققت خلالها مكتسبات لكنها قليلة في نظرالمغاربة الذين انخرطوا، في دوامة من التساؤلات المسيسة، أهدرت المغرب سنوات من الجهد وكانت الأسرة المغربية هي الخاسر الأكبرفيها.
كيف السبيل لخلق أسرة متماسكة؟
سؤال محير، فكل المجهودات التي بدلت وكل المسيرات التي خاضتها الجمعيات، وكل المقتضيات التي تم التنصيص عليها، كانت منصبة على هدف واحد، وهو ضمان تماسك الأسرة المغربية، ولكن للأسف فالأسرة هي آخر من يعلم، ربما لأن التوعية في هذا الإطار لم تكن كافية، ربما لأن الواقع الاجتماعي والاقتصادي الصعب الذي تتخبط في الشرائح المستضعفة، زاد في تعميق الهوة بين النص والتطبيق، فكل الإحتمالات واردة، ولكن يبقى التطبيق الصحيح هو أن صياغة مدونة الأسرة، كان محاولة إستعجالية لعلاج الداء ولكن لم تراعى فيه المقاربة الشمولية التي تحتاج لسنوات من التحضير قبل البدء في التنفيذ.
فبعد أربع سنوات من التطبيق لا زالت الأسرة المغربية تتخبط في مشاكل حقيقية، تعتبر قضايا مهمة عملت المدونة على تبويبها ك طلاق، نفقة، حضانة، تعدد... ورغم المجهودات التي تم إنجازها، فقضايا الأزواج المعروضة في ردهات المحاكم والتي يشكل الطلاق أكبر منتصر فيها، تؤكد على أن الإستراتيجية التي اتبعت شابها خلل ما، فبحسب المختصين في مجال القانون، فالخلل يكمن في غياب اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح تنطلق من وجود بنية اقتصادية ملائمة، و إلى ضرورة تغيير العقليات، مرورا بالدور التربوي للأسرة والمدرسة والمجتمع. إضافة إلى عدم مواكبة البنية التحتية والموارد البشرية والمالية للقضاء لمضمون مدونة الأسرة الجديدة وهذا ما يؤدي إلي إفراغ المدونة من مضمونها لعدم استفادة الناس من الحماية التي تكفلها لهم مقتضياتها، فإذا كانت المدونة قد طبقت فإن جوانب أخرى قد أهملت، دون أن ننسى أن شريحة واسعة من المغاربة ليست لها دراية بالمقتضيات القانونية التي نصت عليها المدونة، التي جاءت لإنصاف الأسرة ككل، وليس كما يدعي البعض، بأنها أنصفت المرأة على حساب الرجل، فهناك فهم مغلوط لجملة من البنود التي صيغت لتحقيق التماسك الأسري، ولكن الخصوصية الثقافية والفكرية كان من الضروري مراعاتها قبل التنفيذ الفعلي لمدونة الأسرة.
كذلك من بين المشاكل التي طرحها تطبيق المدونة، ما يتعلق بالنفقة على الأبناء،
فما تم التنصيص عليه، في هذا الإطار، اعتبره البعض إجحافا في حق رب الأسرة، صحيح أن المدونة قد نجحت نسبيا في ضمان حقوق الأطفال في حالة وقوع الطلاق، لا سيما والكل يعرف الحيف الذي طال العديد من الأسر في إطار مدونة الأحوال الشخصية، و لكن الواقع الاقتصادي لملايين المغاربة يفرض إرفاق هاته المقتضيات بإجراءات موازية لإنجاح الحماية التي جاءت بها لفائدة الأطفال، والأخد بعين الإعتبار الحالة التي يكون فيها كلا الطرفين معسرين، فحين ذاك من سيعيل الأبناء، لهذا ولتفادي الآفات التي يكون الطفل ضحيتها، دعا الفاعلون الحقوقيون إلى ضرورة التعجيل بإنشاء صندوق تكافل لحماية الأسر الفقيرة.
****************************************
في حوار مع الأستاذ محمد السالك محامي بهيئة الدار البيضاء.
لا يمكن أن نأتي بقانون من أجل تغيير المجتمع، وتغيير الأسرة. فهناك ثوابت ورواسب وثقافات دائما تبقى هي الأساس الذي يجب الاعتماد عليه.
***ماهو تقييمك لحصيلة أربع سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، وهل حققت النتائج المرجوة ؟
بطبيعة الحال، إن مدونة الأسرة جاءت لحماية كافة الأسرة، زوجا وزوجة وأبناء، كما جاءت بمستجدات لحماية الزوجة والأبناء تبعا لما قامت به الجمعيات الحقوقية خاصة النسائية، وهذا لا يعني أن مدونة الأسرة مخالفة للشريعة الإسلامية، ولكنها إحتفظت بجميع مبادئها الأساسية.
ولكن الملاحظ أن مدونة الأسرة بخلاف باقي القوانين، جاءت لتغيير المجتمع، في حين أن القوانين بالأساس تتغير بتغير المجتمع، وحاجياته، ولكن الإشكال المطروح، هو عدم فهم شريحة واسعة من المجتمع المغربي، للمقتضيات التي نصت عليها المدونة، بمعنى أخر، أنه مازالت هناك أفكار مغلوطة من قبيل اقتسام الممتلكات ما بين الزوجين، وبأن المرأة لها كامل الحقوق على الزوج، أكثر من ذلك أن بعض الرجال ينظرون نظرة سلبية لمدونة الأسرة، نظرا لما نلاحظه يوميا لتعدد حالات الطلاق وكذلك الدعاوى المرتبطة بذلك.
بالنسبة للتقييم، ففي خضم أربع سنوات من تطبيق مدونة الأسرة، كانت هناك نتائج إيجابية، تتمثل بالخصوص في الرجوع إلى بيت الزوجية، في حالة طرد أحد الزوجين، سواء الرجل أوالمرأة، سكنى الأبناء بعد الطلاق، ففي السابق الأبناء يستحقون فقط النفقة، أما الآن فالمدونة جاءت بمستجد يتمثل في حق الأبناء في واجب السكن أو الكراء أو إلزام الأب بتوفير محل سكن لهم بعد الفراق مع الزوجة.
ولكن المشكل المطروح يتجسد في حالة طرد أحد الزوجين من بيت الزوجية، فهنا المشرع أعطى النيابة العامة الحق في العمل على إرجاع أحد الزوجين إلى بيت الزوجية، بمعنى أن الشخص إذا طرد زوجته لا يعاقب والعكس صحيح، وفي بعض المحاكم كفاس مثلا، عندما تتأخر الزوجة لمدة أسبوع فقط بعد طردها من بيت الزوجية، وتلجأ للنيابة العامة قصد إعادتها، فهم يرفضون رفضا باتا، وهذا إشكال آخر، وإذا كان هناك إجتهاد فيلزم أن يحافظ على الأسرة ومكانة الأبناء في خضم هذه المشاكل كلها.
***ألا يعني هذا أن مدونة الأسرة ساهمت في تفكيك الروابط الأسرية بدل تقويتها؟
المدونة لم تقم بعملية تفكيك الأسرة، ولكن الفهم المغلوط لنصوص المدونة هو السبب، فالإنسان عندما يحاول الإرتباط، هناك أشياء أخرى يجب أن تؤخد بعين الاعتبار، فالهدف من الزواج هو الحب، الاستقرار، التفاهم، فإذا غيبت هذه الأمور، فبطبيعة الحال سيلجأ الزوجين إلى القضاء عند أول نزاع.
***بماذا تفسر ارتفاع نسب الطلاق للشقاق؟
الطلاق للشقاق جاء كحل للزوجات اللواتي يطلبن الطلاق من أجل الضرر، ولا يستطعن إثباته، وكما قلت، استعمال هذا الحق بطريقة سلبية وتعسفية هو الذي جعل، الطلاق يرتفع .
***الحصيلة التي قدمها وزير العدل جاءت بمجموعة من المؤشرات الإيجابية كارتفاع نسب الزواج أليس هذا في نظرك مؤشر إيجابي؟
بما أن ساكنة المغرب هي حوالي 33 مليون نسمة فبالتأكيد نسبة الزواج ستعرف ارتفاعا، ولكن بالمقارنة مع نسب الطلاق فالإنسان يبقى متخوفا، لماذا سأتزوج إذا كنت بعد مدة قصيرة سيكون مصيري الطلاق.
***ألا ترى بأنه فيما يخص النفقة على الأبناء، قد يكون هناك تعسف في حق رب الأسرة ؟
بالنسبة للنفقة، لا أقدر أن أقول لك بأن هناك تعسف، أولا لأن المشرع المغربي، أتاح للمحكمة السلطة التقديرية للنفقة، أولا بصفته قاضيا و ثانيا بصفته شخص من المجتمع، فهو دائما على إطلاع بالأحوال العامة الاقتصادية والاجتماعية، وتقدير النفقة يبقى للمحكمة حسب الأحوال، ليست هناك نسب قارة، فبحسب دخل الزوج وحال الأطفال قبل الطلاق، وحاجياتهم بمعنى أنه إذا كان دخل الزوج هو 10000 درهم، فهو لا يمكن أن يؤدي نفس واجبات النفقة آخر يتوفر على دخل شهري يقدر ب30000 فكل ما ارتفع دخل الزوج كلما ارتفعت النفقة وتقديرها.
وفي حالة التعسف في السلطة التقديرية للقاضي، وتضرر الشخص، فالقانون منح للمتضرر الحق بالطعن بالاستئناف، وإذا أدلى بما يفيد وكانت واجبات النفقة
مرتفعة، وإن محكمة الاستئناف ستعيد الأمور إلى نصابها.
***كيف سنجعل من مدونة الأسرة قادرة على النجاح في إعادة التماسك للأسرة المغربية؟
المسألة تتعلق بالأسرة وليس بالقانون، لا يمكن أن نأتي بقانون من أجل تغيير المجتمع، وتغيير الأسرة ووضعها في إطار. فهناك ثوابت ورواسب وثقافات دائما تبقى هي الأساس الذي يجب الاعتماد عليها.
فمدونة الأسرة بتطبيقها السليم من طرف الأشخاص ستكون ناجحة وإذا ما استفاد أي شخص، من حق، استفادة سلبية سيكون ذلك ضد الأسرة والمجتمع.
هناك تعليق واحد:
على من يجب دفع كراء السكن
هل يدفعه الزوج لوحده أو على الزوجين معا أو يخضع لضوابط أو الشروط التي تحدد خلال تحرير عقد الزواج
إرسال تعليق